الجمعة 3 مايو 2024

سجلت جميع الأحداث الهامة و الثورات والحروب «المصور».. ذاكرة مصر والعالم العربى

مجلة المصور

21-11-2023 | 18:47

تقرير يكتبه: أشرف التعلبى
إذا كانت «المصور» قد اهتمت فى الـ25 سنة الأولى «1924 - 1949» بالقضايا الاجتماعية بجانب السياسة والاقتصاد، فإن الـ25 سنة الثانية «1950 - 1975» من عمر «المصور» كانت مليئة بالأحداث السياسية المتلاحقة، بداية من تكوين تنظيم الضباط الأحرار ثم حريق القاهرة ثم قيام ثوره 23 يوليو 1952 وتبعها إعلان الجمهورية ثم تولى الزعيم جمال عبدالناصر حكم البلاد بعد الرئيس محمد نجيب، ثم تأميم قناة السويس وكذلك العدوان الثلاثى، إلى أن حلت نكسة 67 وتنحى عبدالناصر ثم عودته للحكم، ووفاته وتولى الرئيس أنور السادات بعده إلى أن قامت حرب أكتوبر 1973. وتحقيق النصر العظيم ورغم كثرة الأحداث السياسية لم تنصرف «المصور» عن القيام بدورها فى متابعة المجتمع ومشاكله وقضاياه، بل كانت تتناول كل ما يخص الثقافة والمرأة والرياضة، حاضرة بالكلمة والصورة تسجل وتوثق كل لحظة وكل قرار، لتكون منبرا توعويا للأمة، فتمر السنوات ويبقى توثيقها وتسجيلها للأحداث تاريخا يُروى للأجيال. ثورة على الأبواب: على غلافها الصادر 19 أكتوبر 1951 نشرت «المصور» صورة النحاس باشا تحت عنوان «مصر تعلن الجهاد»، وهو غلاف ينبع من حس وطنى بمسئولية كبرى تجاه قضايا الوطن، فالغلاف معبر عما حدث يوم الإثنين 8 أكتوبر عام 1951، وهو يوم خالد فى تاريخ مصر الحديث، بل فى تاريخها الوطنى والقومى، وكان بداية مرحلة جديدة من مراحل الكفاح، بل يمكن القول إنه مهد للقيام بثورة 23 يوليو، يوم إعلان إلغاء معاهدة 1936، عندما اجتمع البرلمان فى جلسة تاريخية، وأعلن مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء وقتئذ، قطع المفاوضات السياسية التى كانت قائمة فى عهد وزارة، الوفد بين الحكومتين المصرية والبريطانية، كما أعلن إلغاء معاهدة 26 أغسطس 1936 واتفاقيتى 19 يناير و10 يوليه عام 1899 فى شأن إدارة السودان، وقدم إلى البرلمان المراسيم بمشروعات القوانين المتضمنة هذا الإلغاء، فاستقبل الشعب المصري، إلغاء معاهدة 1936، بفرحه كبيرة وأبدى استعداده للتضحية والفداء لمقاومة الاحتلال البريطانى فى منطقة السويس. وأكملت المجلة حملتها فنشرت على غلافها يوم 2 نوفمبر 1951 بالعدد 1412 صورة طفل صغير وهو يحمل حجرا، وكُتبت فوق صورته «فدائى من بورسعيد»، وتعبيرا عن الصورة، قالت المصور: «تتحدث مصر كلها عن الطفل «نبيل منصور» أصغر فدائى، وأشجع بطل ظهر حتى اليوم فى معركة التحرير، إنه فى الحادية عشرة من عمره، ومع ذلك كتب أروع صفحة فى الشجاعة والتضحية والاستشهاد، فعندما رأى الإنجليز يحصدون أرواح مواطنيه فى بورسعيد، تسلل بجسده الصغير بين الأسلاك الشائكة إلى خيامهم فى جنح الظلام، وقد حمل بعض الخرق المبللة بالبترول، وأخذ يشعلها ويلقى بها على الخيام وهو يجرى، فاشتعلت النار فى عشرين خيمة منها، وتعالى اللهب حتى لمحه الإنجليز الذين دب الذعر فى قلوبهم فاقتنصوه برصاصهم، فكان سيد الشهداء وأشجع المجاهدين. وفى العدد التالى مباشرة كان غلافها يحمل صورة شاب ممسكا ببندقية تحت عنوان «كتائب التحرير تتحفز»، بعد أن تطوع كثير من الشباب فى كفاح الإنجليز فى القناة وألفوا من بينهم كتائب سميت كتائب الفدائيين أو كتائب التحرير، وكان لهذه الكتائب دور مهم فى تنظيم حركة الكفاح وبث روح المقاومة، وظلت «المصور» تدعم المقاومة وتحسّ المواطنين على الاشتراك فى حركة النضال، ولم تكتفِ بما نشرته بل أكملت طوال عام 1951 مقاومتها للاحتلال البريطانى، فنشرت أغلفة كثيرة عن كتائب التحرير والمقاومة فى مدن القناة، من أجل تحرير وطننا. حريق القاهرة: يوم 26 يناير 1952 نشرت «المصور» تحقيقاً موسعاً عن حريق القاهرة تحت عنوان: «من هنا بدأت الكارثة».. وأوضح التحقيق أن المتظاهرين وصلوا - يوم السبت المشئوم - إلى ميدان الأوبرا، واقتحم بعضهم «كازينو أوبرا» وحطموا ما كان فيه وأشعلوا النيران، ونشرت المجلة صورا لتقاطع شارعى سليمان باشا وعدلى عند سينما مترو وقد أحاطت به النيران من كل مكان.. ووثقت «المصور» فى عدد من الصفحات كل آثار الحادث المشئوم ورد فعل الحكومة والشعب آنذاك، وقالت فى تحقيقها: «فى بضع ساعات من يوم 26 يناير المشئوم خُيل لجماعات من أعداء الوطن أنهم يستطيعون إنزال ضربة قاصمة بالاقتصاد القومى.. فانطلقوا فى صورة جنونية مخربة يجتاحون ما وصلت إليه أيديهم من المنشآت والمؤسسات التى تعتبر من أعمدة الثروة القومية، وانجلى ذلك اليوم الأسود عن قلب العاصمة وقد عبثت به الفيران وأيدى النهابين، كأنما أغار سرب من طائرات