بقلم – ثروت الخرباوى
سيكتب منْ سيكتب أن عمر عبد الرحمن كان من المجاهدين الزاهدين! وسيكتب من سيكتب عن عمر عبد الرحمن الذى لبث فى سجون أمريكا سنوات وسنوات وأنه تعرض لاضطهاد وعنت، وسيكتب من سيكتب أنه كان الشيخ الضرير والزعيم الروحى للجماعة الإسلامية، وسيكتب منْ سيكتب أنه كان فقيه جماعات العنف، وسيدافع عنه تلاميذه، وسيقيم الإخوان صلاة الغائب عليه، ولكن ما هى حقيقة هذا الرجل؟
حينما قرأت للصديق الدكتور ناجح إبراهيم نعيه لعمر عبد الرحمن أصابنى الفزع، فناجح من المجتهدين الذين قطعوا شوطا فى مراجعة أفكار التطرف، ومع ذلك فقد كان عمر عبد الرحمن فى النعى الذى كتبه: «العالم الفاضل العابد الزاهد الذى كان نموذجا للزهد فى الدنيا والإيثار فى الآخرة، ونموذجا فى قيام الليل وصيام النهار رغم مرضه»، ولا أعرف لماذا تذكرت أئمة الخوارج وأنا أقرأ نعى الدكتور ناجح للدكتور عمر، هل لأنهم مثل الدكتور عمر كانوا يقومون الليل ويصومون النهار، وكانوا أيضا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم عبادا زهادا كعمر عبد الرحمن، أو كما قال: «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم» وأنهم يقرأون القرآن ويستدلون به، إلا أنهم يجعلونه للفتنة والقتل والفرقة بين المسلمين، وهو الأمر الذى فعله الزعيم الروحى لأكبر جماعات القتل، لم يفعله فقط بل دعا له فى كتبه ومقالاته ولقاءاته الصوتية، وقد أكون قد تذكرت الخوارج وأنا أقرأ نعى الدكتور ناجح لأستاذه عمر عبد الرحمن؛ لأن من صفات زعماء الخوارج أن الناس تفتتن بهم وتقع تحت تأثيرهم من فرط عبادتهم الظاهرة وهم فى الحقيقة يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ولكن الذى دعانى أكثر وأكثر لتذكر الخوارج هو الإنتاج الفكرى الذى خرج من تحت قلم وقلب وعقل عمر عبد الرحمن، فمن هو هذا الرجل الذى ستبكى عليه كل الفصائل والفرق والجماعات التى ترفع شعارات الدين؟ لك أن تعلم أنه أستاذهم بعد شيخهم الأول حسن البنا، ثم سيد قطب، ثم شكرى مصطفى، ورابعهم عمر بن عبد الرحمن.
نعرف أن عمر عبد الرحمن ولد فى نهايات الثلاثينات من القرن العشرين، وهو بذلك مات وهو فى أواخر السبعينات من عمره، وكان قد حصل على الثانوية الأزهرية عام ١٩٦٠ ثم التحق بكلية أصول الدين، وفى هذه الفترة المضطربة من تاريخ مصر كانت جماعة الإخوان قد أخذت موقعها المفضل فى السجون بسبب محاولتها الانقلابية على نظام الحكم وقتها، ولأن هذه الجماعة كانت ترفع شعارات الإسلام والخلافة وأستاذية العالم؛ لذلك فقد استحوذت على مشاعر الشباب الصغير المتدين والذى لا يملك عقلية مبدعة تجعله يعرف الفرق بين الضلال والهدى، التجارة بالدين، والعمل للدين، وبسبب حداثة سنة وقلة معرفته وقع الفتى عمر عبد الرحمن فى أسر أفكار سيد قطب، الذى كان قد نشر فى مجلة الإخوان بدءًا من بداية الخمسينات أجزاء من تفسيره «الظلال» وكانت لغة سيد قطب فى تفسيره آسرة، فهو فى الأصل شاعر وأديب، كما كان تفسيره لسورة التوبة ثم لسورة الأنفال أكبر تأثير على عمر عبد الرحمن، فآمن عمر بجاهلية المجتمعات، ووجوب محاربة أهل الكفر وأهل الشرك، وضم معهم أهل الكتاب إلا إذا دفعوا الجزية.
