الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

رحلة البرلمان المصرى


  • 16-1-2024 | 23:33

علاء الدين حمدى شوالى

طباعة
  • علاء الدين حمدى شوالى

أحد مفاهيم فكرة التمثيل النيابى أنها حكم الشعب لنفسه كصاحب السيادة لكن عن طريق نواب عنه ينتخبهم لمدة معينة، مهمتهم الرقابة والتشريع وسن القوانين المنظمة للدولة باسمه، ويمكن تناول الفكرة على ثلاثة محاور رئيسية: الدستور ـ البرلمان أو المجلس النيابى ـ الأحزاب السياسية.

ورغم أنه ليس من السهل على باحث أو كاتب أن يتعرض إلى تطور الحياة النيابية المصرية في عدة مجلدات، ناهيك عن مقال متواضع تحكمه الضوابط المساحية، إلا أن ذلك لا يمنعنا عن تناول الخطوط العريضة لأبرز ملامح قصة الكفاح الوطنى لإرساء نظام حكم يعبر عن إرادة الشعب.

تبدأ الرحلة سنة 1795، قبل 3 سنوات من الحملة الفرنسية كما يروى لنا الجبرتى، حين ثار الشعب على مظالم الحكام المماليك، فحملت ثورته جوهر فكرة الدستور وحُكم الشعب لنفسه من خلال ممثليه، ووضعت الإرهاصات الأولى لمبدأ التزام الحاكم أمام المحكومين، فأنتجت وثيقة لأصول الحكم "ماجنا كارتا مصرية" جرى تدوينها رسميًا لدى القضاء، صيغت بين الأمراء الحكام ومشايخ الأزهر الشريف كممثلين عن الشعب وكرقباء على التزام الحكام بما جاء فى الوثيقة، وتعهد الحكام بعدم فرض أى ضرائب جديدة إلا بعد موافقة ممثلى الشعب.

ومع دخول الحملة الفرنسية، ومحاولاتها استمالة المصريين بمبادئ الحرية وحكم الشعب لنفسه، قرر "نابليون" إنشاء جمعية تأسيسية شكلية تتوارى خلفها أطماع الحملة، تشكلت من 180 عضوًا من المشايخ والعلماء والتجار والأعيان، وكلفها بوضع تصوراتها عن إنشاء ديوان عمومى ودواوين للأقاليم، وعن شئون فرض الضرائب والقضاء وإدارة نظام الحكم.

فوجئ "نابليون" أن الجمعية قررت في أول اجتماعاتها 20 أكتوبر1798 أن تكون "برلمانًا" حقيقيًا يمتلك أدواته وقراره الملزِم، وامام رفضه التنازل عن أى درجة من درجات السلطة، تراجع عن فكرته بعد أن أنقذه اندلاع ثورة القاهرة الأولى فى اليوم التالى مباشرة لإجتماع الجمعية، فتعطلت الحياة النيابية مدة شهرين لتعود مرة أخرى فى 21 ديسمبر 1798 لكن بقيود جديدة تجعل منها صورة حضارية للحملة ليس أكثر.

فشلت الحملة الفرنسية وغادرت جيوشها مصر 2 سبتمبر 1801، لتعيش البلاد مرحلة من الفوضى، ما بين صراع بريطانيا وفرنسا عليها من جهة، وصراع قادة العسكر العثمانيين فيما بينهم وظلم المماليك للشعب من جهة أخرى، إلى جانب حركة المقاومة، فهبَّ المصريون من جديد في 1805 بثورة ضد السلطة العثمانية وجيشها تحت شعار "يا رب يا متجلى اهلك العثملّي"،  تزعمها "السيد عمر مكرم" نقيب الأشراف و"الشيخ عبد الله الشرقاوى" شيخ الأزهر، وحاصر الثوار القلعة بقيادة "حجاج الخضرى"، ونجح الشعب في عزل الوالى العثمانى "خورشيد باشا"، ونصَّب مكانه "محمد على" والياً على مصر باسم الشعب وشروطه، وعلى مبدأ أن "الأمة هى مصدر السلطات" وتحرر بذلك وثيقة جاء فيها، حسب "الجبرتى": (تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة على سيره بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم وألَّا يفعل أمراً إلا بمشورة العلماء وأنه متى خالف الشروط عزلوه). 

