السبت 27 يوليو 2024

فلسطين في الأغنية المصرية

د. كمال مغيث

فن6-12-2023 | 15:23

د. كمال مغيث

● الأغنيات المصرية التى تناولت قضية فلسطين تؤكد أن فلسطين كانت وستظل تشغل مكانا محبوبا فى الوجدان المصرى العميق
● اهتم المصريون بقضية فلسطين منذ وعد بلفور المشؤم، فقد رفض قطاوى باشا كبير اليهود المصريين ووزير المالية مقابلة حاييم وايزمان أحد كبار الحركة الصهيونية
● كانت فلسطين فى العصر الحديث مصيفا أثيرا لكثير من الأرستقراطيين المصريين، ساعدهم على ذلك وجود القطار الفخم الذى يربط من القاهرة إلى القدس ويافا ثم بيروت
● يندر أن يكون هناك مطرب أو مطربة مصرية لم تغن فى مسارح القدس ويافا، ويقال أن أم كلثوم حملت لقب كوكب الشرق بعد غنائها فى "مسرح الشرق" بيافا





علاقة مصر بفلسطين قديمة قدم التاريخ المصرى والفلسطينى نفسه، ولقد أدرك حكام مصر الخطورة والأهمية الاستراتيجية لفلسطين بالنسبة مصر، فالجوار قائم والحيط فى الحيط - كما يقال -  ولذلك ففى معظم فترات التاريخ المصرى منذ زمن الفراعنة حتى نهاية دولة المماليك فى آخر القرن الثامن عشر، حرص حكام مصر الأقوياء على أن تبسط مصر سيادتها الكاملة على فلسطين فيحكمونها بواسطة نواب أو ولاة يعينونهم، أو على الأقل أن يضمنوا أن يكون حاكم فلسطين مواليا وحليفا لهم ومرتبطا معهم بروابط الصداقة والمصلحة.
وعبر فلسطين جاء إلى مصر الشر والخير معا، فمنها تسرب الهكسوس والحيثيين وجاء الفرس والآشوريين لغزو مصر واحتلالها فى العصور القديمة، وجاء الصليبيين والتتار وجيوش القرامطة فى العصور الوسطى.
وعبرها أيضاء جاء سيدنا ابراهيم من أور العراقية، وعبرها حملت قافلة التجار معها الصبى سيدنا يوسف بعد أن عثرت عليه وحيدا فى غيابات الجب، وجاءت جحافل الإسكندر الأكبر، ومنها إلى مصر لجأت القافلة الصغيرة المقدسة العذراء مريم ويوسف النجار يحملون السيد المسيح، فآوتهم وباركوا أرضها وشعبها، ومنها جاءت جيوش الفاتحين المسلمين بقيادة عمروبن العاص، وفيها قضى صلاح الدين الأيوبى فى جهاده ضد الصليبيين ثلاثة أرباع العشرين عاما التى قضاها فى حكم مصر.
وفى العصر الحديث كانت فلسطين مصيفا أثيرا لكثير من الأرستقراطيين المصريين، ساعدهم على ذلك وجود القطار الفخم الذى يربط من القاهرة إلى القدس ويافا ثم بيروت، ومازلنا نذكر مشهد الوداع بين نجيب الريحانى وأسرة تحية كاريوكا وهى فى طريقها لبيروت بالقطار من محطة رمسيس عبر فلسطين فى فيلم لعبة الست، ويندر أن يكون هناك مطرب أو مطربة مصرية لم تغن فى مسارح القدس ويافا، ويقال أن أم كلثوم حملت لقب كوكب الشرق بعد غنائها فى "مسرح الشرق" بيافا.
وللتأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين فلسطين ومصر فإن كثيرا من الأسر المصرية تحمل ألقابا تؤكد أن أصولهم فلسطينية كعائلات: القدسى والمقدسى والناصرى واليافاوى وعكاوى والرملى والنابلسى والطبرى والسبعاوى والخليلى والصفدى والغزاوى وغيرها.
