بقلم – سامى الجزار
ربابة ربة البيت... تصب الخل فى الزيت
لها عشر دجاجات... وديك حسن الصوت..
بهذين البيتين شكر الشاعر العباسى «بشار بن برد» جاريته «رباب» على حُسن إعدادها للطعام، وعندما سمعه أحد أصدقائه عاتبه على قول مثل هذا الشعر الضعيف -من وجهة نظره- فرد عليه «بشار» قائلا: هذا عند رباب خير من قول امرئ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معا... كجلمود صخر حطه السيل من علٍ
فهذا الشعر فى مقامه أقوى.. ولكل مقام مقال.
مقولة حكيمة لن تموت أبد الدهر، واللبيب هو من يتفهمها ويتعامل بها.. لكن هناك من يفرض عليهم العمل بها نظرا لطبيعة عملهم، وهنا مربط الفرس، أن تتفاجأ بأن مَن هم أهل لهذه الحكمة هم أبعد من يكونوا عنها فى تعاملاتهم المهنية التى تفرض عليهم البعد عن كل ما هو شخصى حتى يستطيعوا توصيل الرأى الأصوب لجمهورهم، كما أنهم هم من يوجهون الرأى العام ناحية الصواب وتفتيح مداركه عما لا يعلمه.
ولكن تزداد المفاجأة قتامة عندما تصل الأمور بين هؤلاء إلى حد العداوة فى أمر لا يستأهل، فما يختلفون عليه ما هو إلا تنافس على منصب خدمى للعامة من جمهور هذا التخصص أو المهنة، أتى كل مرشح للمنصب فقط لعرض برنامجه وشرحه، إذن الأمر لا يتعدى حدود الانتخابات، التى تعنى الديمقراطية، التى نسعى لتأصيلها فى حياتنا اليومية على جميع الأصعدة.
المفاجأة التى جعلتنى أتذكر تلك الحكمة هى حالة الشخصانية التى تملكت من يتناقشون مع المترشح على المنصب عندما أتى لدارهم يشرح ويوضح لهم ما خفى عنهم فى برنامجه الانتخابى، لا يبغى تجريحا فى منافسه، وبالمثل لا يريد منافسه ذلك، فتتفاجأ بأن بعضهم يسأل المرشح عن أمور خاصة لا تمت لجماعته فى شىء، وآخر يكيل له الاتهامات لأسباب شخصية، وثالث متنمر له بسبب ميله للمرشح الآخر، والعكس صحيح بالنسبة للمرشح الآخر، فتحولت أغلب النقاشات إلى حرب كلامية ليست بين المتنافسين على المنصب بل بين المناصرين لكل مرشح، فالمتنافسان زميلان يعلمان أصول اللعبة، بينما الناخبون (جماعتهم المهنية) فقد حادوا عن الطريق وتنكبوا الشخصانية لتخليص ثارات أو تصفية حسابات قديمة بين بعضهم البعض، فابتعدوا عن العقلانية التى يتسمون بها فى مهنتهم، والمنطق الذى يتخذونه أساسا فى حساباتهم العملية، فأصبحوا أناسا عاديين وليس كما يصورن أنفسهم «الفاهمين».
(بالطبع لا استثنى نفسى منهم ولكن فقط أوضح الأمور كما أريدها أن تسير منطقية)
بالطبع أتحدث عن انتخابات نقابة الصحفيين والصراع الدائر على منصب النقيب الذى اشتعل أواره بين الجماعة الصحفية دون وصول لهيبه إلى المتنافسين على المنصب، والذى أشعل تلك الحرب هم المناصرون لهذا أو ذاك، أو المختلفون مع أحدهما عن الآخر، بينما المتنافسان الشريفان دائما يؤكدان أنهما زميلان أولاً وأخيراً.. ويحسنان العمل بالحكمة الخالدة «لكل مقام مقال».