وتخرج عمر فى كلية أصول الدين بالأزهر بتفوق، وقد ساعده على التفوق حفظه للقرآن الكريم، وعطف وعناية أساتذته به، وعند تخرجه كانت القضية التى دفعت عُمر أكثر وأكثر إلى تيار العنف، ألا وهى قضية تنظيم سيد قطب المشهورة بقضية ١٩٦٥ وفى هذه القضية صدر الحكم بإعدام الأستاذ قطب فبكى عليه التلميذ عُمر أيما بكاء، ومنها وقر فى يقينه أن هذا المجتمع كافر وجاهلى؛ لأنه قتل العالم وترك القسيس، والأمر عنده يختلف، فقد كان يرى وجوب قتل القسيس وتكريم العالم، ورغم حصول الشاب عُمر على الليسانس بتفوق وتعيينه معيدا فى الجامعة إلا أن ذلك لم يخفف غلواء تطرفه النفسي، فبعض أساتذته فى الأزهر كانوا يؤمنون بما يؤمن به، ويكتبون فى كتبهم للطلبة ما يحضهم على التطرف، ولكن عمر كان يضع فارقا بين هؤلاء الأساتذة وهذا الفريق وبين باقى أركان الدولة التى يراها كافرة، ومع الوقت استطاع عُمر أن يعمل فى وزارة الأوقاف كخطيب فى مسجد فى الفيوم، ومن هذا المسجد كانت انطلاقاته وكانت لقاءاته مع عدد من الشباب الغر الصغير حدثاء الأسنان الذين لا يعرفون شيئا عن شيء، وكل ما يملكونه عاطفة دينية لم يهذبها العلم والفقه، وعاطفة بلا ضوابط هى نار تشتعل وتشعل من حولها.
وحينما وصل خبر تطرف خطيب الأوقاف الأزهرى الشاب عمر عبد الرحمن للمسئولين أوقفوه عن العمل ونقلوه إلى وظيفة إدارية فى الأزهر، وكان قد حصل على الماجستير، ثم ظهر للمسئولين تطرف أفكاره فأوقفوه عن التدريس ونقلوه للعمل فى وظيفة إدارية فى الأزهر، وبعدها استطاع أن يحصل على الدكتوراه وكان موضوعها «موقف الإسلام من خصومه» وكان ذلك فى بدايات عهد الرئيس الشهيد أنور السادات، ومن عجب أن نظام السادات وافق بعد ذلك على تعيين هذا الشيخ الضرير فى سلك التدريس فى جامعة الأزهر فرع أسيوط وكان ذلك عام ١٩٧٣ ثم سمح له هذا النظام بالسفر بعد ذلك للمملكة العربية السعودية ليعمل فى كلية البنات بالرياض، ولم يحمد عُمر الزاهد المصلى العالم هذا الأمر للرئيس السادات، بل كان دافعا له لكى يفتى بكفره ووجوب قتله، وكان القتل بناءًعلى فتواه التى أيدت عددا من الفتاوى فى نفس الموضوع، وقد كشفت الأيام عن أن خالد الإسلامبولى ومن معه من القتلة استندوا إلى فتوى صريحة بقتل السادات صدرت لهم من الشيخ عبد الله السماوى وأخرى من الشيخ عبد الحميد كشك، ثم كشف أسامة حافظ وهو من مؤسسى الجماعة الإسلامية أن هناك فتوى بذات الموضوع إلا أنها كانت ضمنية قد صدرت من عمر عبد الرحمن؛ إلا أنهم لم يستطيعوا قبل التنفيذ الوصول إليه ليعرفوا سند فتواه لأنه كان مختبئا لصدور قرار بالتحفظ عليه، فيكون السادات بذلك قد فتح أبواب العمل والسفر لعمر عبد الرحمن، وعمر فتح باب قتل السادات! هذا هو الصوام القوام الزاهد العالم! ولكن ما هى أفكاره على وجه التحديد؟.
