وصل سعر الذهب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2023 منهيًا العام بمكاسب تخطت 10% مسجلًا أفضل أداء سنوي له منذ عام 2020، وتشير غالبية التوقعات أن المعدن الأصفر سيستمر في الاتجاه الصعودي وصولًا إلى مستوى جديد على الإطلاق في عام 2024، وأعاذت ذلك إلى ضعف الدولار الأمريكي وتخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى الدعم من العوامل الجيوسياسية.

اتجاهات أسعار الذهب عام 2023

ظل سعر الذهب قويًا نسبيًا خلال معظم عام 2023 والسبب الرئيسي هو توقعات السوق بتخفيضات أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

في وقت سابق من النصف الأول من العام الماضي توقع السوق أن البنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة بحلول نهاية عام 2023، لذلك، استمر الدولار الأمريكي في الانخفاض منذ فبراير مما أدى إلى الموجة الصعودية الأولى من أسعار تداول الذهب فمن شهر أبريل إلى شهر مايو تم تداول سعر الذهب فوق مستوي 2000 دولار للأونصة في معظم الأوقات.

مع دخول الربع الثالث، بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية، عاد التضخم في الدول المتقدمة الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة، مما دفع البنوك المركزية العالمية إلى التحول بشكل جماعي إلى تضييق السياسة النقدية، وتجاوزت توقعات أسعار الفائدة في اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لشهر سبتمبر توقعات السوق بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية بشكل كبير وأثر عائد الدولار الأمريكي على أسعار الذهب.

ثم في الربع الرابع، أدى اندلاع الحرب الفلسطينية الإسرائيلية التي صدمت العالم إلى الاهتمام مرة أخرى بخصائص الذهب كملاذ آمن، كما واصل الدولار الأمريكي ضعفه بسبب تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، وساعد الاثنان سعر الذهب في اختراق مستوى قياسي 2150 دولار للأونصة في بداية شهر ديسمبر.

العوامل التي ساهمت في تعزيز أسعار الذهب في العام الماضي

لقد تمتع الذهب بموجة من المكاسب في نهاية العام بسبب زيادة الطلب على أصول الملاذ الآمن والتوقعات بأن البنك الاحتياطي الاتحادي سيخفض أسعار الفائدة في 2024، وعلى الرغم من تراجع المخاوف بشأن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط الآن، إلا أن أداء الذهب كان جيدًا بدعم من الدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية، لتصل الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة في أوائل ديسمبر بسبب توقعات أسعار الفائدة الأمريكية، ومن المتوقع أن تظل أسعار الذهب أعلى من 2000 دولار للأونصة على مدار عام 2024 مع استمرار المطاردة العالمية للذهب.

وعلى الرغم من الطلب القوي على الملاذ الآمن، إلا أن توجهات البنك الاحتياطي الفيدرالي ستظل العامل الأكبر والرئيسي الذي يدفع أسعار الذهب، تظهر أحدث البيانات الأمريكية أن التضخم وسوق العمل يهدأان، ويضع السوق الآن احتمالًا بنسبة 50% لخفض سعر الفائدة في مارس المقبل ويضع في الاعتبار بالكامل خفض سعر الفائدة في مايو.

بينما يتوقع اقتصاديون أمريكيون أن تبدأ تخفيضات أسعار الفائدة في مايو القادم، ومن المتوقع أن يتم خفض إجمالي 150 نقطة أساس على مدار عام 2024، يليها 100 نقطة أساس أخرى في أوائل عام 2025، وهذا سيدعم ارتفاع أسعار الذهب.

ولكن ليس كل العوامل تدعم أسعار الذهب، حيث أن بعض مجالات الطلب في سوق الذهب لا تزال متخلفة، وخاصة صناديق الذهب المتداولة في البورصة (ETFs)، فعلى الرغم من استمرار صافي التدفقات الخارجة من صناديق الذهب العالمية المتداولة في أكتوبر، إلا أنها تباطأت مقارنة بسبتمبر، وحتى الآن، بلغ صافي التدفقات الخارجة العالمية نحو 13 مليار دولار، أي ما يعادل انخفاضًا قدره 225 طنًا من حيازات الذهب.

