أطلقَ صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الأمم المتحدة المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، نداءً مُلحّاً لحشد 1.2 مليار دولار أمريكي لمجابهة الأزمات المتصاعدة التي تؤثر على النساء والفتيات على مستوى العالم في عام 2024.
وتهدفُ الوكالة إلى توفير خدمات الصحة الإنجابية وغيرها من الخدمات اللازمة لتوفير الحماية لنحو 48 مليون شخص من أشدَ الناس ضعفاً في العالم وإنقاذ حياتهم في 58 دولة خلال عام 2024.
وأشار صندوق الأمم المتحدة - في بيان له اليوم الثلاثاء - إلى أنه في عام 2023، اجتاحت العالم حالات طوارئ مناخية واندلعت حروب ونزاعات جديدة وتعمّقت أزمات متعددة وأخرى قائمة بالفعل.. ففي النصف الأول من العام، تمّ تهجير 114 مليون شخص قَسْراً - نصفهم، في المتوسط، من النساء والفتيات، اللواتي يعانين من أوجه ضعف فريدة تتعلّق بصحتهن الإنجابية وسلامتهن.
فعلى سبيل المثال، أفغانستان التي تُعدّ من أخطر الأماكن في العالم للولادة تفقد امرأة واحدة حياتها كل ساعتين أثناء الحمل أو الولادة. في غزة، وجدت نحو 50,000 امرأة حامل نفسها محاصرة في النزاع الدائر، لا من مكان آمن يذهبن إليه، ونظام الرعاية الصحية الذي يعتمدن عليه على وشك الانهيار. في ميانمار، يُعرّض النزاع الدائر نحو 7.7 مليون شخص، غالبيتهم من النساء والفتيات، لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي وهم الآن في أمسّ الحاجة إلى المساعدة. وفي السودان، حيث أودى العنف القائم على النوع الاجتماعي بحياة عددٍ هائلٍ من الأفراد، نزحَ 7.1 مليون شخص داخلياً، الأمر الذي ضاعف من مخاطر الاستغلال والاعتداء الجنسييْن على النساء والأطفال.
وقالت الدكتورة ناتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في معرض تعليقها على هذه الأحداث: "عندما تقع الأزمات، تدفع النساء والفتيات الثمن الأكثر فداحة. وما لم نضعهنّ في المقدمة ونجعلهن محور اهتمام استجابتنا الإنسانية، فسوف نشهد المزيد من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، والمزيد من حالات زواج الأطفال، والمزيد من حالات الوفيات المرتبطة بالحمل والولادة".
وبالتطلُّع قُدُماً إلى عام 2024، يُقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 6.1 مليون امرأة حامل سيحتجن بشكلٍ عاجل إلى مساعدات إنسانية، في حين أنّ 84 مليون امرأة وفتاة يخاطرن بمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وسيحتجن إلى تدابير وقائية وخدمات مُسانِدة.
تكشفُ البيانات التي صدرت حديثاً عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أنّ الدول الأكثر عُرْضة لتغيُّر المناخ تواجه فيها النساء أيضاً أقسى الظروف، بما في ذلك ارتفاع معدلات وفيات الأمهات وزواج الأطفال والولادات المبكرة والعنف القائم على النوع الاجتماعي – الأمر الذي يرسم صورةً مقلقةً للتحدّيات المتفاقمة التي تواجهها النساء والفتيات في ظل تغيُّر المناخ والنزوح والضعف القائم على النوع الاجتماعي.
وأضافت الدكتورة كانيم قائلةً: "يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان كلّ يوم على تلبية الاحتياجات الصحية للنساء والفتيات وتوفير الحماية في حالات الطوارئ حول العالم، الأمر الذي يُساهم في إنقاذ الأرواح وتهيئة الطريق نحو مستقبل أكثر سلاماً وعدالة ومساواة".
ورغم حصول صندوق الأمم المتحدة للسكان على 50 في المائة فقط من نداء تمويله الإنساني للعام 2023، تمكّن من تقديم خدمات الصحة الإنجابية إلى أكثر من 10 ملايين شخص، وحماية 4.2 مليون آخرين من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد ذهب ثلث هذا التمويل إلى منظمات محلية تقودها نساء لأنها قادرة أكثر من غيرها على تلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً.
والمشير للدهشة أنّ الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي، مع ارتفاع معدلاته في حالات الطوارئ المتعددة، لا تزال واحدة من القطاعات الأقل تمويلاً في حالات الطوارئ. وتلّقت 11 من أصل 26 دولة لديها خطط استجابة إنسانية منسّقة من الأمم المتحدة أقل من 10 في المائة من التمويل اللازم لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي في عام 2023. وفي حين أنّ بعض الأزمات تستحوذ على العناوين الرئيسية وتحظى باهتمام عالمي، فإنّ العديد من البلدان، بما في ذلك أفغانستان وإثيوبيا والسودان واليمن، تواجه خطر الإهمال مِن قِبَل وسائل الإعلام والجهات المانحة على حدّ سواء - الأمر الذي من شأنه أن يُلحق خسائر فادحة بحياة الملايين من النساء والفتيات. وحتى الأزمات التي تحظى باهتمامٍ كبيرٍ على الساحة الدولية، مثل أوكرانيا والأراضي الفلسطينية المحتلة، لا تتلقى هي أيضاً التمويل الذي تحتاجه.
يُسلّط تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي صدر اليوم تحت عنوان استعراض عام للعمل الإنساني لعام 2024، الضوءَ على كيف أنّ التمويل البالغ 1.2 مليار دولار، إذا تم الوفاء به، سيمُكّن صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركائه من توسيع نطاق تقديم خدمات الصحة الإنجابية لضمان تمتُّع النساء بخدمات الولادة الآمنة، وإدارة برامج العنف القائم على النوع الاجتماعي لنحو 48 مليون امرأة وفتاة وشاب في 58 دولة تعاني حالياً من أزمات إنسانية.
وأصبحت الآن الحاجة إلى تمويلٍ إنسانيّ يتسم بالمرونة ويمكن التنبؤ به أشدّ منها في أي وقت مضى، ويقف صندوق الأمم المتحدة للسكان على أهبة الاستعداد للاضطّلاع بدوره في إنقاذ الأرواح وتحقيق الاستفادة القصوى من كل دولار يتمّ إنفاقه.