الإثنين 6 مايو 2024

الأبيض والبنفسجي والبرتقالي والأزرق والأخضر ألوان اقتصاد جميعها تستهدف التنمية المستدامة

ملامح صعود الاقتصادات الملونة في العلاقات الدولية

اقتصاد9-12-2023 | 20:18

محمد الحمامصي

في خضم التحديات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية، والأزمات المتتالية والمتلاحقة التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال الثلاث سنوات الماضية والتي لا تزال مستمرة، واستجابة للنمو السكاني السريع، والتغير المناخي الذي يحمل في طياته تحديات سياسية واقتادية واجماعية كبيرة، تلقي بظلالها على العديد من القطاعات؛ بات لزاما على الحكومات ورجال الأعمال في جميع أنحاء العالم إعادة تدوير أنواع وألوان مختلفة من السياسات الاقتصادية الخضراء والزرقاء والبيضاء والبنفسجية؛ لتنمية المجتمعات المحلية، وجعلها أكثر رفضا ومحاربة للاقتصادات السوداء التي تؤثر على مسيرة التنمية المستدامة، وتعيق فرص النمو الاقتصادي في بلدان العالم.

ويشكل هذا الكتاب "ملامح صعود الاقتصادات الملونة في العلاقات الدولية" قراءة تحليلة مهمة في ألوان الاقتصاد المختلفة، بما في ذلك مفاهيم الاقتصاد الأبيض والبنفسجي والبرتقالي والأزرق والأخضر، والبحث في تطبيقاتها ودورها في تنمية اقتصادات الدول، وكذلك الاقتصاد الأسود وكيف يعيق أهداف التنمية المستدامة. وقد شارك فيه باحثون متخصصون في قضايا الاقتصاد العالمي:هدى سعيد، سهير الشربيني، حازم حسنين، دينا حلمي، سعاد موسى، وصدر عن مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية بأبوظبي.

أكد محرر الكتاب أنه في ظل اهتمام الحكومات بالمواهب وذوي الاحتياجات ـ انطلاقا من اعتبارهم موارد اقتصادية هامة يجب استغلالها واحتسابها ضمن الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن أهمية الثقافة نظرا إلى دورها في تنمية اقتصاديات مجتمعاتها ـ تتأتى أهمية التطرق إلى مفهومي الاقتصاد البنفسجي المعنى بالثقافة والفكر، والاقتصاد البرتقالي المرتبط بالمواهب وذوي المهارات. وجميع ما ذكرناه هي ألوان من الاقتصاد تدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتثبت دعائمها.

وفي المقابل من ذلك فإن مفهوم الاقتصاد الأسود يعد بمنزلة النشاط السري الذي يعمل على الانتهاك الصارخ للقوانين القائمة، والذي يأتي صوره السوق السوداء التي تمارس فيها أنشطة مهربي المخدرات، والتي تستفيد منها الجماعات المسلحة في تمويلها بشكل كبير، بما يعزز وجودها وشبكاتها، فضلا عن نشاط تجريد السيارات المسروقة وبيعها أجزاء، أو محاولة التهرب من النظام الضريبي للحكومة، بما يدفع بالتبعية نحو إعاقة التنمية المستدامة في دول العالم، ويعيق أي محاولات نشطة من جانب الحكومات للتوسع في الاستثمار في ألوان الاقتصاد الأخرى.

الاقتصاد الأبيض

ترى الباحثة هدى سعيد أنه منذ بدايات القرن الـ 21 نشأ مفهوم جديد في علم الاقتصاد عرف باسم الاقتصاد الأبيض وهو نظام البرمجيات أو النظام الأيكولوجي الذي يهتم بصناعة تكنولوجيا المعلومات، كما يطلق عليه "الاقتصاد الرقمي" الذي أنشأه رواد الأعمال من الشركات الناشئة الرقمية، والذي يعني بالأنشطة الاقتصادية والمعاملات التجارية والتفاعلات المهنية التي تستند إلى التقنيات والأدوات الرقمية، والتحول إلى استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ICT والتوظيف الأكثر كفاءة وكثافة للبيانات في مختلف الأنشطة الإقتصادية، وتعزيز الترابط بين الأشخاص والمنظمات والآلات من خلال الانترنت وتكنولوجيا الهواتف المحمولة وإنترنت الأشياء IOT.

كما يقوم استخدام التكنولوجيا الرقمية التي تشمل التصنيع المتقدم والروبوتات، وأتمتة ورقمنة المصانع، والحوسبة السحابية، وتحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والعملات الرقمية والمشفرة.

