الخميس 16 مايو 2024

تيران وصنافير تشعل جدل النواب في البرلمان حائر

18-1-2017 | 14:32

تقرير: رانيا سالم

حالة من الفرحة العارمة تغمر أروقة مجلس النواب، فرغم أن اليوم الذى صدر فيه الحكم مر بشكل طبيعى مارس فيه النواب اجتماعاتهم فى اللجان النوعية المعتادة، إلا أن الأمر تغير ٣٦٠ درجة فور تلقيهم خبر حكم المحكمة الإدارية العليا برفض طعن الحكومة على قرار بطلان اتفاقية ترسيم الحدود الصادر من محكمة القضاء الإدارى، فضجت اللجان جميعا بمناقشة الحكم فور صدوره، وتناقل النواب المباركة والتهنئة على الحكم التاريخى بمصرية جزيرتى تيران وصنافير.

 

المباركة والتهنئة التى عمت أرجاء البرلمان، تبعها دعوات زيارة الجزيرتين ورفع الأعلام المصرية عليها، وهى الدعوى التى طرحها النائبان محمد أنور السادات، وأسامة شرشر، واقترحا فيها قيام وفد برلمانى من المجلس بزيارة الجزيرتين.

أما المناقشات فدارت فى عدد من اللجان، منها لجنة الدفاع والأمن القومى، وحسم الأمر فيها إلى انتظار رأى رئيس المجلس الدكتور على عبد العال، وهيئة المكتب، فى حين أن لجنة حقوق الإنسان لم تختلف كثيرًا عن زميلتها، وعقب رئيسها علاء عابد بأن هناك احتراما لكل من القضاء ومجلس النواب، وفى انتظار لقرار رئيس المجلس وهيئة المكتب.

وعلى الرغم من وجود هذه الأجواء، التى شهدت المباركة والتهنئة، إلا أن تبعها جدل بين استمرار أحقية البرلمان فى مناقشة الاتفاقية التى أحيلت إليه من الحكومة، وبين غلق ملف القضية وعدم الحاجة لمناقشتها، فالأمر لايزال غامضا حتى بين النواب أنفسهم، فمنهم من أغلق ملف القضية بصدور الحكم، ومنهم من لايزال يدافع عن سعودية الجزيرتين وعن أحقية البرلمان فى مناقشتها، ومنهم من يقف كالعادة على حافة الحياد فى انتظار أن يناقش البرلمان تبعية الجزيرتين.

النائب عبد الرحيم على أكد بدوره أن الحقيقة ظهرت فى حكم المحكمة الإدارية العليا، وهو ما صدر فى حكم المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين، أو كما قال «الحكم عنوان الحقيقة»، مضيفًا أنه ليس هناك تعليق على أحكام القضاء، فحكمه قالها بوضوح للجميع.

ويشير إلى أن وضع البرلمان لايزال غامضا وغير محدد، فرئيس البرلمان، وهيئة المكتب، لم تعلن بعد هل سيتم مناقشة قضية تم إصدار حكم قضائى فيها؟، أم سيتم الالتزام بأحكام القضاء؟.

«مصرية الجزيرتين رأى أغلبية النواب»، هذا ما أكد عليه النائب عاطف مخاليف، عضو لجنة حقوق الإنسان، والذى قال إن ٩٩٪ من النواب اجتمعت على أن الجزيرتين مصريتان، وهو ليس أمرا نابعا بالعاطفة أو الهوى ولكنه مدعوم وموثق بالوثائق والمستندات والخرائط، ويبرهن عضو لجنة حقوق الإنسان بعدة أمور تثبت مصرية الجزيرتين، منها بعثت برمير فى ١٨٨٦ والتى تظهر الجزيرتين مصريتين، ووثائق الأمم المتحدة التى ظهرت عام ١٩٥٠ وتثبت سيادة مصر على الجزيرتين، وخرائط بلمير فى عام ١٩٠٥ التى تثبت مصرية تيران وصنافير، وفى عام ١٩٠٦ مصر تنشأ فنارة للإرشاد الملاحى بصنافير، ويؤرخ فيجوكير المؤرخ العسكرى لمصرية تيران وصنافير، مؤكدا أن الجيش المصرى لم يكن وجوده لحراسة الجزيرتين أو كما وصف «لم نكن غفر عند السعودية ولم نحتل أرض أحد».

