لم تزعجني قط تلك التصريحات الجوفاء التي يطلقها حول إعادة احتلال ممر فلاديلفيا، فليس من المنطق أن تأخذ كلام شخص متصدع يوشك على الانهيار على محمل الجد ولك تجد تصريحات نتنياهو إلا على هؤلاء المجاذيب من أعضاء نادي مصر على وشك السقوط والإفلاس وتلك الدعايات التي يروجها أعداء مصر في الداخل والخارج في اللحظات التي يتوهمون أن حلمهم القديم يمكن أن يتحقق.
وعادة وفي لحظات من الحياة قد نجد أنفسنا أمام شخص يبدي قوة وهيبة في ظاهرة ويبدو كمن يحمل أدوات السيطرة والقوة ولكن عندما نلقي نظرة أعمق نكتشف أن هذه القوة ليست إلا وهمية وأن هذا الشخص قد ضل طريقه في الحقيقة وقد يكون هذا الشخص قد بنى واجهة قوية لإخفاء ضعفه الحقيقي أو لإبعاد الآخرين عن التعرف على جوانبه الضعيفة وربما يكون هذا الشخص قد تبنى موقفًا جادًا أو قويًا في محاولة للتأثير على الآخرين ولكن في الواقع قد يكون ذلك الموقف هو محاولة يائسة لإخفاء عدم اليقين أو الخوف الداخلي ومن الضروري أن نكون حذرين وعلى استعداد لفهم الأشخ بعماصق وعدم الاعتماد على الانطباعات السطحية فقط فالقوة الحقيقية لا تكمن في المظاهر الخارجية.
وبعيدا عن تأويلات المرجفين حول تصريحات نتنياهو حول ممر فلاديلفيا يجب أن نفهم لمن كان يتحدث نتنياهو فبداية تأتي تلك التصريحات العنترية في وقت تزداد أعداد المتظاهرين الإسرائيليين الذين باتوا يدركون أن الهدف من الحرب هو الحرب نفسها وليس لإعادة أسرى ولا للحفاظ على أمن إسرائيل ويطالبون بإسقاط نتنياهو.
وتعكس تصريحات عدة قالها نتنياهو في خطابه الأخير حالة اللامبالاة بالمطالب الداخلية والخارجية وأفخم تلك التصريحات على أنها موجهة لشركائه في الائتلاف الحاكم بن غفير واليمين المتطرف ورسالتها الأهم هي لنتماسك رغم الضغوط بل قال أيضا لذات التحالف المسعور الذي يبقيه في السلطة حتى اليوم أنه بدون مساعدة إنسانية لغزة لن نستطيع إتمام المهمة وأضاف أن رئيس الأركان سيهتم بهؤلاء الذين يمنعون إدخال الشاحنات من حاجز كرم أبو سالم إن نتانياهو لم يكن يوجه خطابه لمصر فهو أكثر المقدرين لرد الفعل المصري وحجم تأثيره بل كان كلماته بمثابة تفاوض على الهواء مباشرة مع بن غفير وعصابته الحاكمة فهو من ناحية يخاطب جنونهم وشططهم تحت وقع الهزائم التي يمنون بها في كل الساحات بأنه سيقدم لهم رفح التي يطالبون كل يوم باحتلالها لكن من جهة ثانية عليكم الموافقة على إدخال المساعدات الإنسانية القليلة لأنها تخفف ضغوطا كبيرة من الغرب وتمنحهم فرصة لاستمرار عدوانهم لاستكمال مخططهم الفاشل في غزة ومن المستغرب جدا تلك الإشارة إلى رئيس الاركان وأنه سيهتم بالمتظاهرين عند حاجز كرم أبو سالم فهو أمر مباشر رئيس وزراء لرئيس أركان جيشه للتعامل مع شعبه على الرغم من غض الطرف عن أفعالهم بل توجيههم بتلك الممارسات لكنه يريد الآن التخلص من تلك الضغوط والمحافظة على بقاء ائتلافه الحاكم الذي هدد مرارا بإسقاط الحكومة حال اتخاذ قرار بوقف الحرب في غزة.
العجيب هم هؤلاء الذين خرجوا يظنون أن نتانياهو يهدد مصر أو يقوى على ذلك وبالطبع هؤلاء يعيشون بيننا على أمل واحد فقط أن يروا مصر في أزمة تشفى غليل صدروهم من جلمهم بإسقاط مصر أو الإبقاء على تصدير الأزمات في طريقها وعرقلة أي تطور فيها وبالمناسبة لا يقل هؤلاء عن مهاويس اليمن الإسرائيلي في عدم القدرة على إدراك الواقع والعيش في الخيال وتصور الأساطير والسعي خلفها أما مصر فتدرك تماما خطواتها المقبلة ولديها من السيناريوهات ما تستبق به تلك الأوهام وما تصريحات نتنياهو إلا إرهاصات لانهيار ائتلافه الحاكم ليزداد الارتباك داخل الكيان المحتل بعد أن يفيق من أوهام المتطرفين التي تسوقه إلى الزوال والغرق أكثر وأكثر في مستنقع غزة فهل تصمت تلك الأصوات النشاز التي تحاول إظهار أن مصر هي المأزومة قليلا ولا تزعجنا بفهمها القاصر المريض عن مصر وقوتها وقدرتها على التأثير .. فهل تصمتون قليلًا؟!