الأحد 22 سبتمبر 2024

عاشق المراوغة والمناورة..!

22-2-2017 | 11:04

ظهر أردوغان عاشقا للمراوغة نهما بالمناورة والمؤامرة، مغامر متقلب وفقا للمصلحة الشخصية. فى الملف السورى التحق بمحور روسيا إيران فى البداية، ولكنه سرعان ما تحول إلى المحور الأمريكى الغربى، فتوجه صوب إدارة ترامب عندما تلاقت رؤيته معه إزاء الملف السورى بعد أن طالب ترامب بمشروع المناطق الآمنة وهى التى طالما دعا أردوغان إلى إقامتها. وكانت روسيا قد صرحت فى السابق بأنها تتعاون مع تركيا فى الملف السورى على أساس عدم وجود مقترح المناطق الآمنة. كان أردوغان يتخوف من أن تكون تلك المناطق بداية لنشأة الدولة الكردية. بيد أن تحمسه للمشروع حدا بمدير الـ”سى آى ايه” “مايك بومبيو” إلى أن يطمئنه ويبدد مخاوفه تماما. وجاء هذا خلال زيارة المسئول الأمريكى لتركيا، وهى أول زيارة خارجية له بعد تقلده للمنصب.

 

عامل آخر حدا بأردوغان إلى أن يلتحق بادارة ترامب وهو رغبتها فى تشكيل تحالف سنى يكون الخليج محوره فى مواجهة إيران، ولعل هذا هو السبب الرئيسى الذى دفع أردوغان إلى التوجه نحو الخليج وهو يدرك أن الخليج سيرحب بتحركه لا سيما السعودية التى تخوض حربا بالإنابة ضد إيران فى سوريا واليمن والعراق، ولا شك أن عرض أردوغان للاندماج فى هذا التحالف لن يكون بدون مقابل، ولهذا أراد انتهاز الفرصة ليستفيد ويعوض الخسارة التى لحقت باقتصاد بلاده إلى حد باتت تركيا معه مهددة بكارثة مالية واقتصادية ظهرت أولى بوادرها فى انخفاض الليرة التركية؛ حيث فقدت نحو ثلثى قيمتها، وخلافا لأمريكا توجه أردوغان صوب بريطانيا التى وقعت معه اتفاقية لتحديث الأسطول الجوى التركى، وتزويد تركيا بمقاتلات بريطانية.

أما جولته الخليجية فلقد استهلها بزيارة البحرين فى ١٢ فبراير الجارى ليتوجه بعدها إلى الرياض لتنتهى الجولة بزيارة الدوحة، استبق أردوغان جولته فى الخليج بتوجيه رسائل نارية فيما يخص الملف السورى، مؤكدا ضرورة إقامة مناطق آمنة تتراوح مساحتها ما بين ٤٠٠٠ ــ ٥٠٠٠ كلم، وتعامل مع الجيش الحر بوصفه هو الجيش الوطنى النظامى لسوريا، ثم جاء إعلانه بأنه بعد الانتهاء من “الباب” فإن الدور سيأتى على” الرقة”، “ منبج”. المباحثات فى الخليج دارت حول التعاون فى مجالات عدة يتصدرها الاقتصاد، كما أن الاتفاقات ارتبطت بالمجال الأمنى والعسكرى والسياسى. فى السعودية دار النقاش حول الملف السورى ومشاريع أمنية وعسكرية. وكان قد تم لقاء مؤخرا ضم ٢٠٠ مسئول من السعودية وتركيا فى معرض التطلع إلى إنجاز المشاريع الأمنية والعسكرية.

جاءت جولة أردوغان الخليجية من أجل التحضير لمرحلة جديدة ستشهدها المنطقة، فى الأساس جاءت لتعزيز التعاون السياسى والاقتصادى بين تركيا ودول الخليج. ولعل الإمارات هى الدولة التى عمد أردوغان إلى استثنائها فى جولته الخليجية بعد أن شهدت العلاقات بينه وبينها توترا بسبب دعم الإمارات للتطورات التى وقعت فى مصر ٢٠١٣ عندما تمت الإطاحة بالمعزول “محمد مرسى”، وكان أن دعمت الإمارات ما قامت به مصر وهاجمت تركيا على خلفية موقفها الرافض لخلعه، أى أن التوتر نشأ على أرضية تعود إلى معاداة تركيا وتجربة الإسلام السياسى فى الحكم.

أردوغان توجه إلى الخليج على أمل أن تسفر الجولة عن تحقيق أهداف سياسية وأن تكون جبهة إنقاذ لتركيا بحيث تقيلها من عثرتها الاقتصادية، لا سيما فى ظل ما يواجهه اقتصادها من أزمات غير مسبوقة يخشى معها فيما إذا استمرت أن تودى به إلى حافة الانهيار. ولقد فشلت تركيا فى احتواء هذا الانهيار، الذى ساعدت عليه الأحداث التى وقعت إثر محاولة الانقلاب التى أثرت بالسلب على الوضع الاقتصادى. بالإضافة إلى ما تبعها من إجراءات تعسفية اتخذتها تركيا لاسيما حملات الاعتقال التى امتدت إلى مايربو لمائة ألف شخص، هذا فضلا عن العمليات الإرهابية التى استهدفت أنقرة وإسطنبول، وهو ما أدى إلى تراجع السياحة بنسبة ٣٥٪ ، بل وسحب البساط من تحت أقدام تركيا فى مجال الاستثمار، ففى ظل الإرهاب لم تعد تركيا تمثل الساحة المفضلة للاستثمارات الأجنبية.

الأزمة الاقتصادية فى تركيا أدت إلى انخفاض معدل النمو ليصل إلى أقل من ٣٪ بعد أن وصل فى عام ٢٠٠٩ إلى ١٠٪ .ولهذا كله طفق أردوغان يبحث عن طوق نجاة، وهو ما حدا به إلى التوجه نحو الخليج على أمل أن تبادر دوله بفتح أسواقها أمام البضائع التركية، بالإضافة إلى إقناعها بضخ مليارات الدولارات فى تركيا كاستثمارات، ولكنه وسط ذلك غاب عنه أن الدول الخليجية تجابه عجزا ماليا ضخما تسبب فيه تراجع الاحتياطى المالى، وباتت تعانى عجزا فى موازنتها العامة. ولهذا قد يخيب فأله، فالجميع يعانى من أزمات مالية وسط التطورات الحادثة فى المنطقة بما فيها انخفاض أسعار النفط، وبالتالى فإن أردوغان لن يجد طوق النجاة الذى يبحث عنه، ورغم أن مغامراته لم تأتِ له بأية نتائج إيجابية.. إلا أنه مازال يرقص على أكثر من معزوفة فى محاولة لتحقيق أهدافه فى المنطقة.. والجعان يحلم...