ويرى «مخاليف» أنه ليس هناك داع أن يناقش البرلمان ملف قضيتى جزيرتى تيران، ولكن فى حالة قيام الحكومة بإحالته مرة ثانية للمجلس، فأنا وزملائى من نواب المجلس نناشد الدكتور على عبد العال، رئيس المجلس بأن ألا يعرضه على الجلسة العامة، ومع ذلك لو تم عرضه أنا متأكد على أن نسبة كبيرة موافقة على مصرية تيران وصنافير، وعلق ساخرًا «إلا إذا كان مجلس دولة تانية».

فى السياق ذاته، قال النائب الدكتور، حسام رفاعى، عضو مجلس النواب عن شمال سيناء، إن تيران وصنافير مصريتان وجزء من أراضى سيناء الغالية، مضيفًا إلى أن قرار المحكمة الإدارية العليا هو تطبيق لمواد القانون والدستور، وبالتالى لن تعرض القضية على البرلمان، فالحكم ألغى أحقية البرلمان فى مناقشته.

وشدد الرفاعى على الرفض التام لأى محاولة لإقحام البرلمان مرة ثانية فى عرض القضية، وجزم قائلا «التنازل عن تبعية جزء من أراضى الدولة هو من شأن السيادة، وفى حال التنازل عن تبعيتها لمصر علينا إجراء استفتاء شعبى ستكون الكلمة الأولى والأخيرة فيه للشعب الذى هب فرحا بحكم المحكمة اليوم بمصرية الجزيرتين، وسيعلنها للجميع فى أى استفتاء يجرى».

على الجانب الآخر وقف عدد من النواب فى انتظار الدراسة والإحالة إلى اللجان المختصة دون إبداء أى رأى بجنسية الجزيرتين، منهم النائب يحيى الكدوانى، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى، الذى قال إن ملف قضية جزيرتى تيران وصنافير من القضايا المتعلقة بالسيادة، ولهذا أحالتها الحكومة لمجلس النواب، ولكن عندما وجد رئيس المجلس الدكتور على عبد العال وهيئة المكتب أن الأمر يتم النظر إليه فى القضاء تم إرجاء الأمر انتظارا لقرار المحكمة النهائى، مشيرًا إلى أن بإنتهاء دور المحكمة سيبدأ البرلمان فى عمله، أو كما قال: «لنا موقف آخر، سيتم الاستماع فيه إلى كافة الخبراء والوزارات والجهات المتعلقة بالموضوع للوقوف على أحقية تبعية الجزيرتين واضعين نصب أعيننا كافة الوثائق والمستندات».

الكدوانى أكد على أن حكم المحكمة وضع البرلمان المصرى فى مأزق حقيقى، فالجميع يحترم أحكام القضاء وكل حكم له قناعة خاصة يتم ذكرها فى حيثيات الحكم، لكن المجلس سيدرس كافة الأسانيد، التى استند لها الحكم مع التدقيق فى كل صغيرة وكبيرة وكافة التفاصيل على حد تعبيره، فلا يمكن أن نفرط فى حبة رمل مصرية، ومن له حق بالتأكيد سيحصل عليها.

وبرهن وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بما فعله الراحل الزعيم جمال عبد الناصر وأثار قضية الجزيرتين تيران وصنافير منذ أكثر من ٤٠ عامًا، وقال إنهما سعوديتان، وأن السعودية طالبت بهما، وهو دليل على أن الموضوع قديم، وليس وليد هذا العام، فهناك جذور تاريخية فاصلة لابد أن نراعيها فى حكمنا على تبعية الجزيرتين، مضيفًا إلى أن البرلمان سيحيل الاتفاقية إلى كافة اللجان المختصة، ومن الممكن أن يعقد لجنة خاصة ليتم عرض كافة الآراء، وتكون الرأى الأخير للأغلبية، وإذا لم يتم الاتفاق سيطرح الموضوع للاستفتاء.

النائب محمود محيى الدين، عضو مجلس النواب عن محافظة المنوفية، لم يختلف كثيرا مع الكدوانى، بقوله «لست مع أو ضد تبعية الجزيرتين، ولكننى كرجل برلمان فى انتظار أن تحيل هيئة المكتب الاتفاقية إلى اللجان المختصة لدراستها»، وقبل الإحالة لايمكن تشكيل أو إبداء رأى نهائى فى الاتفاقية أو نصوصها.

