في إطار هذه التحولات في العلاقات المصرية الأفريقية ؛ وفي إطار الاستراتيجية التي تتبناها مصر نحو الانخراط والتعاون مع الدول الأفريقية وللأهمية التي توليها مصر للقارة الأفريقية، جاءت رسالة ماجستير الباحثة إيمان عبدالستار عبدالله عطية مدير إدارة النشر بمكز المعلومات والتوثيق بجامعة القاهرة، والتي تم إعدادها تحت إشرافنا وناقشها مؤخرًا د. نجوى كامل عبدالرحيم أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ود. شيماء محي الدين أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز البحوث الأفريقية بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، وقد تحددت مشكلة الدراسة في رصد وتحليل وتفسير سمات وخصائص معالجة الصحف المصرية للعلاقات المصرية الإفريقية في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي خلال الفترة من فبراير 2019 حتى فبراير 2020.
أولويات وحصاد رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019
تم اختيار مصر لتولي رئاسة الإتحاد الأفريقي في فبراير 2019 بالإجماع خلال قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا. ويمكننا القول أن رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي خلال عام 2019 جاءت تتويجا لجهود دؤوبة وحثيثة للدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وحرص القاهرة على استعادة دورها في القارة السمراء. وجاء اختيار مصر ليعكس أهمية دور مصر الإقليمي على الساحة الأفريقية وفي الوقت نفسه مثل تحدياً لمصر نظراً للدور المنتظر منها خلال رئاستها في ظل تعدد القضايا التي تشغل الأفارقة .
وقد تركزت أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي فيما يلي:
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية : من خلال العمل على توفير فرص عمل للشباب الأفريقي وتطوير منظومتي التصنيع والزراعة في أفريقيا لتحقيق الأمن الغذائي.
- تعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي وشركاء التنمية / السلام الدوليين والإقليميين والمحليين.
- التكامل الاقتصادي والاندماج الاقليمي من خلال الإسراع بدخول اتفاقية التجارة الحرة القارية حيز التنفيذ ، والعمل على دعم تنفيذ مشروعات البنية التحتية في أفريقيا
- تعزيز الإصلاحات المؤسسية والمالية للاتحاد الأفريقي.
- تحقيق السلم والأمن الأفريقيين من خلال دفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها، إصلاح مجلس السلم والأمن الأفريقي وتعزيز التعاون لدحر الإرهاب، تأسيس مركز الإتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات.
- مد جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب الأفريقية.
وقد تعددت الإنجازات التي حققتها مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي ولم تقتصر على المجال السياسي بل شملت مختلف المجالات وتشمل المجالات السياسية والأمنية، والمجالات الاقتصادية والتنموية، والتعليم والثقافة والفنون، ومجال الرياضة، ومستوى الشباب والمرأة، والمستوى الديني، والمستوى الصحي والإنساني:
أولاً : حصاد الرئاسة المصرية في المجالات السياسية والأمنية:
- تسلم مصر رئاسة الاتحاد للمرة الأولي منذ تأسيسه ( فبراير 2019)
حيث تسلمت مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي الأحد ١٠ فبراير 2019 ولمدة عام، وترأست أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لقمة رؤساء الدول والحكومات الأفارقة بالاتحاد. وجاءت رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي للمرة الأولى منذ نشأته عام ٢٠٠٢ خلفاً لمنظمة الوحدة الأفريقية. ويعد ذلك تتويجاً لجهود مصر خلال السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات مع القارة الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف، وتجسيداً لاستعادة الدور المحوري المصري كإحدى الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية الأم في ستينات القرن الماضي، وهي الجهود التي قوبلت من الدول الأفريقية بالتقدير الذي انعكس بالمقابل في منح مصر الثقة في إدارة والإشراف على الجهود القارية الدؤوبة لتلبية أحلام وطموحات الشعوب الأفريقية في غدٍ أفضل وقيادة دفة العمل الأفريقي المشترك في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة تزيد من حدتها تنوع التحديات التي تواجه القارة، مما يحتم ضرورة تنسيق المواقف الأفريقية المشتركة للتعامل مع تلك التحديات ولتضطلع أفريقيا بدورها كقوة مؤثرة على الساحة الدولية، وذلك بالتعاون والتنسيق الحثيث ما بين مصر وأشقائها من الدول الأفريقية.