معادية.. حتى فندق «شبرد» أشهر الفنادق وكعبة السائحين فى العالم أجمع، لم ينجُ من أيديهم، أحالوه فى ساعات إلى كومة رماد، وريعت مصر لهذه الكارثة، وتبين للمنكوبين فى هذه الحوادث، أن مصر كلها تقف إلى جانبهم، وأن كل مصرى مستعد للعمل بما تستطيعه قواه لمحو آثار هذا اليوم الحزين، لأن الذين اقترفوا هذه الجنابة أساءوا إلى كل مصرى فيما لديه، وهو سمعة هذا الوطن ونهضته المباركة. وظلت «المصور» تتابع قضية حريق القاهرة فى أعداد متتابعة حتى نشرت فى عدد 28 مارس 1952 على غلافها صورة المحكمة وعنواناً: «العدالة تقتص للقاهرة»، وهو حدث كان يتردد وقتها على ألسنة الجميع، ينتظرون محاكمة المتهمين فى حادث حريق القاهرة، والرأى العام يتلهف لسماع كلمة العدالة التى تقتص للقاهرة ممن أرادوا بها شرا، وانعقدت المحكمة كما جاء فى تحقيق المجلة أنها انعقدت فى الهواء الطلق بنادى «شل» الرياضى، ونشرت عددا من الصور للمتهمين وهم يقفون فى الهواء أمام أعضاء المحكمة الذين عاينوا الموقع. ثورة 23 يوليو: لم تكن «المصور» بعيدة منذ صدورها عن متابعة أخبار القوات المسلحة المصرية، بل كانت داعما لخطواتتها منذ البداية، وداومت «المصور» على تسجل كل تحركات الجيش بدقة، من عودة القوات المصرية من السودان وتمصير قيادة الجيش المصرى 1936، وبناء سلاح الطيران وسفر بعثات الضباط لدراسة علوم الحرب، وحرب فلسطين48 وحرب اليمن 1962 ونكسة 67 وحرب الاستنزاف إلى أن انتصرنا فى حرب أكتوبر العظيم، ومازالت تكمل دورها الوطنى. وكان أول غلاف «للمصور» عن الجيش المصرى فى العدد 11 الصادر بتاريخ 2 يناير 1925، ويحمل صورة وزير الحربية صادق يحيى باشا، وقالت «المصور» فى هذا العدد: إن صادق يحيى باشا بذل عنايته لتفقد الجيش المصرى وتنظيمه، واستقبال الجنود العائدين من السودان، على أثر الحوادث الأخيرة وذلك بعد أن اتجهت أنظار المفكرين إلى أمر الجيش وإصلاحه. ليأتى يوليو السعيد وتكون «المصور» فى مقدمة الصحف التى ترصد تحركات الجيش والشعب.. ففى العدد الصادر أول أغسطس 1952 نشرت «المصور» غلافاً لصورة الرئيس محمد نجيب وعلى ماهر باشا، وبجوارهما كتبت عنوان «رجلا الساعة»، ثم سجلت فى الصفحات الداخلية «للتاريخ أن يمسك بقلم من ذهب، ويغمسه فى مداد من فخار، ليكتب فى صدر صفحة الخلد، اسمين ردا إلى مصر الأبية اعتبارها بين الدول هما ماهر ونجيب».. وقد زينت «المصور» بهذه المناسبة الرائعة صدرها بقلادة غالية، بصورة تاريخية تجمع بين منقذى مصر، البطلين المظفرين». وقالت «المصور» فى هذا العدد: إنه فى مساء 23 يوليو كان الجيش يستعد لأن يعيد كتابة تاريخ مصر وقد حسب الناس حين رأوا الجيش يمتشق الحسام ليفعل هذا، أنه إنما يكتب مقدمة كتاب عظيم، فقد كانوا - وأظنهم لا يزالون - يجهلون أن الجيش قد انتهى منذ وقت طويل من كتابة مقدمة الكتاب.. ومن كتابة فصوله جميعاً، ولم يبق فيه إلا الفصل الأخير .. وقد كتبه الجيش فى ذلك اليوم بأحرف من نار ونور. ولم تكتفِ «المصور» بما كتبته بل راح «إميل بك زيدان»، صاحب دار الهلال ومؤسس «المصور» يزور اللواء محمد نجيب فى مكتب القائد العام للقوات المسلحة.. مهنئا باسم دار الهلال البطل وأعوانه الأبطال الأحرار الذين خلصوا مصر من فساد كاد يزلزل أركانها.. وأشاد اللواء محمد نجيب بالصلة الوطيدة التى ربطت بين دار الهلال والجيش منذ زمن بعيد، كانت مجلات الدار خلالها لسان الجيش. وفى العدد التالى الصادر فى 15 أغسطس 1952 نشرت المجلة على غلافها صورة اللواء محمد نجيب وكتبت «منقذ مصر»، وكتب فيها فكرى أباظة يقول: «زرت المنقذ» فى عرينه وفى قلعة «القيادة العليا» شاهدت أبطال جيش الخلاص، وكنت أعرفهم من قبل وكانوا يعرفوننى، وتحدثت طويلا بصحبة زميلى وصديقى الوطنى الكبير عبدالرحمن الرافعى، فلم أكد أصدق عيني، ولا سمعى، ولا قلبى.. هذه روعة، هذه لفتة من لفتات السماء، ورب الأرض والسماء، إلهام، وحى ومعجزة. وانفردت «المصور» بنشر وثيقة التنازل عن العرش، قائلة: تسر «المصور» أن تنفرد بنشر الوثيقة التاريخية التى طويت بنشرها صفحة كالحة فى تاريخ مصر، وثيقة التنازل عن العرش التى حملها الأستاذ سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة، وحمل معها رغبة شعب وجيش إلى قصر «رأس التين»، فوقعها الملك صاغرا.. وقعها بقلم مضطرب ثم عاد فكتب إمضاءه مرة ثانية فى ركنها العلوى، فكان ذلك خاتمة ما بيننا وبين الملك السابق. وبعدها مباشرة نشرت فى العدد التالى غلافا يحمل عنوان «مصر الجديدة»، وأصدرت عددا تذكاريا عن ثورة 23 يوليو.. واستمرت «المصور» تتابع الأحداث السياسية والاقتصادية، وتساند الشارع المصرى فى كل قضاياه التى تشغل باله. يوم الجلاء: منذ اللحظة الأولى و«المصور» تطالب بالجلاء البريطانى التام عن مصر بدون أى شروط تمس السيادة المصرية، ونشرت فى عددها 1481 الصادر بتاريخ 27 فبراير 1953 مقالا لفكرى باشا أباظة يقول فيه: «الجلاء فى قاموس القومية المصرية معناه الخلاص، ومعناه فى لغة الواقع الاستقلال، ومعناه فى حياة الشعوب التحرر من استعمار سبعين عاما أو يزيد، يلوح الجلاء ويتراءى اليوم فى أفق الحقيقة والواقع، لا فى أفق الخيال والأمل.. ومصر إذا أمنت مؤخرتها فى الجنوب، تزحف إلى الأمام وهى واثقة كل الثقة بأن الجلاء سيتم ويتحقق.. فى أول دقيقة بعد توقيع اتفاق السودان فتح «الرئيس القائد» باب الحديث فى الجلاء. وهنا واجب الصحافة أن تبادر فتؤدى واجبها الثانى المقدس حيال مفاوضات الجلاء، كما أدت واجبها المقدس حيال مفاوضات السودان، وهذا الواجب هو واجب إبداء الرأى ونثر الخواطر ولفت النظر والتذكير.. وأول ما يخطر على البال أن هذا الجلاء يجب أن يكون جلاء ناجزا، وأن يكون جلاء غير مشروط، ولا مرتبطا بأى التزام آخر، ولا معلقا على عهد قريب أو بعيد.. عندما يتحقق الجلاء الفعلى ويجلو آخر جندى بريطانى عن أرض الوطن الطاهرة، وتنقطع الصلة بين التاريخ الماضى الأليم المرير الملوث بالاحتلال، وبين الحاضر والمستقبل الحر البريء من كل وصمة، عند ذاك يجوز الحديث مع مصر الحرة المستقلة استقلالا لا شائبة فيه». واستمرت «المصور» فى القيام بدورها فى التذكير ولفت النظر بشأن جلاء قوات الاستعمار البريطانى عن مصر، حتى تحقق الحلم بعقد اتفاقية الجلاء بين مصر والإنجليز فى 19 أكتوبر 1954.. ثم احتفلنا بخروج آخر جندى بريطانى من مصر فى 18يونيو 1956 من القاعدة البريطانية بقناة السويس، وحينها كتب فكرى أباظة يقول: «كان الأسبوع الماضى بلا منازع سيد الأسابيع، إذ احتفلنا بالجلاء الذى كان أملا وأمنية، فأصبح حقيقة وواقعا.. وطلع علينا صبح يوم الاثنين الأغر، فإذا بالوطن المعذب وقد تحرر، وقد تطهر، فكان يوم الميلاد ويوم البعث والنشور. وتابع فكرى: أسأل نفسى وأنا معجب كل الإعجاب بهذا الرجل الذى فجره التاريخ يوم 23 يوليو 1952، وأقصد به جمال عبدالناصر- أسأل نفسي: «كيف دبر هذا التدبير، ورتب هذا الترتيب، ونسق هذا التنسيق، فأخرج لأمته ووطنه وشعبه هذا الأسبوع العبقرى، وكيف حشد فيه كل معارك النصر والظفر.. شاء الله العلى القدير أن ينفذ برنامجه فعلا: فطوى آخر علم بريطانى ورحل آخر جندى بريطانى وبعد ذلك.. نعم بعد ذلك بعدة أيام تستقبل الأرض المطهرة ويستقبل الوطن الحر دستوره الحر ورئيس الدولة الحر». حينها أصدرت «المصور» عدداً خاصاً، يوم 18 يونيو 1956 احتفالا بيوم الجلاء، تحت عنوان «الاستعراض العظيم»، وكتبت: «تحول ميدان الجمهورية إلى ثكنة حربية مصرية عربية، وها هو الرئيس وصحبه على المنصة الكبرى تمر حاملات الجنود، وتشكيلات تمثل وحدات الجيش بأعلامها». وانفردت «المصور» بتسجيل الساعة الخالدة، عندما كان يسلم الاستعمار آخر معاقله فى مصر، وقد استطاع مندوب «المصور» فؤاد السيد، أن يدخل مبنى البحرية فى بورسعيد ومعه المصور زكى عبدالتواب ليسجلا لحظات خالدة فى تاريخ مصر، الضباط المصريون يتسلمون إدارة القناة بعد رحيل القائد البريطانى البريجادير جون لاس، قائد آخر قوة بريطانية فى مصر. وقبلها بشهور كتب عباس محمود العقاد فى «المصور»، عن أهم أحداث العام الذى انتهى 1955، وكان منها صفقة الأسلحة التى اشترتها مصر من تشيكوسلوفاكيا بعد أن امتنعت الدول الغربية عن تزويد مصر بالسلاح المتفق عليه، وفى نفس العدد نشرت صورة للرئيس عبدالناصر، وهو يعلن خبر الصفقة للشعب. وفى 19 يونيه 1956 نشرت «المصور» على غلافها صورة عبدالناصر وكتبت «جمهورية مصر».. لتسجل المجلة فى هذا العدد عملية الانتخابات الرئاسية، وقالت فيه: «الفلاح يختار ناصر الفلاح.. سجلت لجان الانتخاب فى الريف المصرى معالم الوعى الثورى الجديد، لا سيارات لورى تحمل الناخبين بالجملة، ولا عمد وشيوخ خفر يجرون وراءهم طوابير الناخبين مغلوبين على أمرهم». تأميم قناة السويس: عندما أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956، بدأ الاستعداد لانتظار حرب قادمة قريبة، وانضم وزراء الشعب إلى كتائب الشباب والحرس الوطنى يتدربون على حمل السلاح فى إطار تعبئة القوى فى مصر والأمة العربية ضد عدوان الغرب.. فنشرت «المصور» فى عدد 3 أغسطس 1956 صورة عبدالناصر تحت عنوان: «القنال لنا».. وفى هذا العدد تحقيق صحفى من مبنى إدارة القناة تحت عنوان «كل شىء هادى فى قناة السويس».. حيث قام الصحفى محمد رفعت مندوب «المصور» ومحمد صبرى مصوره، ذهبا إلى منطقة قناة السويس، ورافقا إحدى البواخر الأجنبية مدة 16 