السبت 4 مايو 2024

معرض الكتاب.. أرقام وذكريات

زياد عبد التواب

ثقافة5-2-2024 | 10:16

زياد عبد التواب
  • شمل معرض القاهرة الدولي للكتاب العديد من مجالات التطوير، منها إطلاق المنصة الرقمية للمعرض عام 2021 والتي تشمل كافة التفاصيل والخدمات التي تهم زوار المعرض
  • لم يتخلف المعرض عن الانطلاق في يناير أو فبراير من كل عام باستثناء عام 2021 حيث تم افتتاحه في 30 يونيو نظرا لظروف وباء كورونا التي تعذر معها الافتتاح في المواعيد المقررة
  • من الملاحظ زيادة أعداد الندوات وحفلات التوقيع للأعمال الجديدة بصورة كبيرة، كما لوحظ ظهور مجموعات من الشباب المتطوعين يقومون بمعاونة زوار المعرض وارشادهم والرد على تساؤلاتهم

 

لم تكن معارض الكتاب بالفكرة الجديدة على الحياة الثقافية في مصر، فالمحاولات كثيرة ربما أبرزها المعرض الذى تم افتتاحه عام 1946 تحت عنوان "معرض الكتاب العربي" أما معرض القاهرة الدولي للكتاب بصورته التي نعرفها  لم يأت بين يوم و ليلة  بل إن إرهاصاته تمتد لتسع سنوات سابقة على النسخة الأولى منه حيث حمل عام 1960 العديد من الأحداث المرتبطة والمؤدية إليه، ففي هذا العام تم إنشاء مؤسسة التأليف والنشر والتي ضمت شركة للطباعة والنشر وشركة للتوزيع بدأت بالفكر التجاري والثقافي معا حيث قامت بالعديد من الأنشطة في هذا المجال وتبنت العديد من الشعارات منها شعار "كتاب كل ست ساعات" واستمرت كذلك وحققت نجاحات كبيرة و تعرضت لتحديات أيضا وذلك حتى تم تحويلها إلى هيئة عامة بنهاية عام 1966 تختص بالتأليف والنشر فقط مع ترك باقي الأعباء الخاصة بالطباعة والتوزيع الى جهات أخرى وذلك حتى تتفرغ المؤسسة الى التخطيط والتجديد والابتكار والمتابعة للكتاب العربي.

أما فكرة إطلاق معرض الكتاب فلعل البداية كانت بنهاية عام 1960 حين أقامت منطقة الفيوم التعليمية معرضا للكتاب بعنوان "أسبوع الكتاب العربي" شارك فيه عدد من دور النشر هذا بالإضافة الى إقامة عدد من الندوات الثقافية، ويبدو ان هذا الحدث قد اغرى وزارة الثقافة لتعميم الفكرة حيث تم في عام 1963 إقامة معرض للكتاب تحت عنوان "أسبوع الكتاب العربي الأول" بمشاركة 48 ناشرا وهيئة علمية بالإضافة إلى 13 ناشرا من الدول العربية ومنها العراق ولبنان واليمن بالإضافة إلى عدد كبير من الندوات الثقافية وكذا أيضا معرض تقني لتطور أساليب الطباعة والحقيقة أن هذا المعرض لاقى إقبالا كبيرا دفع القائمين عليه إلى مده لأسبوع آخر وإلى تكرار التجربة  في العام التالي حيث عقد أسبوع الكتاب الثاني و الذى لاقى نجاحا وإقبالا كبيرين أيضا الأمر الذى دفع المثقفين إلى اعتبار هذا الحدث عيدا حقيقيا للثقافة.

نصل بعد ذلك الى عام 1968 حينما تقدم الفنان التشكيلي الكبير عبد السلام الشريف باقتراح إلى ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك بضرورة إقامة معرض دولي للكتاب وحسبما ذكر الوزير في مذكراته المعنونة "مذكراتي في السياسة والثقافة" أنه قد أحال المقترح إلى مؤسسة التأليف والنشر لتبنيه حيث قامت المؤسسة بالاتصال بسوق الكتاب الدولي المعروف في ليبزج أحد مقاطعات ألمانيا الشرقية والتي تعتبر إلى جانب فرانكفورت مركزا تجاريا ومركز لطباعة الكتب عبر التاريخ، ثم قامت المؤسسة بعد ذلك بإيفاد مندوبها الأستاذ إسلام شلبي للتمهيد إلى إقامة معرض شبيه به على النطاق العربي ليربط المؤسسة بحركة نشر الكتاب دوليا من خلال المتعاملين مع معرض ليبزج السنوي و هو ما أسفر عن إقامة معرض الكتاب الدولي الأول في يناير 1969 وهو العام الذى تصادف أن تزامن مع احتفال القاهرة بمرور الف عام على بنائها على يد القائد العسكري جوهر الصقلي الموفد من قبل المعز لدين الله الفاطمي.