2- مؤتمر نواب العموم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا (20 : 23 فبراير 2019)
استضافت مصر مؤتمر نواب العموم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الفترة من 20 الى 23 فبراير، وأكدت مصرعلى أهمية دور جمعية نواب العموم الأفارقة فى العمل على رفع كفاءة أجهزة الادعاء فى القارة وبناء قدرات أعضائها، ودعم مصر لدور الجمعية فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، باعتبار أن تعزيز العمل الأفريقي المشترك يعد أحد أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد.كما تم توضيح رؤية مصر لمكافحة الإرهاب والتي تستند إلى التعامل مع تلك الظاهرة من كافة جوانبها بما فى ذلك الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والدينية، فضلا عن التصدي لآليات التمويل والدعم السياسي والإعلامي للجماعات الإرهابية.
3- الجولات الرئاسية للدول الأفريقية ( أبريل 2019)
حيث قام الرئيس السيسى بزيارة عدد من غينيا وكوت ديفوار والسنغال، وتأتي أهمية هذه الزيارات أنها جاءت بعد انقطاع طويل جداً لقادة مصر عن زيارتها، فقد جاءت زيارة الرئيس السيسى لغينيا بعد (54) سنة منذ آخر زيارة لرئيس مصرى إليها، وهى زيارة الرئيس جمال عبد الناصر التاريخية إلى غينيا عام 1965، فى الوقت نفسه جاءت زيارة الرئيس للسنغال بعد 12 سنة من آخر زيارة رئاسية مصرية إلى السنغال عام 2007. وقد تمحورت المباحاثات خلال هذه الزيارات حول قضيتين رئيسيتين :
القضية الأولى : هى مكافحة الإرهاب والتطرف، وتحقيق السلم والأمن والاستقرار فى إفريقيا .
والقضية الثانية : هى التنمية وتعزيز التعاون التجارى والاستثمارى وفى مجال البنية التحتية بين مصر وهذه الدول .
4- العلاقات البرلمانية
أولى مجلس النواب اهتماماً كبيراً بالقارة الإفريقية خلال عام تولي مصر رئاسة الاتحاد الافريقي، وهو ما يتضح في الزيارات الخارجية واللقاءات المشتركة التي عقدها رئيس المجلس الدكتور علي عبد العال وعدد من نواب المجلس مع رؤساء وأعضاء البرلمانات الافريقية، واستضافة العديد من رؤساء البرلمانات الأفريقية والأنشطة البرلمانية الافريقية، حيث قام رئيس المجلس بـ 8 زيارات خارجية على رأس وفود برلمانية لدول أفريقية شملت كلا من: بوروندي وتنزانيا وجيبوتي وكينيا ورواندا واوغندا ونيجيريا وجنوب السودان، التقى خلالها رؤساء البرلمانات في تلك الدول. واستقبل مجلس النواب عددا كبيرا من رؤساء البرلمانات الأفريقية، وتم تدشين جمعية الصداقة البرلمانية بين مصر وغانا، وجمعية الصداقة البرلمانية بين مصر وتوجو.
5- مبادرة إسكات البنادق ( فبراير 2019)
أعد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقى المبادرة التى قدمها الرئيس السيسى بعنوان مبادرة "إسكات البنادق" خلال القمة الإفريقية بأديس أبابا فى فبراير 2019، والتى تضمنت آليات محددة لإنهاء النزاعات والحروب بالقارة السمراء. واستهدفت مبادرة "إسكات البنادق" إلى التوصل إلى اتفاقات نهائية مع أطراف النزاعات بربوع القارة السمراء بوقف إطلاق النار، فضلا عن طرح مبادرات للحوار بين كافة الأطراف، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاعات ومحاربة المجاعات.
في نفس السياق أيضا ، وفى اطار جهود القيادة السياسية لتحقيق الأمن والسلامة والتنمية بقارة إفريقيا عقدت ولأول مرة فى القاهرة اجتماعات خبراء اللجنة المتخصصة للدفاع والسلامة والأمن بالعاصمة الإدارية الجديدة (15-19 ديسمبر 2019 ) بهدف توحيد القرارات بين الدول الإفريقية لإيقاف أية تهديدات أو عدائيات تواجه القارة ، وبحث قضايا السلم والأمن وتطوير القوة الأفريقية الجاهزة، وقدرتها على الانتشار السريع، لتنفيذها من قبل الدول الأعضاء، والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، والآليات الإقليمية ومنع النزاعات وادارتها وتسويتها ؛ حيث ترأست مصر الإجتماعات على ثلاثة مستويات تتشكل من الخبراء ورؤساء الأركان ووزراء الدفاع ، للخروج بتوصيات وعرضها خلال القمة الإفريقية التالية لاعتمادها من دول الإتحاد الأفريقى ودخولها حيز التنفيذ .