ساعة، فى جميع المراحل والإجراءات التى مرت بها منذ دخلت مياه مصر الإقليمية فى بورسعيد، حتى عبرت القناة وانسابت فى أمان إلى البحر الأحمر.. ثم تابعت المجلة كل ما يدور فى بورسعيد، وكتبت على غلاف 17 أغسطس من نفس العام «مصر تحمى القناة لآخر قطرة من دمها».. ثم جند «المصور» جميع محرريه فى مصر ومراسيله فى عواصم الأمة العربية لهدف واحد، هو أن يقدموا لك صورة صادقة لتعبئة القوى ضد عدوان الغرب. واستمرت المجلة تنشر طول شهر أغسطس حتى نشرت فى سبتمبر «القاهرة.. لا لندن تقرر مصير القناة»، ثم نشرت فى عددها 1673 الصادر بتاريخ 2 نوفمبر 1956 «جيش العروبة يكتب نهاية إسرائيل» على صورة الغلاف التى تحمل قادة الجيش العربى بعد خروجهم من أحد الاجتماعات العسكرية بعمان وهم اللواء عبدالحكيم عامر، واللواء نظام الدين من سوريا ومن الأردن اللواء على أبونوار، ثم سجلت في9 نوفمبر أول صور من ميدان القتال، وكتبت: «الجيش والشعب فى جبهة واحدة فى ميدان القتال».. وفى ذات العدد علقت الصحفية أمينة السعيد تقول فى مقالتها بعنوان «كلنا مصر»: تكاتفت قوات الاستعمار على الإساءة لمصر، وأسفرت فرنسا وإنجلترا عن بالغ حقدهما لضياع هيبتهما فى الشرق الأوسط فرأينا الدولتين العجوزين تبطشان بالحرية فى غشم اليائس الموتور.. ولن نتدنى إلى ذكر إسرائيل فى هذا المجال، فهى كما يعلم كل فرد من شعبها الصغير فى كل شيء، مجرد ذنب لا يمكن أن يعيش إلا عالة على جسد كبير.. ولكننا رغم تضحياتنا الجسيمة نشكر الظروف التى كشفت الدنيا بأجمعها عن حقيقة ما يسمونه العالم الحر، ومن فضل الله أن أتتنا هذه المحن لنثبت أننا نحن العالم الحر... وبالفعل نحن العالم الحر..لا هم». وهذا المقال المنشور فى 1956 يؤكد على رؤية «المصور» منذ زمن بعيد، وكأن هذا المقال كتب اليوم فى ظل ما نعيش هذه الأيام من أحداث جسام لينكشف أمامنا زيف الدول الكبرى التى تدعى الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان. وقد بدأ العدوان الثلاثى على مصر فى آخر أكتوبر و «المصور» كانت هناك تتابع فى الميدان.. وفى عدد 16 نوفمبر، كشفت أسرار المعركة على لسان القائد العام للقوات المسلحة اللواء عبدالحكيم عامر.. وفى ذات العدد صور للأمراء السعوديين أثناء التدريب العسكرى، بعد أن أعلنوا تطوعهم فى جيش التحرير المصرى، وفى الطابور يتقدم الأمير سلمان أمير الرياض ثم الأمير ترك ثم الأمير فهد وزير المعارف.. وحمل غلاف هذا العدد لوحة الكفاح الخالد التى أهدتها «المصور» إلى أبطال المدينة الباسلة بورسعيد، وكتبت عليها: «هذا العدد تحية لك يا بورسعيد».. وفى 7 ديسمبر شهدت القاهرة عرضا عسكريا شعبيا اشترك فيه رجال الحرس الوطنى والمقاومة الشعبية، ثم توجهوا إلى جامع عمرو بن العاص لأداء فريضة الجمعة، وقد وضعوا أسلحتهم أمامهم. أما فى 23 ديسمبر 1956فنشرت «المصور» صور الباخرة الإنجليزية «ايفان جيت»، وهى تحمل الجنود الإنجليز فى نهاية العدوان الثلاثى، فى طريق عودتهم إلى بلادهم، والطريف-كما قالت «المصور» - إن نفس الباخرة هى التى حملت آخر فوج من القوات الإنجليزية أيام الجلاء الأول بعد اتفاقية الجلاء، لقد تحقق جلاء المعتدين تماما فى 23 ديسمبر ليصبح هذا اليوم عيدا لانتصار الإرادة الوطنية الحرة. وظلت المجلة تتابع قوانين يوليو الاشتراكية، متمثلة فى قرارات التأميم وإشراك القطاع العام مع القطاع الخاص فى الشركات الكبرى، وتحديد المرتبات بخمسمائة جنيه فى الشهر، مع تحديد الوظائف بعدم الجمع بين وظيفتين، إضافة إلى متابعة كل ما يخص قانون الإصلاح الزراعى. ثقة القراء وزيادة أعداد التوزيع دفع بمؤسسة «دار الهلال» للتحديث والتطوير لتلبية رغبات وحاجات القارئ.. ففى إبريل 1967 نشرت «المصور» أن دار الهلال استقدمت أحدث ماكينة طباعة، وقالت إنها بمواصفات خاصة صنعت فى سويسرا، واستغرق صنعها أكثر من سنتين، وفى استطاعتها أن تطبع فى دفعة واحدة 96 صفحة من مجلة «المصور» بسبعة ألوان مختلفة، وثمن هذه الماكينة بعد إقامتها فى مطابعنا سيصل إلى 400 ألف جنيه. نكسة 67: مع بداية عام 1967 وجهت إسرائيل الاتهام لسوريا بتشجيع أعمال الفدائيين داخل فلسطين، وحدث اشتباك بين الطيران الإسرائيلى والسورى فى 7 أبريل 1967، أعلنت بعده إسرائيل فى 12 مايو 1967 أنها ستشن حرباً على سوريا لإسقاط نظام الحكم، الأمر الذى دفع مصر إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لارتباطها مع سوريا باتفاقية دفاع مشترك، فتم إعلان حالة الطوارئ القصوى وإعلان التعبئة العامة بالقوات المسلحة المصرية، وبدأت القيادة المصرية حشد قواتها فى سيناء استعداداً لتنفيذ خطة القاهرة الدفاعية، وطلبت مصر فى 16 مايو 1967 سحب قوات الطوارئ الدولية الموجودة على الحدود الشرقية، وأعلن الرئيس عبدالناصر فى 23 مايو 1967 قراره بإغلاق مضايق تيران- خليج العقبة- أمام الملاحة الإسرائيلية، فتذرعت إسرائيل بأزمة غلق المضايق وأعلنت أن التدخل فى حرية الملاحة فى خليج العقبة يعتبر عدواناً ضد إسرائيل. فكتب حينها الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين فى «المصور» بعدد 2224 الصادر بتاريخ 26 مايو 1967 يقول: «هل مازال الغرب يعتقد أنه يستطيع أن يحرك إسرائيل فى الظروف التى يراها مناسبة، لتؤثر على مجرى الأمور فى المنطقة العربية، حتى على الظروف الداخلية فى الأقطار العربية ذاتها؟ هذا هو السؤال.. وقد خرج الجيش المصرى إلى خطوط القتال فى سيناء ليجيب عن هذا السؤال، خرج ليقول: لم يعد ممكنا أن تقوم إسرائيل بمهمة لحساب الغرب أو لحساب الرجعية العربية فى المنطقة، لم يعد ممكنا أن يهز الغرب إصبعه الإسرائيلى فيسقط نظام ويقوم نظام أو تتغير الخريطة بشكل أو بآخر فى المنطقة.. ونحن الآن أقوى عشرات المرات، مما كنا سنة 1956، سنة 1956 كانت إنجلترا مثلا - تريد إعادة احتلالها إلى قناة السويس فى شمال البحر الأحمر.. أما فى سنة 1967 فإنجلترا تحاول أن تؤخر ساعتها فى عدن فى أقصى جنوب البحر». وانفردت «المصور» بنشر نص أمر القتال رقم 1 الذى أصدره نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.. كما نشرت «المصور» عن زيارة الرئيس جمال عبدالناصر للخطوط الأمامية، وإعلانه إغلاق خليج العقبة.. وقال عبدالناصر: «إذا كانت إسرائيل تريد الحرب فأهلا وسهلا»، ثم تفقد عبدالناصر مركز القيادة المقدمة للقوات الجوية، وفى الصور معه المشير عامر، وزكريا محيى الدين، وحسين الشافعى وعلى صبرى وشمس بدران والفريق أول محمد صدقى محمود والفريق عبدالمحسن مرتجى. ثم نشرت تحقيقا صحفيا يوم 2 يونيو بعنوان «عدسة المصور فى خليج العقبة.. تحقيق كامل بالألوان.. مع قواتنا البحرية المستعدة لردع العدوان»، وإنه يوم 5 يونيو 1967 شنت إسرائيل هجومها ضد القوات المصرية فى سيناء، وضد القوات الأردنية للاستيلاء على الضفة الغربية، وضد القوات السورية للاستيلاء على هضبة الجولان.. فنشرت «المصور» على غلاف عددها الصادر 9 يونيو: «بالإجماع العرب يقاتلون، والفناء للمعتدين» ونشرت صورة حطام طيار إسرائيلى. وفى نفس اليوم أعلن عبدالناصر - 9 يونيو 1967 - فى خطاب للشعب تنحيه عن رئاسة الجمهورية وذلك بسبب الهزيمة فى هذه الحرب، متحملا مسئولية الهزيمة.. إلا أنه تراجع عنها فى اليوم التالى بعد خروج ملايين من الناس للتظاهر رفضا لتنحيه، ونشرت «المصور» فى عددها التالى مباشرة بتاريخ 16 يونيو صورة عبدالناصر، وكان عنوانها الرئيسى: أسرع استفتاء شعبى فى التاريخ.. وقصة 17 ساعة قضاها عبدالناصر مواطنا عاديا»، ونُشرت صور كثيرة للجماهير وهى تملأ الشوارع والميادين وهم يهتفون: «لا زعيم إلا ناصر»، وكتبت: «أن الذى حدث بعد خمس دقائق من إلقاء الرئيس عبدالناصر لخطاب التنحى شىء لم يحدث له فى التاريخ مثيل، إنه أسرع استفتاء شعبى، حين خرجت القاهرة كلها لتهتف لعبد الناصر.. رغم ظلامها المستتب ورغم الغارة التى أطلقت صفاراتها، ومدافعها، ولم تبرح الجماهير أماكنها حول بيت الرئيس وفى مجلس الأمة بل وفى الميادين كلها، وبعد أن مضت 17 ساعة أعلن الرئيس أنه يعتبر صوت الشعب أمرا لا يُرد. وطرحت «المصور» خمسة أسئلة على غلافها الصادر 7 يوليو 1967: ماذا بعد الأمم المتحدة، هل ينعقد مؤتمر القمة العربى، البترول تأميم أم إيقاف، هل هناك جولة ثانية، سر موقف ديجول؟ ليس هذا فقط، بل كان محررو «المصور» هناك على خط النار فى مدن القناة والمقاومة الشعبية تواجه مسئولياتها ضد العدو.. وظلت تتابع الشأن الداخلى والمقاومة وتبرعات المصريين من أجل العمليات الحربية.. فسجلت فى 15 سبتمبر العدوان على السويس والإسماعيلية. ثم هللت «المصور» فى عددها 2246 الصادر فى 27 أكتوبر 1967 بنشر الصور الكاملة والتفاصيل الخاصة بـ«إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات» التى أغرقتها زوارق الصواريخ المصرية أمام بورسعيد، واستمرت «المصور» توثق كل ما يخص حرب الاستنزاف، وهى الحرب التى شنتها القوات المصرية على القوات الإسرائيلية فى سيناء عقب هزيمة حرب 1967 لاستنزاف قدرات الجيش الإسرائيلى.. ونشرت المجلة فى ديسمبر تفاصيل عملية قامت بها وحدات من مشاة قواتنا، ضد المواقع الإسرائيلية الحصينة المواجهة لجنوب السويس، كانت العملية أحد تطبيقات التكتيك الهجومى المباشر على مواقع العدو، لقد ظلت المدفعية المصرية مشتبكة فى قتال عنيف مع مدفعية العدو طوال ساعات كاملة، فى الوقت الذى عبرت فيه قوات مشاة مصرية بأعداد كبيرة، لتواجه قوات العدو وقامت بالاشتباك معها بالسلاح الأبيض، داخل ملاجئ العدو، وكانت عملية العبور، عبارة عن نموذج مصغر - أو بروفة العبور العظيم فى عام 1973، كما قال المحرر العسكرى حينها. فى وداع عبدالناصر: فى 28 سبتمبر 1970 رحل الرئيس عبدالناصر بعد مسيرة عطاء كبيرة..