ويعتبر التحول الرقمي أحد الملامح الرئيسة للاقتصاد الأبيض، وهي الاجراءات التي تنفذها الدولة والمؤسسات لدمج التكنولوجيا الرقمية في جميع مجالات الأعمال، والتي تؤدي إلى إحداث تغيير جذري في كيفية تقديم القيمة للعملاء، باستخدام تقنيات رقمية مبتكرة لإجراء تحولات ثقافية وتشغيلية تتوافق بشكل أفضل مع متطلبات العملاء المتغيرة.

وقد برز التحول الرقمي جليا عقب جائحة كورونا؛ حيث تحولت الأعمال جميعها نحو الرقمنة من خلال التعليم عن بعد والعمل عن بعد والتسوق الالكتروني والحوكمة الإلكترونية.

وتلفت سعيد إلى أن أهم خصائص الاقتصاد الأبيض تتمثل في كونه مضاعفا لفرص العمل، وذا قيمة سوقية متنامية، ويعتمد على التقنيات الرقمية ومنصات التكنولوجيا، ويدفع نحو رقمنة القطاعات المختلفة، ويوسع نطاق النظم البينية المتكاملة التي تستخدم منصات البرمجيات.

أما عن عوامل التمكين التي تتركز جهود الحكومات واستثماراتها عليها ومحاولة تطويرها ومعالجتها بشكل مباشر بما يسهم في مضاعفة النمو الاقتصادي، فتتمل في أولا إطلاق الاستراتيجيات واللوائح الرقمية. ثانيا الحاجة الملحة إلى بنية تحتية رقمية قوية. ثالثا إطلاق عدد من البرامج والخدمات الرقمية المسعرة. رابعا الدفع نحو نمو التجارة الإلكترونية. خامسا بث المزيد من الاستثمارات في التكنولوجيا الرقمية. وأخيرا ضرورة تطوير المهارات الرقمية والاهتمام بإنشاء الكليات المتخصصة في التكنولوجيا.

الاقتصاد البنفسجي والأخضر
وتشير الباحثة سهير الشربيني إلى أن ما يميز الاقتصاد البنفسجي اهتمامه بدور الجوانب الثقافية الهام في الاقتصاد، الذي برز بوضوح مع تسارع الشركات المتعددة الجنسيات في استيعاب الجوانب الثقافية للبلدان المضيفة أثناء تصميم استراتيجيات التسويق الخاصة بها، في إطار رغبتها في خلق اتصال فعال مع المستهلكين في تلك البلدان وبيع السلع والخدمات الملائمة لثقافتهم.

بيد أن الاقتصاد البنفسجي لا يقتصر على الجوانب الثقافية فحسب، بل يضع في اعتباره الجوانب الجغرافية والإثنية والاجتماعية عند دراسة طبيعة المكان الذي يعمل فيه، ومن ثم فإن مفاهيم مثل المساواة العرقية أو التبادل الثقافي أو الأنثروبولوجيا الاقتصادية، هي مبادئ أساسية مرتبطة بعمل الاقتصاد البنفسجي الذي يستمد أفكاره من الرأسمالية ويشيد به الاقتصاديون وخبراء التنمية؛ لدوره في الترويج للثقافات المتنوعة ولعمله محفزا للعولمة.


وتوقفت الشربيني محللة الدعائم الرئيسية للاقتصاد البنفسجي، ومنها الانفتاح على فكرة الاقتصاد الإقليمي، والارتباط الوثيق بالثقافة، وشمولية تخصصات الاقتصاد البنفسجي، والدور المهم الذي يلعبه في التنمية المستدامة، ودعمه الواسع لحقوق المرأة في المساواة.

وأوضحت أن مفهوم الاقتصاد البنفسجي ساعد الثقافات المحلية على اكتساب الاعتراف الدولي، من خلال إنتاج مجموعة متنوعة من السلع والخدمات للمستهلكين للاختيار والمفاضلة بينها، بما ساهم في تعزيز الإمكانات الثقافية للسلع والخدمات.

وأكدت أن قدرة الاقتصاد البنفسجي على العمل بمفرده تظل محدودة عند اقتصاره على العوامل الثقافية فحسب؛ لذا تأتي أهمية البحث عن دعم من أنواع أخرى من الاقتصاد بغرض تحقيق التكامل، ومن تلك الأنواع الاقتصاد الأخضر الذي يهيئ الفرصة أمام الاقتصاد البنفسجي لاستخدام المكونات الأصلية المحلية، خاصة في ظل وجود ارتباط مباشر بينهما، ومن بينها المنتجات الزراعية الإقليمية وقدرتها على الحفاظ على التنوع البيولوجي، والمواد المحلية التقليدية والبناء البيئي.