الغريب في القصة، أن الزعامات المصرية التي حسمت الثورة شعبيًا وعسكريًا، كانت حسنة النية جدًا، او غرَّتها انتصاراتها المتتالية منذ 1795، وتصورت أن شيئا من ذلك ممكن ان يتكرر مستقبلًا بعد استقرار أدوات الحكم وسطوته وترتيب قواه ـ على غرار التهديد بفكرة "الميدان موجود" الحديثة ـ وصدقت أن "محمد على" سيبقى بعد توليه الحكم هو نفسه "محمد على" العادل المتقرب إلى المشايخ المنحاز إلى الشعب المحترم لزعاماته الوطنية، فاختارته وهو القائد العسكرى الألبانى بدلًا أن تختار مصريًا لحكم مصر، وكأنهم تشبعوا، حسب رأيى الشخصى، بموروثين تاريخيين: 

الأول، أن مصر، منذ ما قبل التاريخ، والى اليوم، لم يحكمها إلا حاكم عسكرى أو ذو خلفية او ثقافة عسكرية، مصريًا كان أم أجنبيًا.

الثانى، سيطرة القومية الدينية منذ الفتح العربى الإسلامي على موروث القومية المصرية، فباتت مصر لا يحكمها إلا أجنبى لم يسمح أبدًا للمصريين حتى بمشاركة متميزة في دولاب الحكم!

أما محمد على فقد تمَسَّكَن حتى تمَكَّن، فلم يلتزم بشروط المبايعة، وتخلًّص من الذين مكنوه من الحكم، فنفى "عمر مكرم" إلى دمياط، وأهان "الشيخ الشرقاوى" وحدد إقامته، وشنق "حجاج الخضرى" على باب حارته، وكأنهم نالوا جميعًا جزاء حسن نيتهم، وتسببهم في ضياع حلم حكم مصر بيد المصريين لأول مرة ربما منذ سنة 336 قبل الميلاد!

تاريخ الهيئات البرلمانية المصرية

ورغم انفراد محمد على بالحكم بصورة دموية إلى حدِّ ما، إلا أنه قرر إقامة دولة قوية لها جيش ومؤسسات حكم ومجلس نيابى، وعلماء أيضًا، لمحاكاة التطورات السياسية والحضارية فى أوروبا، لكن مع الحفاظ على سلطاته وهيمنته، فأنشأ الآتى:

عام 1824 "المجلس العالى"، أول مجلس نيابى منتخب تمثل فيه فئات الشعب. 

1825 اللائحة الأساسية "للمجلس العالى" وحددت اختصاصاته في مناقشة ما يراه أو يقترحه "محمد على" من شئون السياسة الداخلية.

1829 "مجلس المشورة" وتألف من 156 عضوًا من كبار موظفى الحكومة والعلماء والأعيان.

1833 "قانون ترتيب المجلس العالى" وتألف من نظار الدواوين ورؤساء المصالح واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر واثنين من التجار يختارهما كبير التجار واثنين من ذوى المعرفة بالحسابات واثنين من الأعيان عن كل مديرية ينتخبهما الأهالى.

1837 "قانون السياستنامة"، أول نص شبه دستوري تأسست بمقتضاه دواوين جديدة، ووضع نظم عملها واختصاصها.

يناير 1847 تأليف ثلاثة مجالس جديدة، "المجلس الخصوصى" للنظر فى شؤون الحكومة الكبرى وسن اللوائح والقوانين، و"المجلس العمومى" أو الجمعية العمومية وديوان المالية، "مجلس عمومى" آخر فى الإسكندرية

بعدها، نشرت "الوقائع المصرية" نبأً مطولًا عن دعوة محمد على أعضاء المجالس إلى تناول العشاء على مائدته وألقى فيهم حديثًا طويلًا عن بلوغه الثمانين فلم تعد له أطماع إلا مصلحة الوطن وإسعاد المواطنين، فقال: (إذا كنت آمرًا أحدكم شفاهًا أو تحريرًا بقولى له إَجر المادة الفلانية بهذه الصورة، وحصل منه اعتراض علىِّ وذكرنى وأفادنى شفاهًا أو تحريرًا بأن المادة المذكورة مضرة فهذا يكون منه عين ممنونيتى الزائدة، وأنا مرخص لكم فى ذلك الرخصة التامة المرة بعد المرة ..... ولا تخافوا فى سبيل تحرى المصلحة العامة من أحد حتى ولو كان أولادى، ولتعلموا أنكم إذا لم تحولوا عن خصالكم القديمة من الآن وصاعدًا، ولم ترغبوا عن طرق المداراة والمماشاة، ولم تقولوا الحق فى كل شىء، ولم تجتهدوا فى طريق الاستواء، ولم تسلكوا سبيل الصواب لصيانة ذات المصلحة، فلابد لى من أن أغتاظ منكم جميعا، ولما كنت موقنًا بتقدم هذا الوطن العزيز على أى صورة كانت وملتزمًا فريضته علىَّ صرت مجبورًا على قهر كل من لم يسلك هذا الطريق المستقيم اضطرارًا مع حرقة كبدى وسيل الدموع من عينى).

