السبت 23 نوفمبر 2024

شيخ الأزهر : لا أعرف كيف يتجرأ من لا يمتلك العلم علي العلماء

  • 24-2-2017 | 16:06

طباعة

أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إن هناك لجنة بحثت قضية الإشهاد على الطلاق، وهي لجنة مختارة من علماء من كلية الشريعة وبعض أساتذة الشريعة في جامعة القاهرة مع ممثل لمحكمة الأحوال الشخصية، وانتهت إلى رأي كان من المفروض أن يكون القول الفصل في القضية؛ لأن من مهام الهيئة الحسم في القضايا الخلافية ذات الطابع الاجتماعي التي تواجه المجتمع علي أساس ديني، وتقييم رأي هيئة كبار العلماء أو انتقادها لابد أن يكون من قامة تساوي قامات هؤلاء العلماء الذين لهم سبعون عامًا يقرءون في الفقه ويدرسونه وهم مهمومون بالقضايا العلمية، ومعظمهم بعيد عن الأضواء، وربما يأنف من أن تسلط عليه الأضواء، مؤكدًا أن هؤلاء الذي ينتقدون هيئة كبار العلماء لا يملكون عشرًا من أعشار ما عند الهيئة، متسائلًا: كيف يتجرءون على الخوض في دقائق العلم ويُبدون آراءهم في مواضيع أخضعها علماء الهيئة للدرس المستقصي والبحث المضني مع خوف من الله ومراعاة مقاصد الشريعة وسلامة المجتمع؟!

وأضاف فضيلته في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية: قلت للجنة إذا كانت هناك آراء معتبرة تقول بوجوب الإشهاد فدعونا نقول بوجوب الإشهاد، ولكن تنبهنا إلى أنه لا داعي للتسرع في الحكم؛ لأن "أجرأكم على الفتيا أجرؤكم على النار"، مشيرًا إلى أن الذين اشترطوا الإشهاد قالوا: إن مَن خالف هذا الشرط يأثم فقط لكن الطلاق واقع على كل حال، وهذا يعني أنَّ مَن ذهبنا لنحتمي بهم لنقول بوجوب الإشهاد قالوا: إن من قال: أنت طالق دون إشهاد، وقع الطلاق، وإنما الإشهاد لحفظ حقوق المرأة.

وتابع فضيلة الإمام الأكبر: يقول ابن حزم -وهو زعيم من يقول بشرط الإشهاد- في (مراتب الإجماع): "ولا نعلم خلافًا في أنَّ مَن طلق ولم يشهد، أن الطلاق له لازم .. "يعني وقع الطلاق ولكنه يأثم لعدم الإشهاد ، لأن شرط الإشهاد لا يؤثِّر في وقوع الطلاق وعدم وقوعه، ثم يقول ابن حزم: " ولكن لسنا نقطع أنه إجماع " فهو يشك ولا يقطع أنه إجماع، ولم يقل: ولكن ليس بإجماع، وفرق كبير بين العبارتين.

وساق فضيلته كلام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه "التحرير والتنوير" بعد أن تعرض للخلاف في الوجوب أو الاستحباب عند تفسيره لقوله تعالى: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) في سورة الطلاق حيث قال: "واتفق الجميع على أن هذا الإشهاد ليس شرطًا في صحة المُراجعة أو المفارقة- الطلاق-؛ لأنه -أي الإشهاد- إنما شرع احتياطاً لحقهما –لحق الزوج والزوجة- وتجنباً لنوازل الخصومات خوفاً من أن يموت فتدعي أنها زوجة لم تطلق، أو أن تموت هي فيدعي هو ذلك"، ثم قال: "على أن جعل الشيء شرطًا لغيره يحتاج إلى دليل خاص"، فإذا أردت أن تجعله شرطًا للوقوع فإنك تحتاج إلى دليل آخر غير قوله تعالى: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) ثم ضرب ابن عاشور مثلًا وقال: "لأنه قد يتحقق الإثم بتركه ولا يبطل بتركه ما أمر بإيقاعه معه"، يعني إذا لم تُشهِد تكون آثمًا؛ لكن لا يكون الطلاق باطلًا، وضرب لذلك مثلا فقال: "مثل الصلاة في الأرض المغصوبة"، فالصلاة عليها صحيحة ولكن مع الحرمة، فقد يكون الشيء حرامًا ويصح من حيث الحكم، ومن ذلك حديث النبي –صلى الله عليه وسلم: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يسم على سومه، ولا يخطب على خطبته"، فالعقد يكون هنا صحيحًا ولكن مع الحرمة؛ لأنه اعتداء على أمر شرع فيه آخر، وكذلك البيع الذي فيه سَوْم فهو بيع صحيح ولكنه حرام، والإشهاد على الطلاق يأتي من هذا القبيل عند من قالوا به.