كنت قد قرأت كتب هذا الرجل لأتعرف على فكره، فوجدته قد تماهى فى أفكار سيد قطب، لا يحيد عنها أبدا، المجتمع عنده جاهلى لأنه رضى بحكم الطاغوت، وقبل أن يتحاكم بشرائع وضعية، والحاكم لا يحكم بما أنزل الله، لذلك فهو كافر، ولكن أبرز أفكاره وضعها فى رسالة الدكتوراه التى حصل عليها من الأزهر الشريف بامتياز مع مرتبة الشرف! وكان ذلك كما قلنا فى بداية السبعينات، وقت أن فتح السادات الباب لكل هؤلاء لكى يطرحوا أفكارهم فى المجتمع بلا رقيب أو حسيب أو رد أو مواجهة، فكانت عاقبته أن قتلوه! أما المسلم عنده فهو الذى فى جماعة المسلمين لا ذلك الذى يعيش فى الوطن طليقا من قيد الجماعة، وهو بذلك كان على صلة بشكرى مصطفى قاتل الشيخ الذهبى وصانع جماعة التكفير والهجرة، إلا أن عمر عبد الرحمن كان يرى أن شكرى مصطفى قليل العلم كثير الزهو والاعتداد بنفسه والغرور، لذلك كان ينبه على تلاميذه فى أسيوط قبل قضية الشيخ الذهبى بعدم الأخذ من شكري، والأخذ منه هو باعتباره أزهريا من الحاصلين على الدكتوراه.
ومن الغريب أن رسالة الدكتوراه التى حصل عليها الشيخ عمر هى واحدة من أكبر أطروحات التطرف والتفكير والتشدد والخروج عن الفهم الصحيح للإسلام، وقد احتوت على تعسف وشطط فى فهم آيات القرآن وفى قراءة حوادث التاريخ، وكان جل رسالته يقوم على الخلط بين واقع سياسى وعقائدى وتاريخى معين فى زمن بعينه، إلى أمرٍ عام ينبغى أن يتم تطبيقه فى كل الأزمان، واستخدم فى رسالته «سورة التوبة» لينطلق منها إلى وجوب محاربة العالم كله حتى يسلم أو يدفع الجزية! تماما كما فهم أستاذه سيد قطب وهو يكتب عن سورة التوبة فى تفسيره «الظلال»، ولكن الأعجب من أفكار الشيخ عمر المتطرفة هو أن لجنة الحكم الأزهرية على الرسالة وافقت عليها ومنحته العالمية بامتياز مع مرتبة الشرف! وكانت لجنة الحكم على الرسالة مشكلة من مجموعة من كبار علماء الأزهر وهم الدكتور محمد أبو شهبة الذى كان وقتها عميدا لكلية أصول الدين بأسيوط وهو من المتخصصين فى علوم القرآن والسيرة النبوية، والدكتور عبد العظيم عباس الذى كان يقوم بتدريس تفسير القرآن، والدكتور أحمد السيد الكومى الذى كان وقتها من أكبر العلماء المتخصصين فى علوم القرآن وكان ضريرا كتلميذه عمر عبد الرحمن، ويبدو أن الخط العلمى لرسالة الدكتوراه وما بها من تكفير واتهام للمجتمع بالجاهلية ووجوب محاربة غير المسلمين كان قد وجد هوى فى نفس تلك اللجنة فأعطته العالمية وميزته بالامتياز مع مرتبة الشرف!.
أما ما ورد فى الرسالة من أفكار فهو يدل على عقلية مكيافيلية غير أخلاقية على الإطلاق، فقد جعل من الإسلام دينا قوميا لقوم بأعينهم يجيز لهم أن يفعلوا ما يريدون بغيرهم، وليس عليهم فى ذلك أى إثم بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، وجعل من الإكراه هو الوسيلة الكبرى لإجبار غير المسلمين على الدخول فى الإسلام، ومن ذلك ما انتهى إليه من: «جواز نقض المسلمين لعهودهم.. وجواز نبذ العهود لمن كان بيننا وبينهم عهد متى رأى الإمام أن مصلحة الأمة فى ذلك»، وبذلك لا تكون آية «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» أى قيمة فى مواجهة الأغيار، قيمتها فقط بين المسلمين، فالمسلم عليه أن يفى بوعده للمسلم الذى يماثله، أما غير المسلم فلا عهد له، وإن عاهده المسلم لأى سبب فيجوز له عند الضرورة أن ينقض هذا العهد، وهذا هو عين ما تؤمن به الصهيونية فى قراءتها لليهودية، فالعهد يكون بين اليهودى ونظيره أما غير اليهودى فلا عهد له، وإذا كان اليهود ابتدعوا فكرة الإله القومى فعمر عبد الرحمن وأساتذته وتلاميذه وجماعته قد استخدموا نفس الفكرة بلا أى تغيير.
