الجمعة 17 مايو 2024

رأس الحكمة

15-1-2017 | 00:23

لن تتعثر الدول ولن تساق إلى مقصلة البتر والاستئصال فيما إذا احتكمت إلى الموضوعية وتبنت الحكمة كنبراس لما تخطط لإنجازه. ولعل هذا ماعكسته روسيا عندما ظهرت على الساحة اليوم بوصفها رأس الحكمة من خلال محاولاتها الحثيثة لإخراج سوريا العروبة من عثرتها التى رانت عليها منذ أن اندلعت أحداث مارس ٢٠١١ وشرع الغرب المريض الذى تقوده أمريكا بتطويقها بحزام المؤامرات من خلال تسليط التنظيمات الإرهابية عليها إلى حد تمكن معه تنظيم داعش من السيطرة على مساحات عريضة من أراضيها ومضى يعيث فيها فسادا وتخريبا وقتلا وتشريدا وجرائم يشيب لها الولدان.

تبنت روسيا منطقا عقلانيا بدت مظاهره جلية فى سعيها الحثيث إلى حل الأزمة سياسيا.ورأينا الرئيس” بوتين”حريصا على إيجاد حل للاعتوار الذى حل بسوريا. ولعل تصريحاته التى أدلى بها فى المنتدى الاقتصادى الدولى فى” سان بطرسبورج”فى يونيه الماضى خير شاهد على مواقفه الإيجابية،فقد أبدى استعداد بلاده للحوار مع الرئيس السورى من أجل إجراء الإصلاحات السياسية هناك. وحذر من أى محاولات تستهدف تحقيق الانقلاب فى سوريا وهو مافتىء الغرب ومن والاه يلوحون به.

كان “بوتين”على حق عندما أعرب عن مخاوفه من احتمال أن تؤدى مثل هذه المحاولات بسوريا إلى ماآل إليه الموقف فى ليبيا والعراق عندما قال:( نحن لانريد أن يبلغ تطور الأوضاع فى سوريا إلى مثل هذا الحد. وهذا مايفسر موقفنا من تأييد الرئيس الأسد وحكومته، وهو مانعتبره موقفا صحيحا ومن الصعب توقع غير ذلك منا. إن رحيل الأسد أمر يخص الشعب السورى وحده، مؤكدا استعداد بلاده للتعاون مع المعارضة من أجل تمهيد الطريق نحو الاصلاح السياسى).

أعاد” بوتين” إلى الأذهان كيف أن الأمم المتحدة قد تحدثت عن احتمالات التعاون مع الرئيس الأسد فى مكافحة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى فى المنطقة. وهنا تبنى الصراحة منهجا عندما اتهم أمريكا بأنها فى صدارة الأسباب التى أدت إلى ظهور تنظيم داعش الذى تمكن من خلال هجومين أو ثلاثة من الاستيلاء على أسلحة بكميات تزيد عما بقى فى قبضة الجيش العراقى. ولم يفت” بوتين” أن يوجه الدعوة إلى أمريكا والشركاء الأوربيين إلى اتخاذ إجراءات إضافية لمحاربة التطرف الإسلامى ممثلا فى داعش والجماعات الأخرى وهى فروع للشبكات الإرهابية العالمية التى سبق أن وجهت ضربات عدة إلى أمريكا نفسها.

ومن جديد دخل الرئيس”بوتين” مؤخرا على خط حلحلة الأزمة فى سوريا فدعا إلى تشكيل تحالف إقليمى دولى يضم سوريا لمكافحة الإرهاب من أجل الخروج من دائرة العدوان الإرهابى الدولى بحيث بات الأساس فى مبادرته يرتكز على مكافحة الإرهاب، والشروع فى إقامة حوار بناء مع جميع الدول المعنية بمكافحته.ولقد بادرت سوريا بدعم المبادرة التى ترتكز على جهد إقليمى للقضاء على الإرهاب فى إطار تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة هذا الطاعون. ولاشك أن مبادرة” بوتين” تسلط الضوء على خطورة استمرار داعش والتنظيمات التكفيرية الأخرى مثل جبهة النصرة فى التمدد داخل الأراضى السورية والتى سيكون لها تداعياتها الكارثية على أمن واستقرار المنطقة بأكملها بل وعلى أوربا أيضا فيما لو لم تتم مجابهتها.

أما وقد آن الأوان لمبادرة جماعية تأخذ على عاتقها تطهير الأرض من هذا الشر المستطير فإن الأضواء تسلط على الدور المصرى حيال مد اليد لمساعدة سوريا على الخروج من مستنقع الأزمة ، لاسيما وأن مصر تبنت مواقف إيجابية أيدت من خلالها باستمرار وجوب حل الأزمة سياسيا من أجل وقف نزيف الدم السورى والحفاظ على وحدة الأرض السورية.ولقد رأينا كيف عبر الرئيس” عبدالفتاح السيسى” عن الرؤية المصرية للحل فى أكثر من مناسبة خلال زياراته الخارجية وفى كلمته أمام القمة العربية فى مارس الماضى وفى لقاءاته مع المسئولين والمبعوثين الدوليين لسوريا فى القاهرة، وهى تعكس نظرة واقعية حيادية تنأى بمصر بعيدا عن التدخل المباشر فى مصير سوريا وترفض إملاء الخيارات على الشعب السورى الذى يعانى من محنة الإرهاب.

واليوم بات لزاما على الجميع وضع حد لطاعون الإرهاب عبر مشروع يأخذ على عاتقه مجابهة هذه التنظيمات وتعاليمها التى تعد خارج منظومة العصر. لقد باتت محاربة الإرهاب تحتل الأولوية حيث إنه يهدد الأمن القومى العربى ويفكك الأوطان ويسقط الجيوش. ومن ثم فإن القضاء عليه سيفتح المجال لمواجهة كل مصادر التهديد الأخرى.

كتبت : سناء السعيد