ويعترف محيى الدين أن قرارات مصرية مثل تبعية تيران وصنافير تحدث تأثير فى الرأى العام، وفى الوقت ذاته تتعلق بالمصالح العليا، ولهذا يكون النظر فيها على تحقيق مصلحة البلد دون النظر لارتفاع أو انخفاض حالة التجاذب أو التضاد عند بعض القوى السياسية أو الرأى العام، لكن يتم الاحتكام لكافة السبل والأدوات لحسم الجدل الدائر بقدر كبير من الشفافية لصالح الوطن، فمثلا يجب أن يعى الرأى العام حجم الفوائد الاقتصادية من ترسيم الحدود، مؤكدًا على أن هذا لا يعنى أنه مع أو ضد الاتفاقية، وإنما يطالب بدراسة موضوعية بها قدر كبير من الشفافية والعمق والتخصص تضم كافة الخبراء والمتخصصين، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تقدم مستنداتها للمحكمة لأنها رأت أنها ليس جهة اختصاص ولم تر فى المحكمة جهة ولاية، على حد قوله.

فى نفس السياق، تحدث النائب حمدى بخيت، عضو مجلس النواب، واصفًا الأمر برمته بغير المنطقى، قائلًا «ما حدث هو أمر غير منطقى، بداية من عرض القضية على المحكمة غير المختصة، فمثل هذه القضايا يتم تداولها بالمحكمة الدستورية العليا، والتسلسل غير المنطقى بعدم إحالة الاتفاقية للبرلمان وعرضها على مجلس الوزراء، وكان يجب تقديم أدلة علمية بنقاط ترسيم الحدود البحرية وخرائط تؤكد تبعية الجزيرتين لمصر أو المملكة السعودية».

«إذا أردنا الحقيقة فعلينا البداية بالتسلسل المنطقى» وهو ما يؤكد عليه بخيت، فعلينا عرض القضية للحوار المجتمعى، ثم عرض الاتفاقية على البرلمان واللجان المختصة بالأمر، ويتم استخلاص نتائج تعرض للمناقشة فى الجلسة العامة، على أن يكون هناك جلسات استماع للخبراء والمختصين حتى نستطيع الجزم بأحقية الجزيرتين لنا أو للمملكة السعودية.

الثبات على الموقف هو الرأى الذى أصر عليه نواب آخرون، منهم النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعى وذوى الإحتياجات الخاصة، قائلًا «مناقشة البرلمان حق دستورى، وهذا الحق لايمنعه حكم قضائى مع احترامنا لأحكام القضاء، فالاتفاقية والحكم بمرفقاته وكافة المستندات ستعرض على البرلمان المصرى ليتم دراسته ويتم اتخاذ قرار يحقق مصلحة مصر وشعبها»، مؤكدًا على أن التشابك مع السلطات أمر طبيعى، وخاصة أننا نتبع دستورا جديدا، والتطبيق العملى هو الذى سيمنع التداخل من هذه النوعية مرة ثانية، وضرب مثلًا بالطعن على اتفاقية السلام أمام القضاء ووقتها رفضت المحكمة الدستورية العليا الدعوى، وتساءل أبو حاد «هل نظر القضاء فى هذه القضية هو أمر دستوري؟، فى حين أن النص الدستورى يثبت حق البرلمان فى عرضها عليه.

أبو حامد قال إنه لا يلتفت للمراهقات السياسية والانتقادات، التى توجه له، على حد وصفه، من جراء دفاعه عن حق أحقية مصر بالجزيرتين ويقول «تعليقات من نوعية حزب السعودية، أو وصف من دافعوا عن مصرية الجزيرة بقوائم شرف، هو نوع من المراهقة السياسية والمهاترات، التى لايلتفت لها من رجل يعمل بالسياسية، فكثير ما هٌجمت على آرائى ولكن ثبت صحتها بعد ذلك».

ويستنكر وكيل لجنة التضامن موقف من يدافعون عن مصرية تيران وصنافير، ويقول لا نمتلك وثيقة واحدة تقول فيها القيادة المصرية إن الجزيرتين مصريتان، فوقت مطالبة السعودية بالجزيرتين فى حرب ٧٣ وحرب العراق، كان الرد المصرى واحد، «الوقت غير مناسب والظروف الأمنية تتطلب بقاءها فى السيادة المصرية».