الخميس 2 مايو 2024

السعودية تراهن على تنويع الاقتصاد لتجاوز الاعتماد على النفط

السعودية

عرب وعالم20-1-2024 | 11:35

دار الهلال

كشفت الأرقام الرسمية التي أعلنتها السعودية عن اقتصادها خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية، الأيام الماضية، أن أكبر منتج ومصدر للنفط الخام في العالم يستطيع العيش بعد الآن من دون عوائد النفط، إلى حد كبير.

وقدم مسئولون سعوديون رفيعو المستوى، خلال جلسات منتدى دافوس، أرقاما وإحصائيات دقيقة تكشف تحقيق الرياض للأهداف المرحلية لخطة التنمية العملاقة التي أطلقتها منتصف العام 2016، وبينها بناء اقتصاد متنوع الموارد بدل الاعتماد التاريخي على عوائد النفط.

وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في إحدى جلسات المنتدى، أمام زعماء ورؤساء حكومات ورؤساء تنفيذيين لشركات عالمية، إن النفط بات يشكل 35 % فقط من الاقتصاد السعودي بعدما كان يمثل 70 % سابقاً، فيما نما الناتج المحلي غير النفطي إلى 65%".

وتذكر تلك الأرقام بحديث ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في أبريل عام 2016، عندما قال إن المملكة يمكنها أن تعيش في العام 2020 من دون نفط، بالتزامن مع إطلاقه يومها "رؤية السعودية 2030".

وتعتمد رؤية 2030 بشكل رئيس على ضخ استثمارات بالمليارات في قطاعات أخرى غير نفطية؛ بهدف تنويع الاقتصاد، مثل السياحة وإطلاق مشاريع بنية تحتية ضخمة وتطوير القطاعين المالي والخاص؛ بهدف توفير وظائف ومنازل للسعوديين، وفتح المجال لانضمام النساء إلى سوق العمل.

شهدت المملكة في السنوات السبع الماضية انخفاضاً كبيراً ومستمرا في البطالة بين الشباب السعوديين من الجنسين، لتصل النسبة إلى نحو 8 بالمئة أواخر العام المنصرم 2023، مقارنة مع نحو 14 بالمئة عند إطلاق الرؤية عام 2016.

وتستهدف السعودية الوصول لنسبة 7 بالمئة للبطالة بين مواطنيها، ما يعني أنها على أعتاب تحقيق هدف رؤية 2030 قبل نحو ست سنوات من موعد نهايتها، وهو ما يفتح الباب أمام خطة لاحقة تستهدف رفع دخل الموظفين السعوديين ذوي الأجور المنخفضة ليتاح لهم الادخار والإنفاق على الترفيه.

وقال الوزير الجدعان إن القطاع الخاص خلق الكثير من الوظائف خلال السنوات السبع الماضية، ووفر ما يزيد على 800 ألف وظيفة للرجال والنساء، خلال عام 2023، مشيراً إلى أن مشاركة النساء تنعش الاقتصاد وتقدر بـ36%، وهو أكثر مما استهدفته رؤية 2030.

بجانب انخفاض البطالة، فإن نسبة التضخم التي تعكس القوة الشرائية للسكان بانخفاض مستمر، وعند مستويات قياسية، فيما يزيد عدد ملاك المساكن، سنويًّا، وفق خطط رؤية 2030، كما تحقق الرياض خططها أيضاً باستقبال ملايين المعتمرين والسياح كل عام.

وشهدت البلاد، إلى جانب الإصلاح الاقتصادي، تغييرات اجتماعية عديدة؛ إذ بات بإمكان النساء قيادة السيارات، وتم تخفيف القيود على تنقلاتهن وملابسهن، كما فُتح الباب لزيارة المملكة بسهولة من غالبية دول العالم، بجانب تسهيلات للإقامة والاستثمار.

وتشكل الضرائب، التي تعدّ جزءًا من الإصلاح الاقتصادي في سنوات الرؤية، أبرز الإيرادات غير النفطية للميزانية السعودية، إذ أسهمت منظومة الضرائب في تحقيق الاستقرار المالي للميزانية، وفكت الارتباط التاريخي بين ميزانية الدولة، وأسعار النفط العالمية، وباتت الضرائب ممولا أساسيا ومستقرا لنفقات الحكومة، بعيدا عن تقلبات أسواق النفط العالمية.

وأطلقت المملكة عددًا من برامج الضمان الاجتماعي لحماية مواطنيها من أية زيادة في الأسعار تعقب إصلاحها الاقتصادي وفرض الضرائب، وبينها برنامج حساب المواطن الذي يقدم إعانات شهرية لنحو 12 مليون مواطن سعودي من بين 20 مليون نسمة هم مواطنو المملكة.

وباتت إيرادات استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، وهو الصندوق السيادي للمملكة، رافداً أساسياً للميزانية السعودية في ظل الاستثمارات الداخلية والخارجية للصندوق، إذ أصبح سادس أكبر صندوق سيادي في العالم بأصول تقارب 3 تريليونات ريال (767 مليار دولار).

وتشمل استثمارات الصندوق السيادي حصص أغلبية ومناصفة وأقلية في شركات للسيارات الكهربائية والتقنية والألعاب الإلكترونية والبناء والسياحة والدفاع والعديد من القطاعات داخل المملكة وخارجها.

وقال وزير المالية، الجدعان، إن المملكة واعية بما تقوم به بخصوص اقتصادها، إذ تدار المالية العامة بكفاءة أكبر وبعجز أقل، ولذلك فإنه رغم الصدمات "فإن التوقعات لاقتصادنا إيجابية، كما أنه اقتصاد مرن قادر على مواجهة الصدمات والتعامل معها".

وأضاف أن المملكة مصممة على المضي في الإصلاحات الاقتصادية، والتركيز على قطاعات جديدة كالسياحة والرياضة والترفيه، وكذلك الجانب الصناعي والتشغيلي.

ومع تجاوز البلاد نصف سنوات الرؤية، فإن بيانات الميزانية السعودية للعام 2023، التي تم إعلانها الشهر الماضي، تكشف عن تحقيق الإيرادات غير النفطية نحو 441 مليار ريال في العام 2023، مقابل نحو 411 مليار ريال إيرادات فعلية في العام 2022؛ أي بارتفاع 30 مليار ريال بنسبة زيادة 7.3%، لتواصل ارتفاعها للعام الـ 7 على التوالي، منذ إطلاق رؤية المملكة 2030.

وأكدت بيانات رسمية صادرة عن مؤسسات دولية، بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات تصنيف ائتماني، إن النمو القوي للقطاع غير النفطي يدعم كثيرًا استمرار تعافي الاقتصاد السعودي بعيدا عن تطورات أسواق النفط العالمية.

وفي سبتمبر الماضي، قال أمين ماطي وسيدرا رحمان، وكلاهما من صندوق النقد الدولي، إن المراجعة السنوية الأخيرة للاقتصاد السعودي تشير إلى التقدم المحرز بوضوح على النمو غير النفطي الذي تسارعت وتيرته منذ عام 2021.

وتظهر البيانات الرسمية أن الإيرادات غير النفطية، خلال السنوات السبع المنقضية من تطبيق رؤية المملكة 2030، تنمو بشكل تدريجي وقوي، إذ تضاعفت خلال السنوات الـ7 الأولى؛ أي خلال الفترة (2016 – 2023) بارتفاعها من نحو 186 مليار ريال في العام 2016 إلى نحو 441 مليار ريال بنهاية العام 2023؛ أي بارتفاع 137%.

كما تظهر البيانات أن نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي إيرادات الميزانية السعودية ارتفعت من 36.1% في العام 2016 إلى أعلى مستوى لها في العام 2020 عند 47.2% في العام 2020، قبل أن تتراجع إلى 41.8% و32.4% في عامي 2021 و2022؛ نتيجة الارتفاع في أسعار النفط العالمية وزيادة الإيرادات النفطية، إلا أنها في العام 2023 عادت للارتفاع لتستحوذ على نحو 37% من إيرادات الميزانية السعودية.

ويؤكد المسئولون السعوديون على الدوام إن توقعات الكثير من الدول والمسئولين فيها غير منطقية فيما يتعلق بضرورة التخلي عن النفط واستبداله بمصادر طاقة نظيفة، مثل طاقة الشمس والرياح، بهدف الحفاظ على المناخ والبيئة.

وتنتج المملكة قرابة تسعة ملايين برميل نفط خام يومياً حالياً، ويمكنها زيادة الإنتاج حتى أكثر من 12 مليون برميل، يتم تصدير الغالبية من إنتاجها، بينما تستهلك نحو كمية أقل في الداخل بعد تكريره بمصافيها.

وبجانب مرونة الإنتاج السعودي من حيث الكمية التي تستهدف منها الرياض الحفاظ على مستوى متوازن بين الأسعار والطلب، فإن استخراج النفط السعودي ونقله أرخص من العديد من الاحتياطيات الأخرى، كما أنه أنظف من نفط العديد من الدول المنتجة مثل كندا، وينبعث منه القليل من الميثان مقارنة بالنفط الروسي.

وتعد شركة النفط "أرامكو" السعودية واحدة من أكثر شركات النفط تقدمًا من الناحية التكنولوجية، والكفاءة التقنية.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومبعوث شؤون المناخ، عادل الجبير، في منتدى دافوس: "لا نود منح توقعات غير منطقية، ولكن نود أن نقول الحقيقة، فهناك مشكلة مرتبطة بتغير المناخ ويجب أن نواجهها بطريقة علمية جذابة عبر الاستثمار في الطاقة البديلة، وعبر الكفاءة العالية في إنتاج النفط، والتقليل من الهدر والنفايات.

وأشار الجبير إلى أن المملكة تعمل على نمو الطاقة النظيفة، وأسست مدينتين تعملان على الطاقة الشمسية منذ عامين، مضيفاً: "نحن مستمرون بالاستثمار بطاقة الرياح والهيدروجين والشمس لأن هذا هو المستقبل، ولذلك نحن ملتزمون نحو الطاقة البديلة الصديقة للبيئة، وهي مربحة للغاية ونريد أن نستفيد من ذلك".

واختتم حديثه بالقول: "الطاقة البديلة مربحة للغاية، لكن العالم يحتاج إلى الوقود الأحفوري، ونسعى لإنتاجه بطريقة صديقة للبيئة مراعين مشكلة تغير المناخ".

Dr.Randa
Dr.Radwa