الأحد 5 مايو 2024

إنشاء مجلس شورى النواب 1866


أ.د. نبيل السيد الطوخي

مقالات11-1-2024 | 14:18

أ.د. نبيل السيد الطوخي
  • ​فكرة إنشاء مجلس شورى النواب فكرة سديدة صائبة، كانت بمثابة بداية لتجربة المجالس النيابية في مصر، مما جعل مصر وبحق رائدة في حقل الحياة النيابية
  • مع ظهور الحركة الوطنية نتيجة انتشار التعلم وظهور الصحافة بدأت روح المعارضة تظهر في النواب، والجرأة على الحكومة، والرغبة في مراقبة تصرفاتها

حكم محمد علي (1805 - 1848) حكما مطلقًا ساد فيه قاعدة حكم الفرد، ومع ذلك كان يميل إلى مشاورة مستشاريه في أمور الدولة قبل إبرامها، ومن هنا جاءته فكرة تأسيس بعض المجالس أو الدواوين في مختلف الشؤون، فألف مجلس المشورة في عام 1829، واعتبره البعض أول هيئة شبه نيابية ظهرت في عهد أسرة محمد علي، غير أنه لم يدم طويلًا، ولم يقدر له أن يتطور ليكون ذا اختصاصات محددة أو أن تكون قراراته ملزمة.

واستمر خلفاء محمد علي (إبراهيم، عباس، سعيد) في سياسة الحكم الفردي، ولم تتخذ في عهودهم خطوات ملموسة لإشراك الشعب في عملية اتخاذ القرار السياسي أو إجراء إصلاحات نيابية حقيقية، وعندما تولى إسماعيل الحكم (1863 ـ 1879) فكر في إنشاء مجلس شوري على نظام جديد دعاه (مجلس شورى النواب) وأنشئ هذا المجلس في 22 أكتوبر 1866 والذي تحدد نظامه بموجب لائحتين: اللائحة الأساسية وهي مؤلفة من ثماني عشرة مادة مشتملة على بيان سلطته، وطريقة انتخابه، وموعد اجتماعه، واللائحة النظامية وعدد موادها 61 مادة وهي تحدد نظام عمل المجلس.

ويرى البعض أن هدف إسماعيل من وراء إنشاء هذا المجلس كان هو تحقيق المزيد من السيطرة على كبار الأعيان الذي تكون منهم المجلس وكسب تأييدهم السياسي ودعمهم المالي له، وتحسين صورة عهده أمام المحافل الأوروبية والبنوك التي كان يعترض منها.

وتألف المجلس من 75 عضوا ينتخبون  لمدة ثلاث سنوات، ويتولى انتخابهم عمد البلاد ومشايخها في المديريات، وجماعة الأعيان في القاهرة والإسكندرية ودمياط، وكان عدد نواب كل مديرية بحسب التعداد فينتخب واحد أو اثنان عن كل قسم من أقسام المديرية بحسب كبر القسم وصغره، وينتخب ثلاثة نواب  من القاهرة، واثنان عن الإسكندرية،   وواحد عن دمياط.

 أما اختصاص المجلس فيتحدد تبعا للبند الأول من اللائحة الأساسية في "المداولة في المنافع الداخلية والتصورات التي ترى الحكومة أنها من خصائص المجلس" بمعنى أن المجلس لا يناقش سوى المسائل التي تعرضها الحكومة عليه. كذلك فإن سلطة المجلس استشارية وليست قطعية بالنسبة للأمور التي تعرض عليه، ومن ثم فإن ما يصدر عنه هو بمثابة توصيات ليست ملزمة للخديوي وإنما ترفع له وهو يمتلك سلطة إصدار القرار، وكان للخديوي الحق في تعيين رئيس المجلس ووكيله، ويفتتح الخديوي المجلس بخطاب العرش، وعلى المجلس أن يرد على خطاب العرش في مدة يومين ويبعث بالرد إلى الخديوي.