فنشرت «المصور» بعدها بأيام وتحديدا فى 9 أكتوبر عددا تذكاريا خاصا تحت عنوان «أسبوع الوداع» وقالت فيه: لم يعرف التاريخ - ربما - وداعا مثل وداعه، فقد تجمع العالم كله، بقاراته، مع الشعب المصرى كله.. فى وداع الزعيم جمال عبدالناصر، الذى لم يكن زعيما مصريا فقط، وإنما كان زعيما عربيا وعالميا أيضا، اشترك فى جنازته كوسيجين من روسيا، وشابان دالماس رئيس وزراء فرنسا ودوجلاس هيوم وزير خارجية بريطانيا وريتشار رسون وزير الصحة الأمريكي، واشتركت 10 دول آسيوية و20 دولة إفريقية و19 قطرا عربيا ووفود من بلغاريا وبولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وألمانيا الديمقراطية وألبانيا والمجر ومنغوليا وتركيا واليونان وقبرص وإسبانيا وإيطاليا وفنلندا والنرويج والسويد والفاتيكان.. وبكى القادة والرؤساء فى وداعه. ليحمل العدد التالى من «المصور» غلافا بصورة الرئيس السادات، وكان عنوانها: «الاستفتاء اليوم على مواصلة طريق عبدالناصر»، وكتب الصحفى أحمد بهاء الدين يقول: «مثل عبدالناصر إذا اختفى لا بد أن يترك فراغا.. ومثل عبدالناصر إذا مضى يترك وراءه رسالة لم تتم.. الفراغ، لأن الأبطال التاريخيين النادرين لا بديل لهم، والرسالة التى لم تتم، لأن رسالات هؤلاء أكبر من أن تتم فى عمر بشرى واحد... كل هذا حظ كل الأنبياء وكل الزعماء التاريخيين...». ونشر تحقيق للصحفى فوميل لبيب بعنوان «أنور السادات رئيسا للجمهورية»، قال فيه: «تماسك الشعب الحزين، ما صنعه فى الأيام الماضية كان رائعا.. أذهل العالم، فقد تغلب على الأحزان وارتفع فوق محنته فى المصاب، وخرج إلى الاستفتاء واختار أنور السادات رئيسا للجمهورية، خلفا لعبد الناصر، قائدا يكمل المسيرة ويستطرد المشوار.. يوم الخميس: استفتاء- والجمعة: صلاة شكر ودعاء - والسبت: أقسم الولاء- والأحد: بيان إلى الشعب- والإثنين: ممارسته للسلطات الدستورية.. دارت المجلة، نشط العمل حبا فيه.. فى عبدالناصر، وحبا فى الوطن». نصر أكتوبر: قبل 6 أشهر من النصر العظيم.. وبالتحديد فى 9 مارس 1973 كانت أكبر مناورات الشتاء التى قامت بها قواتنا المسلحة، وكتب المحرر العسكرى لـ«المصور» من منطقة المناورات يقول: «إنها تضمنت عبور قوات المشاة الميكانيكية لمانع مائى، بعد معركة قصف بالمدفعية، ثم تأمين رأس شاطئ، اشترك أكثر من سلاح فى معركة هجومية رهيبة، حيث قام الطيران، بواجب رئيسي.. بعد المناورة بستة أشهر كانت الحرب». ولم تحتفل «المصور» بمرور نصف قرن على صدور عددها الأول.. بل كانت هناك ترصد وتشاهد وتسجل أعظم ملحمة فى التاريخ المصرى الحديث، كانت على خط النار على الجبهة بين الجنود فى سيناء، ترصد كفاح الأبطال فى حرب 6 أكتوبر 1973، وقدرة المقاتل المصرى على عدو كان يُقال عنه إنه لا ينكسر، لكنه بفضل الله ثم بفضل جنودنا خير جنود الأرض انتصرنا وحققنا المعجزات، وحولنا سيناء إلى جهنم فوق رؤوس العدو الإسرائيلى. «المصور» بين طيات صفحاتها سجلت لحظات لا تُنسى من تاريخ الأمة، ستظل هذه الصفحات تاريخا يُروى ويُقصّ على مسامع الأجيال، جيلا بعد جيل.. فمن على جبهة النصر سجل ورصد محرر ومصور المجلة، تحت عنوان كبير على الغلاف»حرب التحرير» عشرات القصص والصور التى كانت شاهدة على معارك وتضحيات الأبطال، منذ لحظة العبور إلى تحرير سيناء من العدو.. وكتب المحرر حمدى لطفى يقول: من سيناء ابعثوا بهذه الرسالة: «لا أستطيع السيطرة على مشاعري، القوات الميكانيكية تطير الأرض، قواتنا الجوية تقهر السلاح الذى قال عنه قادة العدو ذات يوم - السلاح الذى لا يُقهر.. عندما كان سلاح المهندسين يقيم الكبارى بين الضفتين كان الفلاحون بالقرى المواجهة للضفة الغربية ينزلون إلى الماء حاملين المعدات والآلات بجانب إخوانهم الجنود والمهندسين، والنساء أمام أبواب بيوتهن يطلقن الزغاريد.. إن الفلاحين، أبناء ذلك الرائد العظيم، أبناء الريف المصري، نبع الرجولة والشجاعة والأصالة المصرية هم أول من شاهدوا اللحظات الخالدة لبدء الهجوم، إنها لحظات أكثر أهمية وخطورة من الهجوم نفسه، وعليها، على دقة التنفيذ للمخطط العسكرى المصرى ووضوح الرؤية، ونقاء الفكر، توقفت نتيجة أول موجة من هجوم قواتنا، ذلك الهجوم الذى نشر روح النصر بين الجنود والضباط فوق الأرض أو فى السماء أو البحر، فأعطت نيرانهم أكبر النتائج التدميرية، وجعلت