ولذلك فقد اهتم المصريون بقضية فلسطين منذ وعد بلفور المشؤم، فقد رفض قطاوى باشا كبير اليهود المصريين ووزير المالية مقابلة حاييم وايزمان أحد كبار الحركة الصهيونية، على الرغم من أن الروح القومية لم تكن قد تأججت كما أصبحت بعد ثورة يوليو، واهتمت الصحف المصرية بحوادث الصراع المبكر بين الفلسطينيين واليهود فى فلسطين كحادث البراق 1929، وفى أعقاب ثورة 1937 فى فلسطين كتب الشاعر الصعلوك عبد الحميد الديب: 
"أقــتـلتـهـم بـالحـسـن أم قـتـلوك/ الشـــمـــس أمــك والهــلال أبــوك/ دار النـبـوة والعـروبـة والهدى/ خـفـروا ذمـامـك بـالدم المـسفوك/ جـهـلوا عليك وما دروك فأمنعوا/ فـي قـتـل قـومـك ليـتـهـم رحـمـوك/ تيهى فلسطين الدماء على الورى/
إن المـــلائك والمـــلوك بــنــوك"
ومع حرب فلسطين 1948 غنى عبد الوهاب من ألحانه وتأليف على محمود طه قصيدة فلسطين ويقول فيها: "وقبل شهيدا على أرضها دعا باسمها الله واستشهدا/ فلسطين يحمى حماك الشباب فجل الفدائى والمفتدى/ فلسطين تحميك منا الصدور فإما الحياة وإما الردى"، كما غنى عبد الوهاب من ألحانه وكلمات محمود حسن  اسماعيل، نشيد "لحن النار" فيقول: "مهد البطولات أرض العرب/ أرض العلا من قديم الحقب/ ضجت من الثأر نار الدماء/ هيا نشق إليه اللهب/ هزت فلسطين حر النداء/ هيا ولبيك أخت العرب" كما غنت ليلى مراد من كلمات فتحى قورة ولحن منير مراد: "يارايح على صحراء سينا سلم على جيشنا اللى حامينا/ كلنا وياك جبهة قوية وايدينا فى ادين الفدائية/ حترد فلسطين عربية وياويلهم منك أعادينا" وتغنى:  سعاد محمد للجنود العرب المتجهين إلى فلسطين لقتال الصهاينة سنة 1948، أغنية "يامجاهد فى سبيل الله" كلمات بيرم التونسى، تقول: " يا مجاهد فى سبيل الله دا اليوم اللى بنستناه/ طول يا بطل ما معانا سيوف الدنيا ياما بكرة تشوف/ إحنا عرب أصلنا معروف فن الحرب إحنا بدعناه/ أرض جدودنا وغيرها مافيش فوقها نموت وعليها نعيش/ ومافيش مطرح للخفافيش واللى بلاد الله طارداه/ يا مجاهد فى سبيل الله"
ومع ارتفاع المد القومى بعد ثورة يوليو غنت سهام رفقى وهى مطربة سورية من كلمات وألحان عبد الغنى الشيخ "يافلسطين جينالك كلنا رجالك جينالك لنشيل احمالك/ حواليكى رجالى تحميكى بالروح والمال تفديكى/ وتصون مجد العروبة وتهلك مين يعاديكى".
وبعد العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956، وتضامن الشعوب العربية مع مصر تعزز الاتجاه القومى العروبى الذى كانت تأتى قضية فلسطين فى مقمة قضاياه وأصبحت أكثر حضورا فى العديد من الأغانى الوطنية، ففى أوبريت "وطنى حبيبى الوطن الأكبر" من كلمات أحمد شفيق كامل ولحن محمد عبد الوهاب يغنى عبد الحليم حافظ فى الكوبليه الأخير: "وطنى يا زاحف لانتصاراتك ياللى حياة المجد حياتك/ فى فلسطين وجنوبنا الثائر حنكملك حرياتك/ إحنا وطن يحمى ولا يهدد احنا وطن بيصون مايبدد/ وطن المجد يا وطنى العربى"، وفى أوبريت "صوت الجماهير" من تأليف حسين السيد ولحن عبد الوهاب تغنى فايدة كامل: "باسم اتحادنا قوم يا كفاحنا قل للصهاينة المعتدين/ راية العروبة عرفت نجومها من عام تمانية وأربعين/ دقت ساعة العمل الثورى فى فلسطين باسم الجماهير" 
وفى أوبريت غير مشهور لمجموعة فنانين من كلمات أحمد شفيق كامل ولحن على إسماعيل يقول: "يا أخى العربى فى كل مكان يللى اغتصبوا منك أرضك فى فلسطين/ ياللى العالم نام عن حقك واحنا وحقك مش نايمين عايز تارك/ يا أخى العربى ياللى الدم ف تل أبيب بينادى عليك/ ياللى رقاب صهيون تستاهل ضربة سيف وتكون بإيديك.
