يُعدّ يحيى حقي، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، رائدا بارزا في الأدب القصصي العربي، إذ ترك بصمته الواضحة في تاريخ القصة القصيرة والأدب المصري عموما، وقد خلّف وراءه إرثا أدبيا ثريا استفاد منه الكثير من القراء والكتاب.
لعبت الفترة الأولى من حياة حقي دورا محوريا في تشكيل شخصيته الأدبية وإبداعاته اللاحقة، إذ مرّ بعدة مراحل ساهمت في تنمية موهبته في الكتابة والإبداع.
نشأ حقي في أسرة مثقفة محبة للقراءة والمعرفة، امتلكت مكتبة ضخمة ضمت كتبا بلغات مختلفة، وكانت هذه البيئة الثقافية الأولى التي تلقى فيها العلم والمعرفة، كما عمّقت أسرته وعيه بأهمية الكلمة المناسبة في موضعها.
اطّلع حقي على آثار رواد القصة القصيرة أمثال إدجار آلان بو، كما اهتم بالأدب الروسي الذي يركّز على الجوانب الروحية والعاطفية، ويبتعد عن القضايا الفكرية والفلسفية، وقد أعجبه كيف يرتقي ذلك الأدب إلى مستوى التبشير والدعوة من خلال أسلوبه الواقعي.
وبعد أن سافر حقي إلى أوروبا وتأثر بالمدرسة الواقعية، طوّر من أسلوبه التصويري بحيث أضحت قصصه ولوحاته حيّة متحركة، تجمع بين الفكرة العميقة ودقة التصوير. وحاول ابتكار لون جديد من الفن القصصي يتميز بطابعه الخاص.
وتأثر أدبه بثلاثة عوامل رئيسية هي: حبّه للصورة باعتبارها شكلا فنيا مرغوبا، واهتمامه بدقة اللفظ ورصانة الأسلوب، إضافة إلى التزامه بوصف الواقع كما هو.
وتتميز قصص حقي بموضوعيتها وخلوها من الذاتية، إذ يصوّر العالم الخارجي بعين مجرّدة، ملتزما دائما بتصوير الواقع كما هو، وقد وصل في تطوير أسلوبه التصويري إلى مستوى يجعل صوره حيّة ناطقة، قريبة من الواقع أكثر مما تنطلق بعيداً في عوالم الخيال.