وقد أظهرت البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي أن الغالبية العظمى من صافي هذه التدفقات الخارجة جاءت من صناديق أوروبية وأمريكا الشمالية، في حين كان الطلب على الاستثمار أقوى في أجزاء أخرى من العالم، وبالنظر إلى توقعات هذا العام نعتقد أننا سنشهد تجدد اهتمام المستثمرين بالمعدن النفيس والعودة إلى صافي التدفقات الداخلة مع انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية.

ومن ناحية الطلب، تعد البنوك المركزية من أقوى العوامل التي عززت أسعار الذهب، مع توقع أرقام قياسية جديدة في عام 2024، وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، اشترت البنوك المركزية ما يقرب من 800 طن من الذهب في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023 بزيادة قدرها 14% عن نفس الفترة من عام 2022، وتعتبر هذه الكمية قياسية والتي تم شراؤها في تسعة أشهر فقط، بسبب المخاوف الجيوسياسية التي تدفع البنوك المركزية إلى زيادة مخصصاتها للأصول الآمنة.

وقد سمحت معدلات الطلب المرتفعة من البنوك المركزية لأسعار الذهب بالتغلب على الرياح المعاكسة الناجمة عن ارتفاع عوائد السندات وقوة الدولار الأمريكي في عام 2023، ومن المرجح أن معدل الشراء المرتفع تاريخياً سيستمر هذا العام.

نتوقع أن تستمر البنوك المركزية في الشراء وتحافظ على مستويات الشراء للعام الماضي أو تتجاوزها في 2024، بسبب التوترات الجيوسياسية والمناخ الاقتصادي، ففي ظل الطلب الاستثماري القوي والبنوك المركزية سيستمر الذهب في الارتفاع هذا العام على خلفية مشتريات البنوك."

كل هذه العوامل تدفع الكثيرين من الخبراء والمحللين إلى الاعتقاد بأن أسعار الذهب ستستمر في الارتفاع وتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2024، مع بقاء متوسط سعر الذهب فوق 2000 دولار للأونصة طوال هذا العام.

مع دخول عام 2024، هل سيستمر سعر الذهب في الارتفاع؟

من المتوقع أن يستمر العاملان الرئيسيان الدافعان للذهب في عام 2023 في لعب دور رئيسي في العام الجديد وهما أسعار الفائدة والمخاطر الجيوسياسية.

على الرغم من أن البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لم يحدد بعد توقييت خفض سعر الفائدة، وفقًا لأحدث البيانات الاقتصادية في ديسمبر، فقد توقع السوق بالفعل أن يبدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض سعر الفائدة في مارس 2024، وقد يكون التخفيض السنوي لسعر الفائدة حتى تصل إلى 150 نقطة أساس، ورغم أنه لا يُستبعد أن يكون هذا التوقع إلا إنه مفرطا في التفاؤل ويحتاج إلى وقت لاختباره، ولكن من منظور عام، فإن احتمال قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من عام 2024 لا يزال مرتفعا للغاية.

لذلك، انطلاقا من البيانات التاريخية في السنوات الماضية من تخفيضات أسعار الفائدة، يمكن القول أن أداء الذهب كان ثابتا نسبيا، منذ مطلع الألفية وحتى عام 2023، في كل مرة يدخل فيها الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة، أظهر سعر الذهب اتجاهًا تصاعديًا بمتوسط معدل نمو قدره 17% وبحد أدنى 1.4% وبحد أقصى أكثر من 30%.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عامل آخر يحرك الذهب وهو الجغرافيا السياسية، سيكون عام 2024 عام الانتخابات العالمية، سوف يشهد ما يقرب من نصف سكان العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند وتايوان جولة من تغيير الأنظمة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا وساحة المعركة في الشرق الأوسط لم تظهر بعد أية علامات للتراجع، وقد تجعل هذه العوامل عام 2024 فترة متقلبة وغير مستقرة نسبيًا، والتي ستكون أيضًا وقودًا رئيسيًا للذهب كأصل ملاذ آمن.

من المتوقع أن تصل أسعار الذهب إلى أعلى مستوى جديد على الإطلاق في 2024، حيث يبلغ متوسط الأسعار 2100 دولار للأونصة في الربع الرابع ومتوسط 2031 دولار للأونصة في عام 2024، ويعتمد هذا على بدء البنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في الربع الثاني.