وفى أغنية المارد العربى من كلمات حسين السيد ولحن وغناء فريد الأطرش يغنى: " يا فلسطين ياشعب مجاهد جيشك حاضر بالملايين/ مابقاش جرح فى جسم المارد غيرك انتى بيدمى سنين/ زى ماحررنا الجزاير مش حنسيبك يافلسطين" وتغنى نجاة الصغيرة "جى يا فلسطين" من كلمات مأمون الشناوى ولحن بليغ حمدى "جى جى على شوق وحنين ياهوى فلسطين/ مليون عربى راجعين لبلدهم منتصرين/ ياسما فلسطين ياربى فلسطين ياعيون واحشانا بقالها سنين/ راجعين ومعانا قلوب ملايين"  ويغنى عبد الحليم حافظ "يا أهلا بالمعارك" كلمات صلاح جاهين ولحن كمال الطويل يغنى: سكتنا خلاص فى ايدنا وخلاص متشمرين/ وحزين ياللى تعاندنا بتعاند جبارين/ جبل الجرانين إنشق إنشال/ وف نهر النيل إندق أومال/ مافى حاجى تقولنا لأ إيش حال يوم تحريرنا فلسطين/ والتوبة التوبة التوبة نصبر على غدارين/ وحياة الدم الغالى وحياة عرق الجبين/ توبة ماعاد فيها مجاملة خلاص/ ولا عاد من الثورة الشاملة مناص/ يا ايدينا العاملة ازرعى اخلاص واحصدى والرب يزيد"
وفى منتصف السيتينيات أعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح الكفاح المسلح مطروحا بقوة لتحرير فلسطين، فاحتفت الأغانى التى تتناول فلسطين وكثرت فيها كلمات فدائى والسلاح والبنادق والحرب، فغنت أم كلثوم من كلمات صلاح جاهين ولحن السنباطى: "راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى/ راجعين كما رجع الظلام من بعد ليلة مظلمة/ جيش العروبة يابطل الله معك ما أعظمك ما أروعك ما أشجعك/ مأساة فلسطين تدفعك نحو الحدود حول لها الآلام بارود فى مدفعك" 
كما غنت من كلمات نزار قبانى ولحن عبد الوهاب "أصبح عندى الآن بندقية" تقول: "أصبح عندى الآن بندقية إلى فلسطين خذونى معكم/ إلى ربى حزينة كوجه المجدلية إلى الروابى الخضر والحجارة النبية / عشرون عاما وأنا أبحث عن أرض وعن هوية/ أبحث عن أرضى التى هناك عن وطنى المحاط بالأسلاك/ أبحث عن طفولتى وعن رفاق حارتى/ أريد أن أعيش أو أموت كالرجال/ أريد أن أنبت فى ترابها زيتونة أو حقل برتقال/ قولوا لمن يسأل عن قضيتى بارودتى صارت هى القضية/ تقدموا إلى فلسطين فقصة السلام مسرحية والعدل مسرحية/ إلى فلسطين طريق واحد يمر من فوهة البندقية" كما غنت أم كلثوم من كلمات عبد الفتاح مصطفى ولحن بليغ حمدى "إنا فدائيون" تقول: "سقط النقاب عن الوجوه الغادرة وحقيقة الشيطان باتت سافرة/ إنا فدائيون نفنى ولا نهون إنا لمنتصرون/ فلنضربن بكل كف قادرة ولنرمين بكل روح هادرة"
ويغنى عبد الحليم حافظ "مطالب شعب" من تأليف أحمد شفيق كامل ولحن كمال الطويل، تقول: عايزين ياجمال يا أمل ملايين باسم اللاجئ باسم حقوقه فى فلسطين/ باسم دمانا بالشهدا بالفدائيين/ عايزين العودة لأراضينا نرجع وياك للقدس هناك ولحيفا ويافا تعود بينا/ قدها وقدود يا بطل موعود" كما غنى عبد الحليم من كلمات عبد الرحمن الأبنودى ولحن بليغ حمدى "أغنية المسيح" وتقول: "يا كلمتى لفى ولفى الدنيا طولها وعرضها وفتحى عيون البشر على أرضها/ على أرضها طبع المسيح قدمة على ارضها نزف المسيح ألمه/ فى القدس فى طريق الآلام وفى الخليل رنت تراتيل الكنايس/ وفى الخلا صبح الوجود أنجيل تفضل تضيع فيك الحقوق لإمتى ياطريق الآلام؟/ وينطفى النور فى الضمير وتنطفى نجوم السلام"0