ثم تعاقبت الأسرة العلوية على الحكم، واستمر اهتمامها بفكرة التمثيل النيابى:

1866 "لائحة مجلس شورى النواب" ـ عهد الخديو إسماعيل، المؤسس الثانى لمصر الحديثة ـ كأول نص لمجلس نيابى تمثل فيه بعض طوائف الشعب جغرافيًا، مع قبول الخديوى لسماع آراء النواب فيما تحدده حكومته لكن دون التزام بالأخذ بتلك الآراء، ورافق ذلك ظهور نظام مجلس الوزراء الذى سمى آنذاك مجلس النظار وقام نوبار باشا بتأليف أول وزارة فى مصر.

"دستور1879" وبمقتضاه أصبح التشريع من حق مجلس النواب، وقضى عليه إطاحة بريطانيا بالخديو إسماعيل. 

" مجلس النواب المصري ودستور1882" عهد الخديو توفيق، وجاء نتاجًا للثورة العرابية ومطالبتها بانشاء "مجلس النواب"، وتحمس توفيق للفكرة كوسيلة تضفى على مصر حكمًا ذاتيًا بعيدًا عن الباب العالى، وبالفعل تم إجراء الانتخابات وافتتاح مجلس النواب المصرى وجعل الدستور الحكم قائمًا على رقابة مجلس النواب لعمل الحكومة، لكن لم يتم العمل به نتيجة الاحتلال البريطانى.

1883 "مجلس شورى القوانين" هيئة تشريعية من ثلاثين عضوًا، يقوم الخديو بتعيين أربعة عشر منهم بصفة دائمة، ونصت على أن يتألف البرلمان المصري من مجلسين: مجلس شورى القوانين والجمعية العامة
عام 1913 القانون النظامي بإنشاء "الجمعية التشريعية" من 83 عضوا: 66 عضوًا منتخبا و17 عضوًا بالتعيين، وحلت محل "الجمعية العامة ومجلس شورى القوانين"، وانحصرت مهمتها فى تقديم المشورة للحكومة، وان كانت تعد النواة الأولى لدستور نيابى حديث، وخرج منها زعماء ثورة 1919.

الحالة الحزبية المصرية قبل 1919

مصر هى أول دول الشرق معرفة بالنظام الحزبى بمعناه المفهوم، حيث ظهرت بشائره مع مجلس شورى النواب عام 1866 بظهور مجموعات أو جمعيات تنوعت اتجاهاتها إلا أنها افتقدت الهيكل التنظيمى المتكامل للحزب، فكانت إما ذات أهداف خاصة، كالجمعيات الماسونية، التى ضللت بشعاراتها الكثيرين، وإما كهياكل سرية لجماعات ضغط تهدف إلى تحقيق الإصلاح بدأت بجمعية "مصر الفتاة"، فى طبعتها الأولى، 1875 تقريبا، لتكون أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر فى تاريخها الحديث، وتأسست فى الإسكندرية، واقتبست اسمها من تنظيم وطنى لعب دورًا بارزًا فى تحقيق الوحدة الإيطالية كان يسمى "إيطاليا الفتاة"، وكان لها جريدة تحمل نفس الاسم، وانضم إليها "عبدالله النديم"، وكانت ذات أيدولوجية اشتراكية تدعو لإقامة نظام سياسى جديد يقوم على توزيع السلطات وتوازنها، واستقلال القضاء، وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، وصيانة الحريات الشخصية وحرية الاعتقاد والتعبير، وتطوير التعليم العام والاهتمام به، وإعادة تنظيم الجيش، والإصلاح الضريبى والاقتصادى للتخلص من أزمة الدين العام، وتحسين أوضاع الفلاحين والطبقات الشعبية، ولم تستمر الجمعية طويلا، حيث انتقل أعضاؤها تدريجيا إلى الحزب الوطنى، فى طبعته الأولى