6- توقيع اتفاقية استضافة مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار بعد النزاعات ( ديسمبر 2019)
وقعت مصر و مفوضية الاتحاد الأفريقي اتفاقية استضافة مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات؛ والذي اقترحت مصر إنشاءه في فبراير2019. والمركز يختص بإعادة الإعمار والتنمية الأفريقية، وتحصين الدول الأفريقية الخارجة من النزاعات والصراعات ضد أخطار الانتكاس، إلى جانب بناء قُدرات مؤسسات الدول لأداء مهامها في حماية أوطانها ترسيخا للاستقرار والسلام.
7-المشاركة فى حل الأزمة فى السودان وليبيا
حيث استضافت القاهرة قمتين لبحث الأزمة السياسية فى كل من السودان وليبيا هما :
- القمة التشاورية لشركاء السودان بالقاهرة (إبريل 2019) حيث دعت مصر إلى عقد قمة تشاورية لشركاء السودان الإقليميين للتباحث فى سبل تقديم الدعم والمساندة للأشقاء فى السودان.
- قمة الترويكا لمناقشة مستجدات الاوضاع على الساحة الليبية والتي جمعت قادة مصر وجنوبِ إفريقيا وروندا ورئاسةَ لجنة ليبيا في الاتحاد الإفريقي، لمناقشة مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية.
وأسفرت القمتان عن توحيد الرؤى بشأن الأوضاع والتطورات في كل من البلدين الشقيقين ؛ وسعت مصر إلى توحيد القوى الوطنية الليبية للتوصل لحل سياسى للأزمة، كما رعت عدة جولات من المباحثات للوساطة بين المشير خليفة حفتر وحكومة فايز السراج. واستضافت القاهرة فى يوليو 2019 ( 80) نائبا ليبيا بقيادة فوزى النويرى- رئيس البرلمان الليبى بدعوة من اللجنة الوطنية المعنية بليبيا لتوحيد رؤى النواب الليبيين حول حل سياسى بقيادة البرلمان الليبى لوضع حد للأزمة التى تمر بها البلاد .
8- منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة
نظمت مصر الدورة الأولى لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة فى الفترة من 12 لـ14 ديسمبر 2019، بناء على إعلان الرئيس "السيسى" خلال تسلمه رئاسة الاتحاد الإفريقى فى فبراير 2019 عن إقامة محفل دولى سنوى بأسوان لبحث سبل السلام والتنمية المستدامة بالقارة السمراء، وشارك بالمنتدى عدد من رؤساء الدول الإفريقية ورؤساء الحكومات فضلا عن ممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية والمالية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى.
واستهدف المنتدى توفير منصة دائمة للحوار والتفاعل بين قادة وخبراء القارة؛ لللتمهيد لتحقيق التنمية المستدامة عبر الدعوة للاستثمار فى موارد القارة السمراء، وتطوير البنى التحتية بربوعها، وبحث سبل تحقيق السلام وحل النزاعات المسلحة بالدول الإفريقية لارتباطها الوثيق بالتنمية وجذب الاستثمارات وتمويلات المؤسسات الدولية للمشاريع التنموية بالقارة. وبحث المنتدى سبل إعادة توطين اللاجئين والنازحين قسريا بالتعاون مع المفاوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، كما ركزت جلسات المؤتمر على آليات منع الصراعات عبر مبادرة إسكات البنادق، وآليات السلام المستدام، فضلا عن التطرق لدور المرأة الإفريقية وتمكينها والشراكة الإفريقية مع العالم .
9- تمثيل مصر للقارة الافريقية في المحافل الدولية
من أجل الحصول علي حقها في التنمية الشاملة والمستدامة وخلق فرص الاستثمار وحمايتها من خطر الارهاب شاركت مصر في عدد كبير من المحافل الدولية ممثلا للقارة الافريقية باعتبار مصر رئيس الاتحاد الإفريقي خلال عام 2019 . ومنها مؤتمر ميونخ للأمن (15 فبراير 2019)، ومنتدي الحزام والطريق (24 أبريل 2019)، والقمة الصينية الافريقية (18 يونيو 2019)، وقمة مجموعة العشرين فى أوساكا باليابان (28 ، 29 يونيو 2019)، والقمة الافريقية بالنيجر(8 يوليو 2019)، وقمة السبع الكبرى (24 اغسطس 2019)، والقمة اليابانية الافريقية (28 اغسطس 2019)، والدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة (24 سبتمبر 2019)، والقمة الروسية الافريقية (24 اكتوبر 2019)، والقمة الألمانية الأفريقية (19 نوفمبر 2019)، وقمة الاستثمار البريطانية - الإفريقية 20 يناير 2020.
ونستكمل عرض هذه الدراسة في المقال القادم بإذن الله.
د. شريف درويش اللبان