أما موقف المسلمين من المشركين فى رسالة الدكتوراه لصاحبها الشيخ عمر فهو وفقا لعنوان الفصل الرئيسى فى الرسالة هو «إما الإسلام أو الجزية أو القتل»، ولا يوجد عند الشيخ عمر أى فكرة عن حرية العقيدة وعن عدم جواز الإكراه، فكل آيات «الحرية فى العقيدة» عنده منسوخة، لا يوجد عنده آية «لا إكراه فى الدين» ولا يوجد عنده آية «لكم دينكم ولى دين» ولا يوجد عنده «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، كل هذه الآيات غير موجودة فى مصحف الشيخ عمر، لا وجود لها إلا للتلاوة فقط، أما للعمل بها فهى عنده أصبحت ملغية، أو منسوخة بما فهمه عقله السطحى من سورة التوبة.
وفى تفصيل ذلك يقول الشيخ عمر فى كتابه الأشهر «إن آيات القرآن فى التعامل مع المشركين فى مكة ليست حالة طارئة أو وقتية مرتبطة بزمنها، ولكنها حالة عامة وطبيعية وحتمية حيثما وجد مؤمنون يدينون بالعبودية لله وحده، ومشركون أو ملحدون يدينون بالعبودية لغير الله فى كل مكان وفى كل زمان، والأمر فى تنفيذها إنما يتعلق بالمقدرة على التنفيذ ولا يتعلق بأصل الموقف الذى لا يتبدل على الزمان» وبذلك يخرج الشيخ عمر من خصوصية السبب والحالة والتاريخ إلى العمومية فى أى وقت وعلى أية حال.
ثم يستطرد قائلا:»موقفنا من المشركين والملحدين فى كل مكان وزمان يكون بإما أن ينصاعوا للإيمان ويدخلوا فى دين الله، أو يصروا على ما هم فيه من شرك وإلحاد وضلال وبهتان ومحاربة للفضيلة، فإن كانت الأولى فإخواننا فى الدين لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وتقوم الوشيجة بيننا وبينهم على أساس العقيدة ويسقط الماضى كله من القلوب، وإن كانت الثانية فلا عهد لهم ولا سبيل لهم معنا سوى القتال حتى يخضعوا للحق» وفى تلك السطور يضع الشيخ عمر حدا فاصلا بين الإيمان بالإسلام وعدم الإيمان به، فإذا آمنت فأنت من المسلمين وإن لم تؤمن فسوف نقاتلك ولو لم تكن محاربا، سنقاتلك على عهدة الشيخ عمر لمجرد أنك لم تدخل للإسلام!.
ثم يلخص الشيخ عمر الموقف النهائى من أهل الكتاب بقوله « ليس أمامهم إلا الإسلام أو الجزية أو القتال، إما أن يفيئوا إلى الدين القيم، أو أن يعطوا الجزية، أو يُقاتلوا حتى تخمد أنفاسهم ويستريح الناس من باطلهم».
وأهل الكتاب عند الشيخ عمر ليسوا أهل كتاب حتى ولو قال الله عنهم ذلك، ولكنهم أهل شرك، وفى ذلك يقول «إن الله أطلق على كفار قريش المشركين وأطلق على اليهود والنصارى أنهم أهل كتاب رغم أن الشرك دخل فى دينهم مثلهم مثل المجوس والصابئين لأنهم كانوا أهل كتاب ثم دخل عليهم الشرك» وقد حاولت أن أفهم من كلامه ما هو توصيف الله لأهل الكتاب، هل هم أهل كتاب بالفعل؟ أم أهل شرك؟ فيقول العالم الكبير الزاهد:» إنهم أهل شرك ولكن الله أطلق عليهم أهل كتاب» وهذا من أعجب ما يمكن أن تقرأه لواحد ينسب نفسه للعلم وللدين والفقه والدراية، ولم يقل لنا العالم لماذا لم يطلق الله عليهم أهل شرك، هل تحرج فى ذلك؟ أم للمهادنة مثلا؟ سبحانه وتعالى عما يصفون، كيف يتصور هؤلاء الله رب العالمين! وعندما حاول الشيخ أن يشرح لنا ما غمض علينا فى هذا الأمر انتهى إلى القول إن: «أهل الكتاب بمثابة المشركين فى الشرك، بل إن كفر عابد الوثن أخف من كفر النصارى» والعبارة منقولة حرفيا من كتابه، أهل المشركين فى الشرك! وأترك للقارئ الحق فى تفسير العبارة كلها كما يشاء.