ثم تشكلت جمعية سرية لضباط الجيش أسسها على الروبي عام 1876 وانضم إليها أحمد عرابي، ثم جمعية حلوان في أبريل 1879 وكان أعضاؤها من كبار ملاك الأراضي ، ثم اتصلت الجمعيتان فأسفرا عن قيام الحزب الوطني، فى طبعته الأولى، أيضا كجمعية سرية، والذى عرف أحيانا باسم الحزب الوطنى الأهلى أو حزب الفلاحين وصدر بيانه الأول فى عام 1879 برئاسة محمد سلطان باشا وكانت اجتماعاته تتم فى منزل السيد البكرى نقيب الأشراف، وكان عبارة عن مجموعة من الوجهاء والأعيان المعارضين لسيطرة الخديو وللتدخل الأجنبى، منهم سليمان أباظة باشا وحسن الشريعى باشا وإسماعيل راغب باشا وعمر لطفى باشا، ومن العسكريين شاهين باشا كينج ناظر الحربية السابق وقتها ومحمود سامى البارودى وأحمد عرابى وعبدالعال حلمى وعلى فهمى وآخرون، وكان أحمد عرابى هو الواجهة العسكرية لهذا الحزب، ومحمد حليم باشا هو واجهته السياسية، ووقع على برنامجه رجال الأديان الإسلامى والمسيحى واليهودى، وهو الحزب الذى، رغم سريته، قاد الثورة العرابية 1882 التى انتهت بالفشل وهزيمة عرابى ونفيه وتفرق الحزب ورجاله. 

ثم مع تولي الخديوي عباس حلمي حكم مصر وتأييده للعناصر الوطنية، ظهر العديد من الأحزاب الى النور، اختلفت توجهاتها بين القومية المصرية وبين التشيع للاحتلال أو للسراى أو للدولة العثمانية، كان أهمها:
حزب الأمة، واسسه محمود سليمان باشا، من أعيان أسيوط فى سبتمبر 1907، والد محمد محمود باشا أحد رفقاء سعد زغلول فيما بعد، وكان رغم اسمه، حزبا طبقيا تأسس بإيحاء من قصر الدوبارة، كما يرى بعض المؤرخين، ليضم أصحاب المصالح وأبنائهم المثقفين، وكان دعوته تتمحور حول إحياء القومية المصرية وإن مصر للمصريين وإنه لا مانع من الإصلاح ولو تحت الاحتلال.

الحزب " الوطنى " مرة أخرى لكن فى طبعته الثانية، تحت اسم "الحزب الوطنى المصرى" وأسسه مصطفى كامل، اكتوبر 1907، وأعلن عنه فى الاسكندرية أيضاً، وكانت آخر خطبة جماهيريه لمصطفى كامل، حيث توفى بعدها بـ 4 أشهر، وكان يضم فى أعضائه مصطفى النحاس وحافظ عفيفى وكان مؤيدا لبقاء ارتباط مصر بدولة الخلافة العثمانية. 

حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية وأسسه الشيخ على يوسف فى 9 ديسمبر 1907 وكان مؤيداً للخديو وأنشأ جريدة المؤيد، إلا أنه لم يحظ بتأييد جماهيري وانتهى عمليا بوفاة مؤسسه عام 1911.

الحزب الوطنى الحر وأسسه محمد بك وحيد ومحمد بك نشأت، وكان مدافعاً عن سياسة الاحتلال لهذا لم يكن له شعبية وكان يصدر جريدة المقطم الموالية للاحتلال. 

الحزب الدستورى وأسسه إدريس بك الراغب وكان مؤيداً للاحتلال وللخديو بحجة أنهما السلطتان الشرعيتان.

حزب النبلاء وأسسه حسن حلمى زاده، وكان يطلق عليه حزب الأعيان وكان مدافعاًعن الدولة العثمانية وسلطة الخديو.

الحزب الجمهورى أسسه محمد غانم وكان يدعو للنظام الجمهورى 

الحزب المصرى وأسسه لويس أخنوخ الإنجيلي المذهب وكان حزبا طائفيا مسيحيا مؤَيدا من الإنجليز.