وكان لأعضاء المجلس حصانة أثناء فترة الانعقاد إلا إذا ارتكب أحدهم جريمة القتل (مادة 53 من اللائحة النظامية) ولا يصح انعقاد المجلس إلا بحضور ثلثي أعضائه على الأقل (مادة 11 من اللائحة الأساسية) وفرض على الأعضاء الالتزام بالزي اللائق وأيضا التصرفات اللائقة احترامًا للمكان (مادة 40 من اللائحة النظامية) ويجتمع المجلس شهرين في كل سنة من منتصف ديسمبر إلى منتصف فبراير ويكون اجتماعه بالقاهرة وجلساته سرية وللخديوي الحق في دعوة المجلس للانعقاد، وفي تأجيل اجتماعه وفض دورته  وحله وإجراء انتخابات جديدة (مادة16، 17 من اللائحة الأساسية).

ولم يكن للمجلس أي رأي نافذ فيما يعرض عليه من الأمور، ولم يكن الخديوي يعرض عليه إلا المسائل الإدارية العملية، مثل مسائل الري وتطهير الترع وربط الضرائب، ولا شك في أن مجلسا هذا شأنه لم يكن ليؤثر في مجريات الأمور، أو يلعب دورا في توجيه سياسة الحكومة، وبالتالي لم يكن وجود ذلك المجلس ليحول دون تخبط سياسة إسماعيل أو ليضع حدا للقروض المالية الضخمة التي تلاحقت في عصره وأفضت إلى التدخل الأجنبي في شئون البلاد.

ويرى البعض أن إنشاء مجلس شورى  النواب لم يكبح ميل إسماعيل الغريزي نحو الانفراد بالحكم والاستئثار بالأمر والنهي، فلم يكن المجلس في نظر إسماعيل أكثر من هيئة استشارية وليست تشريعية كما كان ينبغي، ويبدو أن إسماعيل أراد من وراء إنشائه أن يكون مجرد واجهة تضفي على الحكم رونقًا وبهاء للأسباب الآتية:

  1. إن المجلس لم يتكون بناء على حركة مطالبة جماهيرية بل كان منحة من الحاكم.
  2. حصر حق التشريع للمجلس في شرائح اجتماعية معينة فجاء معظم أعضاء المجلس من العمد والمشايخ والأعيان عامة، وقليل من أصحاب المصالح التجارية والصناعية.
  3.  لم يكن للمتعلمين من غير الأعيان نصيب في عضوية المجلس.

ومن ناحية أخرى لم يكن في البلاد قوانين تحمي حرية الآراء وتكفلها، كل هذه الظروف كان لها أثرها في تضييق حياة المجلس وتحديد مواقفه وخططه وأعماله.

 ومع ظهور الحركة الوطنية نتيجة انتشار التعلم وظهور الصحافة ونشرها لأخبار البلاد المختلفة وإظهارها ما وصلت إليه البلاد من سوء بسبب التدخل الأجنبي وخضوع الحكومة لمطالب الدول واستكانتها للوصاية المفروضة على ميزانيتها، بدأت روح المعارضة تظهر في النواب، والجرأة على الحكومة، والرغبة في مراقبة تصرفاتها.

وبعد أن كان عملهم مقصورا على شكر الخديو والتسبيح بحمده، وبدأ المجلس فعلا يحاسب الحكومة ويطالبها باطلاعه على الميزانية وتقرير حقه في مناقشة الإيرادات والمصروفات، كما طالب النواب باستبعاد العناصر الأجنبية في الوزارة، وجعلها مسئولة أمام المجلس، ولكن هذا التطور سرعان ما توقف نتيجة للتدخل الأجنبي، وإصدار السلطان العثماني فرمانا بخلع الخديو إسماعيل وتنصيب الأمير توفيق بدلا منه في 26 يونيو 1879، وقام الخديو الجديد بفض مجلس شورى النواب وعطل الحياة النيابية ما يزيد على عامين من 6 يوليو 1879 إلى 26 ديسمبر 1881.

لقد اتسم الخديوي توفيق بعدم إيمانه بالنظام الدستوري، وتميز عهده بالتخبط والتردد مما فتح الباب أمام زيادة النفوذ الأجنبي الذي أفضى إلى الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882.

وفي النهاية يمكن القول إن فكرة إنشاء هذا المجلس في ذاتها فكرة سديدة صائبة، وجاءت هذه الخطوة بمثابة بداية لتجربة المجالس النيابية في مصر، مما جعل مصر وبحق رائدة في حقل الحياة النيابية بالنسبة للمنطقة التي نعيش فيها.