السبت 4 مايو 2024

مجلس النواب المصري.. قصة تستحق أن تروى للأجيال الجديدة

ناجى الشهابى

برلمان10-1-2024 | 13:05

ناجى الشهابى

ألغى دستور 1923 الجمعية التشريعية وأحل محلها "مجلس النواب" و"مجلس الشيوخ"، ويعتبر هذا البرلمان أول برلمان له سلطات حقيقية فيما يتعلق بإدارة الدولة
ما زالت الحياة النيابية المصرية تكتب فصولها الغنية بالأحداث التى تستحق أن تقرأ بعناية وأن تروى للأجيال الجديدة

 

 نحتفل هذه الأيام بمرور مائة عام على انتخاب مجلس النواب وانعقاد جلساته والذى كان نتاجا مباشرا لدستور 23 "الذى يعد أحد أهم الدساتير المصرية" وهو الابن الشرعى العظيم لثورة الشعب المصرى الكبرى على الاحتلال الانجليزى عام 1919 بعد خروج بلاده منتصرة فى الحرب العالمية الأولى وعرفت بأنها المملكة التى لا تغرب عنها الشمس وبالرغم من ذلك ثار عليها الشعب المصرى مطالبا بالاستقلال وتحقق نتيجة لها دستور 23 والذى أسس فى مواده لإنشاء نظام برلمانى حقيقي قائم على نظام البرلمان ذات الغرفتين .. الغرفة الأولى مجلس النواب والغرفة الثانية مجلس الشيوخ منهيا ذلك تاريخا طويلا من المجالس التى يطلق عليها مجازا نيابية وكان آخرها الجمعية التشريعية التى صدر بها مرسوم من الخديو عباس حلمي الثاني والي مصر في عام 1913م بديلاً عن مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، ولكنها لم تكن تختلف كثيراً عنهما، وكانت تتكون من مجلس النظار (أي مجلس الوزراء) و(66) عضواً منتخباً و(17) عضواً معيناً. وقد عقدت الجمعية التشريعية دورتها الأولى في شهر يناير عام 1914م، ولكن نشوب الحرب العالمية الأولى كان سبباً في تأجيل اجتماعاتها إلى أجل غير مسمى .. وأهمية الجمعية التشريعية ترجع إلى أنها حسمت من هو رئيس الوفد المصرى الذى سيذهب إلى فرنسا ليعرض على مؤتمر الصلح الذى دعا لانعقاده  الرئيس الأمريكى ولسن فى باريس  القضية المصرية واستقلالها عن المملكة المتحدة "بريطانيا" وهى قصة تستحق أن تروى .. فقد حدث أن أتفق أعيان مصر الذين انشأوا الجامعة الأهلية على تشكيل وفد برئاسة الأمير عمر طوسون وكيل الجمعية التشريعية المعين لرئاسة الوفد ومن بين أعضاء الوفد سعد زغلول باشا وعندما ذهب وفد الأعيان إلى الإسكندرية لمقابلة الأمير عمر طوسون لعرض عليه رئاسة الوفد المصرى ليرد عليهم بعنجهية أنه شكل الوفد فعلا وهم مش أعضاء فيه وهنا ثار سعد زغلول باشا ورفض كلام الأمير طوسون معلنا أنه الأحق برئاسة الوفد لكونه وكيل الجمعية التشريعية المنتخب فى حين أن الأمير عمر طوسون هو الوكيل المعين وذهب الوفد برئاسة سعد باشا ليقابل المعتمد البريطانى الذى رد عليهم من الذى فوضكم بالسفر وعرض القضية المصرية على مؤتمر الصلح بباريس وهنا ظهرت الثقافة القانونية لسعد باشا ليقرر جمع توكيلات من الشعب المصرى للوفد برئاسته لتمثيل مصر فى مؤتمر الصلح بباريس والذى قابلها المعتمد البريطانى بنفى سعد زغلول ورفاقه لتندلع ثورة 1919 الشعبية الخالدة والعظيمة والتى تمخضت عنها دستور 1923م الشهير، والذى ألغى الجمعية التشريعية وأحل محلها مجلسين، هما «مجلس النواب» و«مجلس الشيوخ»، ويعتبر هذا البرلمان أول برلمان له سلطات حقيقية فيما يتعلق بإدارة الدولة، وكانت عضوية مجلس النواب بالكامل بالانتخاب، أما مجلس الشيوخ فينتخب ثلاثة أخماس أعضائه ويعين الملك الباقى "خمسين"، وتم الاحتفاظ بنظام المندوبين في التصويت، ولكن خفضت النسبة إلى مندوب لكل ثلاثين ناخباً لمجلس النواب، ومندوب عن كل خمسة مندوبين لانتخاب مجلس الشيوخ، مما رفع عدد الذين لهم حق التصويت.

كما شهدت  هذه الانتخابات ميلاد مشاركة الأحزاب السياسية بمرشحين باسمها فى الانتخابات البرلمانية لأول مرة، وقد فاز حزب الوفد برئاسة سعد زغلول باشا بالأغلبية وطبقا لدستور 23، شكل حزب الوفد الحكومة برئاسة سعد باشا، والتى استمرت لعشرة شهور من 28 يناير 1924م إلى 24 نوفمبر 1924م، وقدمت استقالتها بعد حادثة قتل السير “لى ستاك” قائد الجيش المصرى فى نوفمبر 1924م، وقام الملك فؤاد المتربص بسعد زغلول باشا لأسباب شخصية  بحل البرلمان بعد استقالة الحكومة فى يوم 24 ديسمبر عام 1924.