أما لماذا يجب محاربة أهل الكتاب بشكل دائم وفى كل عصر؟ فذلك عنده لأن: «أهل الكتاب بصفاتهم هذه هم حرب على الإسلام اعتقادا وسلوكا، كما أنهم حرب على المجتمع المسلم بحكم طبيعة التعارض والتصادم بين منهج الله ومنهج الجاهلية، كما أن التاريخ أوضح عدم إمكانية التعايش بين المنهجين، والإسلام ينبغى أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه وتحرير الإنسان من الدينونة لغير دين الحق، ووسيلة ذلك هو بإخضاع أهل الشرك من أهل الكتاب عن طريق الجزية أو القتال حتى استئصال وجودهم».
فإذا كان هذا تصوره عن غير المسلمين سواء كانوا من المشركين أو الملحدين أو أهل الكتاب، فما هى الروابط التى ينبغى أن يرتبط بها المسلم فى مجتمعه؟ هل لرابطة الدم قيمة عند عمر عبد الرحمن؟ أو هل لرابطة النسب والمصاهرة قيمة، أو حتى لرابطة الوطن أى فضل، اقرأ معى ماذا يقول فى هذا الشأن لتعرف موقعه من العلم، وكيف ساهم هذا الرجل فى إضلال آلاف من الشباب أصبحوا بمثابة قنابل متفجرة وألغام فى طريق تنمية بلدنا، يقول عمر عبد الرحمن: «الإيمان بالله هو الوشيجة التى تربطنا، والعقيدة هى العروة الكبرى التى تلتقى فيها سائر الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية، فلا لقاء بعد ذلك فى نسب أو مصاهرة، ولا لقاء بعد ذلك فى قوم، ولا لقاء بعد ذلك فى وطن» كل الأواصر منتهية عند الشيخ عمر إلا إذا ارتبطت مع غيرك فى الدين، أما غير ذلك فهو عنده لغو لا قيمة له، لا وطنية ولا قرابة ولا أمومة ولا أبوَّة، ولا صداقة، كل هذه الأشياء عنده جاهلية، وفى سبيل تأكيد فكرته يطرح بعض الآيات عن ابن سيدنا نوح ووالد سيدنا إبراهيم وامرأة فرعون، وزوجة لوط، وغير ذلك من الأمثال التى لا يجوز الاستدلال بها أصلا، لاختلاف السياق والتاريخ والحدث، كما أنها لا تدل على ماذهب إليه أبدا، ولكن لجنة الحكم على الرسالة وافقت على ماكتبه واعتبرته امتيازا.
فإذا كان هذا بعض ما كتبه الشيخ عُمر وما سار عليه فى حياته، فما الذى قاله للمحكمة أثناء محاكمته فى قضية الجهاد، قال الشيخ عمر الكثير من العبارات التى تدل على تكفيره للكل، لم يستثن أحدا، ومن ذلك قوله للمحكمة: «إن كنا نحن خوارج، فمن تكونون أنتم؟ هل تكونون عليا وأصحابه؟ هل كان على رضى الله عنه مقتبسا أحكام شريعته من النصارى واليهود؟ أم كان حكمه يقوم على الاشتراكية والديمقراطية؟»..
ثم قال: «ما الذى يستطيع أن يقوله من ينحى شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية وحكم الجاهلية، ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب أو هوى جيل من البشر فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟»..
ثم قال: «وبعد، فجريمتى أنى نقدت الدولة وأظهرت ما فى المجتمع من مفاسد ومعاداة لدين الله»، المجتمع كله عنده يعادى دين الله! هذا هو الشيخ الصوَّام القوَّام الزاهد العابد!.