كما غنى سيد مكاوى "الأض بتتكلم عربى" من لحنة وكلمات فؤاد حداد، تقول: "الأرض بتتكلم عربى تقول الله إن الفجر لمن صلاه ما تطولش معاك الآه/ الأرض بتتكلم عربى ومن حطين رد على قدس فلسطين أصلك مية وأصلك طين/ الأرض بتتكلم عربى بوجد وشوق الفرع اللى يهم لفوق لجل الجذر يشم الضوء"
ويغنى على الحجار "فلسطينى" من كلمات جمال بخيت ولحن فاروق الشرنوبى: "رفاقى الوحدة والمنفى وشوق الريح/ مهاجر من وطن ضايع لقلب جريح/ بتهزمنى انكساراتى وبارفع أعلى راياتى حياتى فى زمن آتى/ يا أرض النور تحاوطينى فلسطينى/ بيسرى الأقصى فى دمى أسير وعنيد وبلدى وجهتى ويومى فى هواها شهيد/ سلاحى قبضة معتلة وحتى النبضة محتلة/ لكن روحى ما تتخلى عن الجرح اللى يبقينى فلسطينى/ أنا شاعر لكن قدرى اغنى بارود/ ياعشاق البراح امتى تكون لى حدود/ وامتى الفجر يا أمة واحس براحة الضمة/ يا استشهد يا اتسمى فى ليلة بدر حطينى فلسطينى"
ويغنى عمرو دياب من كلمات مجدى النجار ولحن عمرو دياب: " آخر كلام عندنا القدس دى أرضنا والحق دا حقنا والحق حق ربنا/ وابنى اللى شاف موته وانا شايفة بألف شهيد/ حالف لاخد تاره وأرجعلك بابن جديد" 
أما الشيخ إمام عيسى فنان الشعب الذى شكل ضمير ووجدان الوطنية المصرية عندما راح السادات يسعى للصلح مع الغرب ومع إسرائيل فقد غنى لفلسطين أكثر من مرة، فغنى من لحنه وكلمات الشاعر الفلسطينى توفيق زياد: "أناديكم أشد على أياديكم أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم/ وأهديكم ضيا عينى ودفء القلب أعطيكم فمأساتى التى أحيا نصيبى من مآسيكم"، ويغنى أيضا من كلمات أحمد فؤاد نجم "فى ذكرى الميلاد العشرين لفتاة من أرض فلسطين/ .. أتحدى لا يا مستقبل سأعود بعزم ويقين/ وسأمسح عن أمى الدمعة أعطيها فى يدها سكين/ وأد الى خالى روحه واعلق فى كتفه مدفع/ أعطيه الأمل الوضاء أملى فى يوم أن نرجع/ للأرض المحبوبة أرضى للزهر النادى للورد/ ماعادت ترهبنى القوة فالقوة يملكها زندى" كما يغنى من كلمات نجم أيضا: "يافلسطينية والبندقانى رماكوا بالصهيونية تقتل حمامكوا فى حماكوا/ يافلسطينية وأنا بدى أسافر حداكوا/ ناى فى ايديا وايديا تنزل معاكوا على راس الحية وتموت شريعة هولاكو/ يافلسطينىة والغربة طالت كفاية والسحرا أنت من اللاجئين والضحايا/ والأرض حنت للفلاحين والسقاية/ والثورة غاية والنصر أول خطاكوا/ يافلسطينية والثورة هى الأكيده بالبندقية نفرض حياتنا الجديدة/ والسكة مهما طالت وباتت بعيدة/ مد الخطاوى هو اللى يسعف معاكوا"
ونأت إلى النهاية من روائع فيروز "زهرة المدائن" والتى تغنت بها عقب هزيمة يونيو 1967، وسيطرة إسرائيل على القدس بكاملها، وهى من تأليف ولحن الأخوين رحبانى، وأنا لا أعتبر فيروز فنانة لبنانية فهى أيقونة عربية وإنسانية، ولا شك أن تلك الأغنية قد شغفتنا حبا، تقول: "لأجلك يا مدينة الصلاة أصلى لأجلك يا بهية المساكن يازهرة المدائن ياقدس/ عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور فى أروقة المعابد/ تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد/ ... لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذهبة لأصلى/ سأدق على الأبواب وسأفتحها الأبواب/ وستغسل يا نهر الأردن وجهى بمياة قدسية/ وستمحو يانهر الأردن أثار القدم الهمجية/ .. البيت لنا والقدس لنا وبأيدينا للقدس سنعيد بهاء القدس بايدينا للقدس سلام"
كانت هذه لمحة عامة إلى الأغنيات المصرية التى تناولت قضية فلسطين وهى تؤكد أن فلسطين كانت وستظل تشغل مكانا محبوبا فى الوجدان المصرى العميق.