الحزب الاشتراكى المبارك، حزب اشتراكى متطرف ظهر مع نجاح الثورة البلشفية وحاول نشر أفكاره بين الطبقة العمالية والمثقفين.

حزب العمال وكان يمثل الاشتراكية المتطرفة

"الجمعية التشريعية"، كتشكيل سياسى، والتى كانت بمثابة مدرسة لتدريب الساسة الذين ظهروا مع ثورة 19، 

ظهر نتاج هذا الحراك السياسى ببزوغ حركة وعى وطنى وثقافى كبيرة، دفعت إلى ظهور فكر جديد هدفه المطالبة باستقلال مصر وحريتها ودستورها، فظهرت الحاجة لكيان واحد يضم داخله كل تلك الأطياف التى عجز أى منها منفرداً على احتواء الأمة وتمثيلها، فكانت هيئة الوفد 13 نوفمبر 1918- 12 يناير1924 وكان سعد، حتى خرج الوفد الى النور كحزب سياسى يتداول السلطة يناير 1924.

دستور 1923

(راجع مقالنا "حول دستور 1923" ـ مجلة الهلال عدد أبريل 2023)

اندلعت الثورة المصرية عام 1919 وأسفرت عن إعلان 28 فبراير 1922 الذي اعترف بمصر كدولة مستقلة "مع بعض التحفظات"، وتأكيد بريطانيا عدم ممانعتها فى إنشاء برلمان (يتمتع بحق الإشراف على السياسة والإدارة فى حكومة مسئولة على الطريقة الدستورية)، وعلى الفور، بدأ الترتيب لوضع أول دستور متكامل ليحل محل القانون النظامى 29 لسنة 1913 الخاص بالجمعية التشريعية، وشكلت حكومة ثروت باشا لجنة من ثلاثين عضوًا من المفكرين ورجال القانون والدين والأعيان والشخصيات العامة برئاسة حسين رشدى باشا، مع امتناع هيئة الوفد والحزب الوطن "مصطفى كامل" عن المشاركة، حيث رأى سعد أن الدستور يجب أن تضعه جمعية وطنية تأسيسية تمثل الأمة وليس لجنة تؤلفها الحكومة، حتى أن سعد وصفها بلجنة الأشقياء، الطريف انه لما سألوه عن قبوله خوض الانتخابات وتشكيل الحكومة بناء على دستور لجنة الأشقياء! أجاب ضاحكًا: "كنت بأحمسهم على التجويد"! 

ـ اخذ دستور 1923 بنظام المجلسين وساوى بينهما فى الاختصاصات، مجلس النواب وجميع اعضائه منتخبون لمدة خمس سنوات، مجلس الشيوخ يعين الملك خمسى أعضائه ويُنتَخب الثلاثة الأخماس الباقون، وقد تزايد عدد أعضاء المجلسين من فترة لأخرى، حيث كان الدستور يأخذ بمبدأ تحديد عدد أعضاء المجلسين بنسبة معينة من عدد السكان.

وأجريت الانتخابات البرلمانية يوم 12 يناير 1924، واكتسحها الوفد تمامًا، وتم افتتاح البرلمان في 15 مارس 1924، وشكل سعد زغلول اول وزارة مصرية منتخبة كان برنامجها:

الاستقلال التام بجلاء القوات الإنجليزية عن البلاد.

قيام مصر بمسؤلياتها في حماية قناة السويس.

حرية الحكومة المصرية في وضع سياستها الخارجية.

الحكومة المصرية هي التي تتولي شئون الأقليات والأجانب.

فكان أول صدام بين الوفد الحكومة البريطانية من جهة، وبين الوفد والسراى التى رفضت تقليص سلطات الملك من جهة أخرى.

تتابعت على مصر الفترة من يناير 1923 وحتى يوليو 1952م عدة هيئات نيابية لم يستكمل أى منها مدته التشريعية ربما إلا هيئة واحدة فقط. 

ويطلق لقب أقصر برلمان فى مصر، حتى الآن، على البرلمان الثانى الذى عقد أول جلساته وآخرها يوم 23 مارس 1925، وانتُخِب سعد زغلول رئيسًا للمجلس، فأصدر الملك فؤاد فرمانًا بحلِّ البرلمان فى نفس اليوم للتخلص من سعد، لتصبح مدة انعقاده 9 ساعات فقط.

ولعل للحديث بقية، إن أراد الله تعالى، فدعانا مضيفونا، وكان فى العمر بقية

الاكثر قراءة