ثم قال عن الحاكمية كلمات يكاد يكون قد نقلها من كتاب سيد قطب، هي: « فالسلطان لا ينبغى أن يكون إلا لله.. والحكم لا ينبغى أن يكون إلا لله {إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ أَمَرَ ألا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} والله خلق الخلق لعبوديته {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ}، فالعبادة لا تكون إلا لله، فكان الأمر بالعبادة من جملة ما حكم الله به وقضاه، والعبادة هى الخضوع والذل والطاعة لكل ما يأمر به الله عز وجل ويرضاه.. فإذن التسليم بالحاكمية وقصرها على المولى عز وجل قيام بواجب العبودية له سبحانه بامتثال أمره واجتناب نهيه، والتسليم بحكمه» أما حقنا نحن فى التشريع لأنفسنا فهذا عنده اعتداء على سلطان الله، وإنى لأعجب كيف فهم هؤلاء تلك الآيات على هذا النحو إلا إذا كان قد دخل الزيغ فى عقولهم وقلوبهم، فقد ظلوا يتشاكلون فيما بينهم منذ الخوارج عن كيف يحكم الله؟ وهو المتفرد بالعبودية المتعالى عن الزمان والمكان، فإذا كان البعض يقول عن طريق تطبيقنا للقرآن والسنة، فهل هناك من يقول لنا: وما هو فهمكم للقرآن والسنة، على فهم من نطبق؟
ولكن الشيخ عمر فى مرافعته فى المحكمة يدور حول نفس المعنى فيقول: «فالحاكمية لله تعنى أنه سبحانه هو المالك الآمر المشرع الذى لا يجوز لأحد غيره أن يحكم أو يأمر أو يشرع. فحق التشريع غير ممنوح لأحد من الخلق، غير ممنوح لهيئة من الهيئات ولا لحزب من الأحزاب ولا لبرلمان ولا لمجموع الأمة ولا لمجموع البشرية، فمصدر الحكم هو الله.. هو الذى يملكه وحده» ومع ذلك لم يحدد لنا الشيخ عمر الآلية التى سنستخدمها لتطبيق حكم الله، كيف سنفهمها وكيف سنضعها موضع التطبيق؟!.
وماذا يا شيخ عمر عن طاعة الحكام، يقول الشيخ: «وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة ولا تجب فيما كان لله فيه معصية، ولذلك قلنا إن ولاة زماننا لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم، ولا تعظيمهم وإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصى جازت الصلاة معهم، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم».
كانت هذه الأفكار وغيرها هى الدستور الذى أنشأ به عمر عبد الرحمن الجماعة الإسلامية التى مارست الشر فى مصر لسنوات طويلة، وكانت أطروحاته السبب فى إراقة الدماء البريئة، فعل ذلك وهو هادئ البال، لم يعكر صفوه قتل أو ذبح أو تفجير، وانتهت مسيرة الرجل فى زنزانة ضيقة وحرمان من رؤية وطنه، الذى كان يكتب عنه أنه لا وشيجة تربطه بالوطن، ولم يربطه بعد وفاته بوطنه إلا بجثمانه وهو يدفتن تحت الثرى فى بلدته بالدقهلية! وسبحان من له الدوام.
هذا قليل من كثير، ولكن هذه هى بعض بضاعة هذا الرجل، الذى سافر إلى أمريكا بعد أن حصل من المحاكم المصرية الجاهلية الكافرة التى تحكم بغير ما أنزل الله على البراءة! وهناك فى بلاد بيننا وبينها آلاف الأميال أفتى بالتفجير والقتل، فكانت عاقبته أن عاش عمرا طويلا فى السجن بعيدا عن أهله، ثم مات وهو فى زنزانته، ولكن الإنسان هو الذى يكتب مسيرته، وهو الذى يحدد مساره، هو الذى يختار طريقه، وقد اختار الشيخ عمر طريق الدماء، وكان أستاذ جماعات الإرهاب فى عصرنا، حتى الذين تابوا من الفكر الإرهابى أخذوا يبكون على أستاذهم القديم، إمام الشر! عمر عبد الرحمن.