كذلك يظل الاقتصاد البنفسجي في حاجة إلى سلاسل التوريد القصيرة، نظرا إلى دورها الكبير في خلق روابط وثيقة بين الشركات المتعددة الجنسيات وبين سلاسل القيمة المحلية. وانطلاقا من الارتباط الوثيق بين الثقافة والمجتمع؛ إذ تعتبر الثقافة انعكاسا لرؤية وتقاليد وطريقة تفكير المجتمعات المحلية، فإن الاقتصاد البنفسجي والاجتماعي تتسع فرص التكامل فيما بينهما، خاصة أن أهدافهما مشتركة، ومرتبطة بالمكون البشري في المقام الأول، وهي جميعها مكونات رئيسية للاقتصاد المستدام الذي لن يتحقق بغياب أحد أركانه أو طغيان أحدهما عن الأخرى.

الاقتصاد البرتقالي
ووفقا للباحث حازم حسنين يمثل الاقتصاد البرتقالي واحدا من أهم ألوان الاقتصاد حيث يمثل جانبا مهما ومحوريا من جوانب الاقتصاد، وهو الاقتصاد الإبداعي.

وقد اكتسب ذلك النوع من الاقتصاد على مدار السنوات القليلة الماضية، أهمية متنامية؛ نظرا إلى جمعه بين الموهبة والإبداع والتكنولوجيا والثقافة، التي باتت تمثل القوة الناعمة الحقيقية للدول، ومناطا للتنافس فيما بينها، في ظل الثروة الهائلة في التكنولوجيا، والاهتمام البالغ عالميا بتنمية الملكية الفكرية وإبراز المواهب والمبدعين.

كما تنامت مكانة الاقتصاد البرتقالي على مدار السنوات الماضية نتيجة لدوره في تحويل الأفكار إلى سلع وخدمات ثقافية، تؤتي عوائدها الاقتصادية من خلال تنمية الملكية الفكرية.

وفي هذا الصدد يعبر الاقتصاد الإبداعي أو البرتقالي عن الثروة الهائلة الناتجة عن اجتماع المواهب وحقوق الملكية الفكرية والتراث الثقافي. وبهذا المعنى فإن المصطلح يعتبر امتادا لمفهوم الصناعات الثقافية أو الصناعات الإبداعية. 

ويقول على الرغم من تطورات الاقتصاد البرتقالي وتصاعد قيمة مؤشراته ووزنه النسبي في الاقتصاد العالمي ودوره في التوظيف وزيادة الانتاجية كدور اقتصادي، ناهيك عن دوره الاجتماعي في إشاعة روح المحبة والسلام وتبادل المعارف والثقافات، فإنه لا يزال هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا التطور، ومنها عدم وجود الوعي الكافي بدوره، ونقص البيانات الدالة على تطوره، خاصة على صعيد الاقتصادات بصورة فردية، وعدم وجود تعريف جامع للاقتصاد الإبداعي، ونقص البيانات وقصور المؤشرات الدالة على تطورات الاقتصاد البرتقالي ودوره في توليد فرص العمل. وهو ما يستوجب إعادة التعريف بالاقتصاد البرتقالي وزيادة الوعي بأهميته، والعمل على دمجه في خطط واستراتيجيات التنمية لبلدان العالم باعتباره محورا رئيسا، وبناء قاعدة بيانات له تحدد مؤشراته وتطوراتها، والتركيز على توعية النشء بدور الإبداع والثقافة والتراث في دعم اقتصاديات الدول، والتقريب بين الثقافات والشعوب وبناء ثقافة السلام والتسامح، والدفع نحو مزيد من المبادرات والمسابقات الرامية إلى اكتشاف المواهب وتعزيز قدراتها، والاستفادة منها بعد ذلك وتحويلها إلى قيمة اقتصادية ملموسة.

الاقتصاد الأزرق

يمثل الاقتصاد الأزرق مسار العالم نحو الإدارة المستدامة للبحار والمحيطات، وقد أوضحت الباحثة دينا حلمي أنه على مدار السنوات الماضي تسارع استخدام المحيطات بشكل كبير، نظرا إلى احتوائها على إمكانات كبيرة للنمو الاقتصادي، فضلا عن دور اقتصاد المحيطات في نقل ما يقرب من 80% من التجارة العالمية، بما يسهم في ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد العالمي.