رجالنا يمسكون بعامل المبادأة وخصائص الكفاءة الديناميكية وسرعة التحرك والمرونة العالية.. تلك الأسس الجوهرية فى نجاح أول موجات الهجوم المصري. ونشرت «المصور» صورا لأبطال حرب أكتوبر، والرئيس السادات والفريق أول أحمد إسماعيل والفريق سعد الشاذلي، وعدد من القادة.. ثم بدأت أحداث ما بعد الحرب: قوات الطوارئ الدولية، بدأت مهمتها فى خطوط القتال، قوات الجيش الثالث ستبقى صامدة ثابتة كالصخر، والمقاتل عبدالعال يفتح معرض الغنائم. وفى العدد التالى نُشرت صور طائرات إسرائيل حطام فوق أرض سيناء، وفوقها عنوان كبير «وانتصرنا»، وفى هذا العدد أيضا توثيق لكل ما جرى على أرض الفيروز، تعبيرنا عن تقديرنا لجنودنا البواسل.. ثم نشرت «المصور» فى عددها الصادر 14 ديسمبر 1973 صورة من عام 1969 لجندى استطلاع مصرى، وهو يركب دشمة للعدو فى الضفة الشرقية للقناة، كانت صورة لم تُنشر من قبل، تؤكد القدرة العسكرية التى لم تكن وقتها قد حان بعد، والذى حان فى 6 أكتوبر 1973 عندما تحقق الانتصار العظيم... وبعدها بدأت مصر مرحلة من المفاوضات لاستعادة أرض سيناء بالكامل. نبض الشارع: لم تكتفِ «المصور» بتناول الموضوعات السياسية فقط التى فرضت نفسها على الساحة المحلية والدولية، لكنها كانت تناقش وتطرح كل ما يخص قضايا المجتمع، بل يمكن أن نقول إنها حملت لواء التعبير عن هم ونبض المواطنين.. رحلة طويلة، كانت فيها «المصور» ترصد بالكلمة والصورة التغيرات التى طرأت على القرية المصرية وبدلت ملامحها بدءا بالإصلاح الزراعى وانتهاء إلى ولادة الحركة التعاونية وتطور شكل الخدمات فى الريف، وكثيرا ما لعبت «المصور» دور «نذير الخطر» وهى تناقش قضايا هامة ومؤثرة مثل تجريف الأرض التى طرحتها على الرأى العام للمرة الأولى فى 1969، ورصدت طوال تاريخها أزمات اقتصادية طاحنة، ضربت العالم كله، وآخرها وباء كورونا، والحرب الروسية - الأوكرانية والعدوان الإسرائيلى على غزة. ففى 21 أبريل 1967 كتبت «المصور» على غلافها: «لا».. لا لقوانين الأحوال الشخصية الجديدة- لن يحتكر جيل ما فوق السبعين حق التشريع لحياتنا».. وفى العدد التالى مباشرة تابعت فى نفس القضية وكتبت على غلافها: «يا وزير العدل.. أنت المسئول - لا اللجنة - عن هذا القانون، القضية اجتماعية وليست دينية، مطلوب تغيير اللجنة، أو ضم عناصر جديدة إليها»، كما حمل عنوان آخر يقول: «من تاريخ الأحوال الشخصية فى مصر: زواج الشيخ على يوسف - يوم حكمت المحاكم بأن الصحافة مهنة يحرمها الدين الإسلامى وأن الفقر عار لا تزول وصمته». ومنذ عام 1936، ومشاكل القراء لا تتوقف مع «المصور» تحملها على كتفيها، وتبحث لها عن حل، وقد تدخل فى مشاكل مع المسئولين أو القضاة.. وقد بدأ حل المشاكل الأستاذ فكرى أباظة ثم سلمها إلى الصحفية أمينة السعيد.. التى بدأت معها من خلال باب ثابت فى «المصور» «اساليني»، ثم تطور إلى «اسألونى»، فلم تكن المشاكل للمرأة فقط، أصبحت للرجل أيضا مشاكله وظلت أمينة السعيد، تحل مشاكل الرجل كما تحل مشاكل المرأة، ومع كل فترة، تتغير المشاكل، أو تتطور.. وكانت أول مشكلة نشرتها «المصور» فى 31 يوليو 1936، وقد أرسلتها «عنايات هانم»، تقول فيها: إنها تتفانى فى حب ابنها وقد نال الابن شهادة البكالوريا بتفوق، وهى تريد أن تزوجه وتفرح به».. وتسأل: هل الزواج يعطل دراسته العليا؟.. فكان رد «المصور»: نعم يا سيدتي، الزواج يعرقل دراسته العليا، ويربكه بمسئوليات قبل أن يشق طريقه». كما أولت «المصور» منذ بداية صدورها اهتماما كبيرا بتغطية النشاط الرياضى العالمى والمحلى.. وفى عام 1957 خصصت «المصور» بابًا خاصًا للرياضة منتظمًا يصدر أسبوعيًا، وكان أول باب رياضى منتظم فى مجلة أسبوعية وتبعت المجلات الأخرى «المصور» وخصصت كل منها للرياضة بابًا مستقلًا.. وقام القسم الرياضى بـ«المصور» بتغطية جميع الدورات الأولمبية، كما قام بتغطية مسابقة كأس العالم ابتداء من مسابقة لندن 1966 بتوسع بالقلم والصورة، كذلك قامت بتغطية الدورات الإفريقية منذ نشأتها. ولعبت الصورة فى «المصور» دورًا أساسيًا وفعالًا فأثارت المناقشات الصحفية والرياضية وأدت إلى تغيير أوضاع وقرارات وضبطت الأحداث الشاذة فى معظم المباريات.. ولا يزال «المصور الرياضي» يتطور ويتقدم من أسبوع لأسبوع وهو يلتزم بالحياد بين جميع الأطراف المتنافسة. وهنا نشير إلى أن أول خبر رياضى نُشر فى «المصور» كان عام 1924، عندما نشرنا خبر لقاء الملاكم المصرى مراد أفندى مينا والملاكم الفرنسى مسيو فيكتور، الذى حضر خصيصا لهذه المباراة.. أحدث الخبر ضجة كبرى بين الجماهير التى كانت متعطشة لهذا اللقاء، كان موعد اللقاء يوم الخميس «5» ديسمبر 1924. كما وضعت «المصور» بين اهتماماتها، الحركة الفنية المصرية، من مسرح إلى سينما، إلى إذاعة وتليفزيون، وعلى مدار السنوات المائة، يمكن أن نقرأ فيها رصدا تاما لتطورات الفن المصري، وهو دور يتضح جليا عندما أصدرت «المصور» ملحق «الكواكب» لمتابعة أخبار الفن. مثلما اهتمت «المصور» بقضايا المرأة، ولم يعد الأمر قاصرا على عرض عالم الموضة، بل تحولت الدفة وأصبحت أخبار العاملة المثالية، ودور المرأة فى الإنتاج، هو الأهم، ومنذ بداية ثورة 52، كان اهتمام باب المجتمع، بلقاءات أعضاء مجلس قيادة الثورة مع مختلف قطاعات الشعب، العمال والفلاحين، مع أخبار المجتمع الدبلوماسى والجمعيات النسائية ونشاط الوزراء. وبعد أن كان عدد الجمعيات النسائية لا يزيد عن ثلاث أو أربع، كان أقدمها الاتحاد النسائى الذى أسسته هدى شعراوي، ثم جمعية «الهلال الأحمر» ومبرة محمد على، أصبح عدد الجمعيات النسائية يزيد على المائة، وبرزت أخبار جمعية «تحسين الصحة» و«النور والأمل» و«سيدات مصر»، وغيرها.. وأصبحت تلك الأخبار أهم من سباق الخيل، وتغيرت الصورة تماما، فرحلة «المصور» خلال المائة سنة، تعكس هذا التطور الكبير فى شكل المجتمع المصرى وتركيبته منذ قيام ثورة يوليو 1952.. فلم يكن تاريخ المرأة المصرية ثيابًا، أو حفلات، لقد كان كفاحا منذ البداية، وقفت بجانب الرجل فى كل الأحداث الوطنية وطالبته بحقها، حتى أصبحت نائبة ودخلت الوزارة، وقادت الطائرة. كما تابعت «المصور» دور العلم والتكنولوجيا فى المجتمع، ونشرت آخر ما توصل إليه العلم فى الوصول إلى الفضاء، منذ أن أطلق السوفييت أول قمر صناعى سبوتنيك الأول يوم 1 أكتوبر عام 1957، و«المصور» توالى نشر الانتصارات العلمية الفضائية، وفى 21 يناير 1961 أطلق السوفييت سبوتنيك الثامن، ليصل إلى كوكب الزهرة فى 19 مايو، وقالت «المصور»: إنه تم إطلاق «51» قمرا صناعيا فى الفضاء، لكن الأهم، كما قالت، متى يرسل أول رجل إلى الفضاء، وأيهما يصل أولا: الروس، أم الأمريكان.. وفى 21 أبريل 1961 نشرت «المصور» على غلافها صورة جاجارين رائد فضاء سوفيتي، وهو أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجى والدوارن حول الأرض، وكتبت تقول: أخيرا اقتحم جاجارين الفضاء، ودخل التاريخ، ثم فالنتينا .. أول امرأة تغزو الفضاء فى يونيو 1963. وفى نوفمبر عام 1961 أجرى الدكتور أوليف كرونا، جراح المخ المشهور، عملية جراحية فى مخ مريض، استغرقت أربع ساعات، وكانت الجراحة تجرى فى مستشفى القوات الجوية.. «المصور» تابعت مراحل العملية التى تمت بنجاح وساعده فيها الدكتور البنهاوى. أما فى الأدب والثقافة فقدمت «المصور» أقلاما كثيرة.. ومن كثرة الأقلام التى كتبت لـ»المصور»: ربما - كان من المستحيل إحصاؤها، فكتب له طه حسين وعباس العقاد وحافظ إبراهيم وجبران خليل جبران وأحمد شوقى ومى زيادة وأحمد الصاوى وحسين مؤنس ويوسف السباعى وبيرم التونس وبهاء طاهر وصالح مرسى، وغيرهم الكثير. وما من مفكر أو كاتب أو أديب عربى أو عالمى جاء إلى مصر إلا وكانت زيارة لها وجودها على صفحات «المصور»، مثل طاغور الشاعر هندى الحائز على جائزة نوبل للآداب، وسارتر الكاتب والفيلسوف الفرنسي، والكاتبة الفرنسية سيمون دى بوفوار، كما قابلت «المصور» رجاء جارودى هو فيلسوف وكاتب فرنسي، ونشرت «المصور» روايات لمحمد عبدالحليم عبدالله، مسلسلة، واستمر هذا التقليد فى نشر روايات صالح مرسى، وبهاء طاهر.. كما فتحت «المصور صفحاتها أمام الكثيرات من الأديبات، ربما كان أهمهن جميعا الدكتورة عائشة عبدالرحمن، التى كان لها اسم أدبى: بنت الشاطئ. وكانت «المصور» أول مجلة تحتفى بالشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، عندما ترك فلسطين المحتلة هاربًا من العدو الإسرائيلى وأتى إلى مصر، ثم انضم لـ»المصور» محمود درويش ككاتب، وكان مقاله الأول: هل تسمحون لى أن أتزوج؟، وغيرهم الكثير من الأدباء والمفكرين. لقد كان «المصور» يشارك فى كتابة التاريخ، بكل ما فيه من أسرار وخفايا.. ففتحت المجلة الباب لنشر المذكرات، فالتاريخ نوع من المذكرات، وعندما يكتب لطفى السيد باشا، أو إسماعيل صدقى باشا، أو فتح الله بركات باشا أو عباس العقاد، أو الأمير محمد على ولى العهد أو فخرى عبدالنور أو عبدالرحمن الرافعى أو الفدائى كمال الدين حسين.. مذكراتهم، فإنهم يكتبون وثائق التاريخ كشهود عيان عليها، إنهم يكتبون التاريخ ليس كوثائق باردة مجردة ولكنهم يكتبونها بمشاعر الإنسان ولذلك تأتى دافئة، وصادقة.. وتوالت «المصور» على نشر المذكرات، فنشرت أيضا مذكرات محمد فريد والقمص سرجيوس ومحمد شكرى الكرداوى وعزام باشا وعبد القادر طه، والكونت برناروت وفتحى رضوان، وغيرهم الكثير.