الجمعة 26 يوليو 2024

4 أسئلة تكشف رأي التاريخ في "سينما عبدالناصر"

22-2-2017 | 23:07

 

هناك افلام تم إنتاجها بعد ثورة 23 يوليو، ولم يتم منعها من العرض، وأخرى تم إنتاجها قبلها، ومنعت، فما الذي يمكن أن يقوله التاريخ عن السينما في عهد جمال عبد الناصر؟
سعد الدين توفيق يجيب في مقال نشر بتاريخ 23 أكتوبر 1970 بالمصور حيث بدأ الكاتب بطرح مجموعة من الاسئلة و قام بالاجابة عليها 

 

ـ ماذا سيقول التاريخ عن سينما الثورة وعن عصر جمال؟

ـ هل سيقول إنها شهدت تغييرات مماثلة لتلك التي حدثت في المجتمع المصري نفسه؟

ـ هل سيقول إنها عبرت بصدق عن مبادئ الثورة واتجاهاتها؟

ـ هل سيقول إن الفيلم المصري، كان يعكس صورة حقيقية للحياة، في تلك الفترة؟ أي يمكن أن يُعتبر في يوم من الأيام وثيقة حية، تعرف منها الأجيال القادمة، كيف كانت مصر في عصر جمال والثورة؟

لكى نستطيع أن نعرف الإجابة؛ لابد أن نضع أمامنا جنبا إلى جنب صورتين:

صورة السينما قبل 1952، وصورة السينما في 1970، متقاربتين، متجاورتين، حتى يظهر الفرق بينهما واضحا.

إليك أولا الصورة رقم واحد: في أواخر 1951 أنتج المرحوم أحمد بدرخان فيلم: "مصطفى كامل"، على حسابه، بعد ان رفض كل منتجي السينما، أن يغامروا بقرش واحد، في مشروع محكوم عليه، في نظرهم، بالفشل، لكن هذا الرفض الجماعي، لم يصرف بدرخان عن المضي في تحقيق حلمه، فقد أحس بالغليان الذي كان يدور في ذهن الشعب، وأحس هذا الفنان بالصورة، وعبر عنها، ووضع كل قرش يملكه، وكل قرش يستطيع أن يقترضه في هذا الفيلم.

فما حدث بعد ذلك، وقد رفضت الحكومة المصرية، وقتذاك، عرض هذا الفيلم، وبذل بدرخان كل جهد ممكن؛ للسماح بالعرض، بعد حذف كل ما تريد الحكومة حذفه منه، لكن هذه الجهود كلها، ضاعت هباءً؛ لأن الفيلم كان في نظر المسئولين ملتهبا!!

لقد رفضت الحكومة في 1951 أن تسمح بعرض فيلم، يُذكّر الشعب بكلمات مصطفى كامل عن الحرية، والاستعمار، في الوقت الذي كانت الحريه فيه مكبلة، وجنود المستعمر، رابضون في ثكنات قصر النيل بالقاهرة.

وظل الفيلم مركون على الرف، إلى أن جاءت ثورة 1952، فأفرجت عنه، وقدمته للناس، وهكذا حقق الفنان بدرخان حلمه الأول.

وبعد الثورة، حقق حلمه الثاني، عندما أخرج فيلم سيد درويش، فنان الشعب، الذي حرر الموسيقى المصرية من الأغلال، والذي هتف "قوم يا مصري بلدك بتناديك"، والذي غني للشعب "بلادي بلادي فداك دمي"، وهي صفحة ناصعة البياض، لن ينساها التاريخ للفنان الكبير أحمد بدرخان.

ـ أما عن الصورة الثانية، لقد كان أنجح فيلم في الموسم الأخير، وهو فيلم ميرامار، الذي استمر عرضة الأول 12 أسبوعا، وقصة هذا الفيلم مشهورة قرأناها عندما نشرها نجيب محفوظ مسلسلة، في 4 حلقات، أي أن القصة نُشرت بين الناس، على أوسع نطاق ممكن.

مع ذلك فقد كان من أبرز شخصيات القصة إقطاعي قديم متعصب حاقد “طلبة رضوان”، يقول في كل مناسبة رأيه في الثورة، وفي الاشتراكية.

ومن شخصيات القصة، أيضا، عاطل بالوراثة “حسني علام”، لا يخفي هو الآخر مشاعره، نحو الثورة، ونحو الاشتراكية، ويجهر برأيه فيهما كيفما يشاء بالكلمة، والنظرة، والإشارة.

ومن شخصياتها أيضا، شاب من الجيل الجديد، انتهازي وصولي “سرحان البحيري”، وهو  يحتل مركزا كبيرا في التنظيم السياسي، كل هذه الصور، ظهرت علي الشاشه، وتكلمت بكل حرية، وصراحة بل وأيضا، بصفاقة، وبجاحة، ولم يُمنع عرض هذا الفيلم، بل وأيضا أنتجته الدولة! 

إنني لم أختر فيلم ميرامار؛ لأنه الفيلم اليتيم، الذي يعبر عن الصورة الثانية، التي أريد أن أضعها أمامك، إلى جوار الصورة الأولى، فهناك نماذج كثيرة مثل: فيلم "السمان والخريف"، وفيلم "المتمردون"، وفيلم " الرجل الذي فقد ظله"، فهاتان الصورتان "مصطفى كامل"، الذي مُنع عرضه في 1951، و"ميرامار"، الذي عُرض في 1970، ألا تكفي المقارنة بينهما؛ لكي ندرك مدى التطور الذي حدث في السينما، وأن تطور الفيلم المصري، في هذه الفترة، لم يأت عفوا؟!

وأول مظهر من مظاهر الاهتمام بالفن، الذي يؤدي خدمة للمدتمع، كان إنشاء وزارة الثقافة، ثم إنشاء معهد السينما، ثم مؤسسة لدعم السينما، لكي تنتج، وتعرض الفيلم؛ الذي يخدم المجتمع الاشتراكي، صحيح أنه كانت هناك أخطاء فظيعة أحيانا، لكن أليس جمال عبد الناصر، هو الذي قال إن من لا يعمل لا يخطئ، ولكن إلى جانب هذه الأخطاء، كانت هناك إنجازات رائعة حقا، في ميدان السينما، فقد حدث تطور فني، وتطور فكري.

تقدم الفيلم المصري كثيرا من ناحية التكنيك، في السيناريو والتصوير، والإخراج والموسيقى التصويرية، وإذا كان التاريخ قد سجل للسينما المصرية قبل 1952، أنها انتجت فيلما واحدا جيدا في شكله، ومضمونة هو فيلم العزيمة، فإنه سيسجل للسينما في عصر جمال، أكثر من مائة فيلم جيد، بل وممتاز أحيانا، وخذ مثلا وبلا ترتيب:  فجر يوم جديد، الناصر صلاح الدين، الحرام، الجزاء، ثورة اليمن، سيد درويش، نادية، حكاية من بلادنا، جفت الأمطار ، شيء من الخوف، القضية 68، ميرامار، شياطين النيل.

ألا يكفي أن يقول التاريخ هذا، عن السينما في عصر جمال؟!