وخلص فضيلة الإمام الأكبر إلى أن من قالوا بالإشهاد على الطلاق قالوا: يأثم من لم يُشهد على الطلاق لكنه يقع ، وبالتالي فلا يصح أن يُقال: إنَّ مَن قال لزوجته "أنت طالق ألف مرة فلا يقع الطلاق"، وللأسف يصدر هذا عن بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي؛ ولا أعلم السبب الذي يدفعهم إلى مثل هذه الأقوال الشاذة، وما الفائدة من أن يتنكب الإنسان الطريق الصحيح في فهم النصوص على وجهها الصحيح؟ أمن أجل أن يظهر في القنوات وتسلط عليه الأضواء؟!

ثم ساق فضيلته كلام الشيخ أبو زهرة حيث قال: "جمهور الفقهاء على أنَّ الطلاق يقع من غير حاجة إلى إشهاد، فحضور الشهود شرط في صحة الزواج وليس شرطًا في إنهائه؛ وذلك لأنه لم يُؤْثَر عن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ولا عن النبي اشتراط الشهود لوقوع الطلاق، فاشتراطهم زيادة من غير دليل مُثبَت وعلى ذلك جرى جماهير المسلمين"، وكل فقهائنا الكبار من أمثال أبي زهرة والشيخ محمد الغزالي مع أنهم يقولون بالإشهاد إلا أنهم يقولون بوقوع الطلاق مع الإثم، وهذا الكلام يُدرَّس للطلاب في كليات الحقوق والشريعة، فعندما يدرس الطلاب هذا ويجدون بعض المنتسبين إلى العلم يُبطلون كل هذا؟! أرى أن المسألة تحتاج إلى استشعار الخشية من الله قبل كل شيء وأنَّ الدنيا قصيرة وحقيرة، وأنَّ الإنسان سيقف وسيُسأل عن أمانة العلم، والتفريط في أمانة العلم من أشنع أنواع التفريط في الأمانات.

وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن ما قيل من أن البيان لم يصدر عن هيئة كبار العلماء بالإجماع ولكن بالأغلبية فقط، وأنَّ بعض كبار العلماء أجبروا على التوقيع على البيان وأنَّ هذا لم يكن رأيهم ولم يتبنوه - كلام من أوله إلى آخره كذب، حيث إننا في هيئة كبار العلماء نحترم أمانة العلم ونستشعر الخوف من الله، ولن نتأخر على الإطلاق أبدًا في بيان أحكام الشريعة بكل وضوح، مشددًا على أن آراء هيئة كبار العلماء لا تؤخذ تحت سيف التهديد كما يدعي بعض المنتسبين إلى العلم ويشيعه في القنوات و البرامج ويسمعه الناس، وكان على مُعدّ البرنامج أنْ يتَّصل بنا ويستفسر عن صحة هذا الكلام، ونحن كنا سنبين له الأمر ويكون الكلام رسميًّا؛ لكن أي شخص يقول أي كلام يبث على أنها حقائق تصدقها الناس.

وأوضح فضيلته أنه في كلمته في مؤتمر دار الإفتاء التي أغضبت بعض الناس تنبَّأ إلى "فوضى تعدُّدِ الزواجِ، وفوضى الطلاقِ"، قبل أن تندلع هذه المشكلة، مشيرًا إلى أن العلماء مقصرون في تبليغ حكم الله في الزواج أصلا وفي الطلاق، حيث إن الرجل فهم أن الإسلام ضمن له أن يتزوج بأربعة، وأن هذا مباحٌ له، لكن هذا نصف الحكم، فلم يُرسَّخ في وجدانه شرط العدل والمسؤولية الشرعية المترتبة على الزواج الثاني، فيما يتعلق بالزوجة الأولى وفيما يتعلق بالأولاد الذين رُزق بهم من الزوجة الأولى، وهذا الذي يجب أن تستنفر له الحناجر لإيجاد مسلم واعٍ بأحكام دينه على الوجه الصحيح.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة