الخميس 16 مايو 2024

اقرأ لأصدقائي .. عادل سعد الحقيقي


سامية حبيب

مقالات23-11-2023 | 12:20

سامية حبيب

يقولون لكل إنسان نصيب من اسمه، وأتصور أن خير مثال على هذه المقولة الكاتب والصحفي الكبير عادل سعد، فهو عادل في مواقفه وفي حكمه على الآخرين وفي إدارته لكل المواقع الصحفية التي أدارها سواء في مؤسسته العريقة "دارالهلال " أو في غيرها .

ربما تنازل عادل عن العدل في حق نفسه ورضي كثيرا بظلم جهده المخلص للمهنة كصحفي على أيدي رؤساء تحرير أو زملاء لم يقدروه لكنه حين يتحدث عنهم يتحدث بموضوعية مهنية وسماحة قلما وجدها هؤلاء من غيره .

وهو سعد لكل من عرفه ويعرفه بمعنى أنه مصدر سعادة لهم رغم روحه التي يتجلى بها حزن ، لكنه يواريه عن أقرب المقربين إليه ، فهو ينشر البسمة ويجيد المزحة في وقتها وهو يطيب الخاطر بموقف أو لمسة كهدية بسيطة لكن جميلة، فمثلا يحضر فانوس رمضان لكل أصحابه وأولادهم في رمضان .

ومن سماحة سعد إجادة التعامل مع البشر في الشارع مع الباعة الجائلين ومع الجيران فليس غريبا أن يكتب روايته " أيام الطالبية " عن ذلك الحي المعروف ، فيقدم نماذج إنسانية حقيقية بكل ما بها من خير وشر، بساطة وعمق، سماحة ومكر، فتقرأ وكأنك عرفتهم لأنهم يشبهون من قابلتهم كثيرا، لكن لم يكن لديك مهارة عادل سعد لتخبر أرواحهم وتفهم سلوكهم ، فتقبلهم كبشر وتصادقهم وتكون موضع ثقتهم.

وكمواطن صعيدي أصيل كتب عن موطنه في محافظة أسيوط العريقة رواية " الأسايطة " جمع أسيوطي أي ابن المحافظة بتعريف الألف واللام ، كأمر طبيعي فهو من الأسايطة بحكم المولد والانتماء، لذا قرأنا في الكتاب عن أحداث وبشر لم نكن نعرفهم ولم يكتب عنهم هكذا من قبل، ربما خلت الرواية من بعض التقنيات التقليدية لكتابة الرواية وهذا أبلغ ما في النص لأن اهتمام الكاتب انصب على سرد وحكي المسكوت عنه ، الذي لا تجده في كتب التاريخ.

حكى الكاتب عادل سعد عن ناسه وأهله في أسيوط الذين عرفهم أو سمع بهم من أجداده وأسلافه من أهل المدينة ، حكى عن التكوين الطبوغرافي والعرقي والديني للمدينة وقراها وحاراتها وناسها بشفافية وصدق يجعلك تلمس أرواح وتقابل بشرا حقيقيين غفل ذكرهم طويلا قي كتب التاريخ وغير كتب التاريخ .

غالبا أشعر من كتابات عادل سعد أنه ابن بار لرائدنا العظيم يحيى حقي ، في فهم طبيعة البشر وفي التقاط نماذج من الحياة ربما لا يلتفت لآلامها وأحلامها أحد فتجد "ست مشالله " تعود لذاكرتك وانت تقرأ عن " خالتى بطة الحشاشة " و"خالتي هوى " وغيرهن من المهمشين والغلابة سواء سيدات أو رجال.  

يصيغ عادل  سعد من ومضات سريعة لمواقف في الحياة مجموعة قصصية اّسرة حملت عنوان "البابا .. مات " تضم قصصا جمعت شخصيات ومواقف لبشر منهم صاحب العاهة ومنهم صاحب المرض وكثير من مشوهي الروح والملامح فتقابل شعبولا والخال بوبو والشحاذ المنتقم والوليد سيد وبنات العمات المقهورات وبنات عانسات، أين يجد هؤلاء ؟ سؤال يتبادر لمن يقرأ ولكن إجابتي أن الكاتب الحقيقي يشتم الحكايات من الوجوه الصامتة وزوايا الطرق واتساع الميادين.

في كتابات عادل سعد تحضر الخرافة والأسطورة فيصيغ بها عوالم غريبة لا منطقية يقدمها بلغة بسيطة كاشفة دون تحزلق او تقعر فالقصة وأحداثها تصل للقارئ بسهولة ولكنها لا تتركه بنفس الطريقة بل تصدمه أحيانا ، وتدعوه للتأمل احيانا أخرى.

يا عادل يا سعد ... ألف سلامة عليك ، ينتظرك أصدقاؤك والحكايات في زوايا الطرقات لتكتبها لنا فلا أحد نجح في قراءة حكايات الزوايا والحارات ولا ائتمن من أصحابها غير الإنسان الحقيقي ... فعد لهم سالما قريبا.