وقد تتابعت على مصر فى الفترة من عام 1923 وحتى عام 1952م عشرة مجالس نيابية، والتي لم يكمل أى مجلس منهم  مدته القانونية إلا مجلس واحد فقط. ومنهم مجلس مدته 8 ساعات فقط وهو الذى يطلق لقب أقصر برلمان فى مصر والعالم وهو البرلمان الثاني، الذى عقد أولى جلساته وآخرها فى يوم 23 مارس 1925م، وتم انتخب الزعيم سعد زغلول رئيسا للمجلس، فأصدر الملك فؤاد الأول قرارا بحله فى نفس يوم انعقاده، لتصبح مدة انعقاده (8) ساعات فقط، ليسجل فى تاريخ برلمانات العالم كأقصر برلمان منتخب ..

 وتستمر الحياة النيابية المصرية بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ليتم إنشاء البرلمان ذات الغرفة الواحدة فى 22 يوليو عام 1957 باسم مجلس الأمة يتكون من 350 عضواً منتخباً ، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادى الأول فى 10 فبراير سنة 1958.

ويصدر دستور مؤقت بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى مارس سنة 1958 ، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين ( 400 عضو من مصر ـ 200 عضو من سوريا) وعقد أول اجتماع فى 21 من يوليو 1960 واستمر حتى 22 يونيه عام 1961، ثم وقع الانفصال بين مصر وسوريا فى 28 سبتمبر 1961.

وفى مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر فى مصر، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضواً منتخباً ، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.

واستمر هذا المجلس من 26 مارس1964 إلى 12 نوفمبر سنة 1968، واجريت انتخابات البرلمان الجديد فى 20 من يناير 1969 والذى ظل قائما بدوره حتى 30 من أغسطس 1971، حيث مارس مجلس الأمة طوال هذه الدورات سلطاته التشريعية والرقابية .

ثم صدر دستور جديد للبلاد بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وانتخاب الرئيس السادات رئيسا للجمهورية فى 11 من سبتمبر 1971 وهو الذى عرف بدستور 71 الدائم حتى إلغائه بصدور الإعلان الدستورى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 13/2/2011 عقب أحداث 25 يناير 2011 ، وتتضمن قرارا بتعطيل العمل بأحكام دستور 71 وفى عام 1976 أجريت الانتخابات البرلمانية على أساس تعدد المنابر داخل الاتحاد الاشتراكى العربى، الذى كان  التنظيم السياسى الوحيد فى الدولة المصرية وقتها

ويهمنى أن أذكر هنا أنه فى عام 1979 أجريت أول انتخابات برلمانية فى مصر على أساس حزبى، وذلك لأول مرة منذ إلغاء الأحزاب السياسية فى مصر عقب ثورة يوليو 1952، شاركت فيها عدة أحزاب سياسية تكونت بعد صدور قانون الأحزاب السياسية فى عام 1977م.

 الا  أن التطوير ظل سمة من سمات الحياة النيابية المصرية ليأتى عام 1980 إيذانا بعودة نظام الغرفتين مرة أخرى من خلال مجلس الشعب والشورى بموجب استقاء شعبي عام ليستمر العمل بنظام الغرفتين حتى صدور دستور 2014 والذى استفتى علية الشعب فى 18 يناير 2014 والذى أعاد نظام الغرفة الواحدة ليصبح البرلمان  المصري تحت مسمى مجلس النواب عام 2016 ويتميز المجلس الحالي طبقا للدستور بأنه يضم لأول مرة (90) سيدة بنسبة (15%) من أجمالي أعضائه بالإضافة إلى تمثيل ذوى الإعاقة بـ (9) أعضاء والمصريون فى الخارج بـ (8) أعضاء فضلا عن نسبة الشباب تحت 25 عاما والتى تصل إلى ربع أعضاء البرلمان ليصبح برلمان 2016 بهذا التشكيل الفريد علامة فارقة في تاريخ الحياة النيابية المصرية.

 ويعود إلى مصر مرة أخرى البرلمان ذات الغرفتين باعتماد  الرئيس عبد الفتاح السيسي في 02-07-2020 قانون تنظيم مجلس الشيوخ الجديد رقم 141 لسنة 2020، والذي جاء إعمالاً للتعديلات الدستورية المستحدثة مؤخراً على أحكام دستور 2014 في 2019. واستحدث المُشرع الدستورى بموجبها بابا جديدا مكونا من 7 مواد (المواد من 248 إلى 254) تضع القواعد الدستورية لعودة مجلس الشيوخ مرة أخرى إلى الحياة النيابية المصرية. ومازالت الحياة النيابية المصرية تكتب فصولها الغنية بالأحداث التى تستحق أن تقرأ بعناية وأن تروى للأجيال الجديدة ونحن نحتفل بالعيد المئوى للبرلمان المصرى ..

Dr.Randa
Dr.Radwa