ليس هذا فحسب بل إن نحو 40% من سكان العالم يعيشون بالقرب من المناطق السياحية، وهناك أكثر من 3 مليار شخص يعتمدون في معيشتهم على العمل في البحار والمحيطات والصناعات المرتبطة بها.

ورغم ذلك تتعرض المحيطات لتهديدات ومخاطر جمة من جراء النشاط البشري الهادف إلى زيادة الأرباح والعوائد الاقتصادية على حساب التدهور البيئي، والنتيجة مزيد من التلوث، وارتفاع درجات الحرارة، وغيرها من العديد من التحديات التي تواجه النظم البحرية، وتلقي بظلالها ليس على هذه المناطق فقط، بل الكوكب بأسره، وفي هذا السياق جاء الاقتصاد الأزرق ليكون بمثابة طوق النجاة لإدارة النظم البحرية ومعالجة الأزمات التي تواجهها، وهو في ذلك لا يعتمد على الأساب التقليدية والمتعلقة بصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية فقط، بل يقدم رؤية أوسع للأنشطة البحرية التي يمكنها تحقيق التنمية المستدامة بمختلف أبعادها.

وتلفت حلمي إلى أن الاقتصاد الأزرق يشمل مختلف الأنشطة الاقتصادية القائمة على المحيطات والبحار والسواحل أو تلك المرتبطة بها، ويحمل في الوقت ذاته الكثير من الفرص للعالم في مختلف القطاعات ومن بينها: المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي ـ دعم إجراءات مواجهة التغيير المناخي ـ خلق إمكانات هائلة للطاقة المتجددة ـ مضاعفة العوائد الاقتصادية للدول ـ تحفيز مزيد من الفرص الاستثمارية ـ وأخيرا المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الاقتصاد الأسود

تؤكد الباحثة سعاد موسى أن الاقتصاد الأسود يعد مشكلة اقتصادية واجتماعية شديدة التعقيد وسريعة النمو ، نظرا إلى ما ينطوي عليه من تكاليف ليست مالية فحسب، ممثلة في إيرادات ضريبية أقل وتكاليف رعاية اجتماعية أعلى، بل كذلك تكاليف مجتمعية من الدرجة الأولى، فتحت غطاء الاقتصاد الأسود يتضاعف استغلال العمل الضعفاء ويتنامى نفوذ الجماعات الإجرامية، ويقوض رأس المال الاجتماعية. أضف إلى ذلك أنه يرسخ لمفهوم عدم العدالة، بما يسمح للبعض بالتلاعب وفقا لقواعدهم الخاصة.

ولعل التغييرات الأخيرة في طرق ونماذج الأعمال التجارية، ونمو الاقتصاد الرقمي، والتغيرات الاجتماعية الأوسع نظاقا والعولمة، أسهمت في تنامي أنشطة الاقتصاد الأسود الجديدة، وتوسع نطاق وتأثير بعض الانشطة الموجودة بالفعل وهو ما يعد أخطر ألوان الاقتصادات.

وتحلل موسى أبرز أشكال الاقتصاد الأسود والمتمثلة في: الاقتصاد غير الرسمي حيث أنه يشتمل على أكثر من نصف القوى العاملة العالمية، فيمثل مثلا في أندونيسيا 80.2% وفي الأكوادور 68.6% والمكسيك 56.6% وأكثر من 90% من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة في جمع أنحاء العالم. وهناك الاقتصاد غير القانوني والاقتصاد غير المسجل والاقتصاد غير المبلغ عنه.

وترى موسى أن الدوافع الرئيسية وراء استمرار الاقتصاد الأسود تتركز في تزايد العبء الضريبي في بعض الدول، وسيادة الأعباء واللوائح التنظيمية المكثفة، وتدهور المستوى الاقتصادي وانخفاض مستويات الدخل، وتنمامي تأثير العولمة وصعود العملات المشفرة حيث أن ثمة صلة بين عولمة التجارة والسمة غير الرسمية للأنشطة.

وكون الاقتصاد الأسود له دور كبير في انخفاض الإيرادات التي يتم تحصيلها لتمويل الخدمات العامة للدول، فإن له تأثيرات أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية أوسع نطاقا منها: تقويض الثقة بالنظام الضريبي، التأثير السلبي على الصحة والسلامة العامة، وتشويه المنافسة لصالح الشركات المشبوهة، وتفاقم العجز المالي وتقليص الاستثمار في البنية التحتية.

Dr.Randa
Egypt Air