كانت الهدف من انعقاد المعرض خلال شهر يناير ان يتم أيضا استغلال فترة إجازة نصف العام لكى تتاح الفرصة امام طلاب المدارس والجامعات والهيئات العلمية للمشاركة خلال تلك الفترة مما يسمح لهم أيضا بالوصول إلى المراجع العلمية المتخصصة بأسعار مناسبة، أما عن المشاركة في  المعرض الأول فتمثلت فى 27 دولة و أكثر من 400 دار نشر ووزارة حوالى 70 الف زائر خلال فترة انعقاده والتي استمرت لمدة عشرة أيام، و يذكر الأستاذ ثروت عكاشة في مذكراته أيضا انه وبالرغم من كم الإنفاق الكبير لانعقاد المعرض الدولي إلا أن المؤسسة قد حققت أرباحا من الخدمات التي قدمت للناشرين العرب والأجانب بخلاف الربح من توزيع الكتب، هذا بالإضافة إلى ما أتاحه المعرض من فرص لعقد اتفاقيات مشتركة بين الناشرين والموزعين المعتمدين هذا بالإضافة إلى الأثر المعنوي الذى تركه المعرض في الحياة الفكرية والثقافية في العالم العربي الأمر الذى أدى إلى تنامى شعور اجتماعي بضرورة إقامته كل عام، الأمر الذى دفع وزارة الثقافة الى تكرار تلك التجربة بانتظام و خاصة أن تلك التجربة لم تكن فرصة لالتقاء الناشرين فقط بل استغلتها المؤسسة على النطاق الدولي لعقد اتفاقيات ثنائية كثيرة في مجال شراء حقوق النشر و ترجمة روائع الأدب العربي الحديث إلى لغات أخرى كما ولد أثناء انعقاد المعرض فكرة تكوين اتحاد الناشرين العرب الذى كان وما يزال يعقد جلساته الدورية لتبادل الخبرات و تذليل العقبات والمعوقات في  سبيل انتشار الكتاب العربي في المنطقة العربية وخارج حدود المنطقة العربية أيضا.

السنوات واهم المحطات

خلال شهري يناير وفبراير من هذا العام-2024- ستعقد الدورة الخامسة والخمسين من المعرض و المتتبع لتاريخ بداية المعرض يستطيع بسهولة أن يكتشف أن دورة هذا العام كان يجب ان تكون هي الدورة السادسة والخمسين والحقيقة أن المعرض ومنذ إطلاقه لم يتوقف إلا مرة واحدة نتيجة أحداث يناير 2011 أي الدورة الثالثة والأربعين حيث تم إلغاء عقد المعرض هذا العام وتم تأجيل الدورة للعام التالى-2012-نظرا للأحداث التي مرت على البلاد  حيث كان من المقرر أن يتم افتتاحه في التاسع و العشرين من يناير و لكن ما سبقها من أحداث ألمت بالبلاد أوقفت كافة الأنشطة و الاعمال و منها بالطبع هذا الحدث الثقافي الكبير.

من الأمور الطريفة رصد علاقة رؤساء مصر بمعرض الكتاب، فالرئيس جمال عبد الناصر لم يفتتح المعرض خلال فترة رئاسته حيث أناب عنه وزراء الثقافة وهو نفس النهج الذي انتهجه الرئيس محمد أنور السادات باستثناء دورتين أناب فيهما السيدة حرمه، أما الرئيس محمد حسنى مبارك فلقد شارك في الافتتاح 23 مرة وأناب رؤساء الوزراء للافتتاح في المرات الأخرى.

أما الدورة التي تم تأجيلها فقد تم افتتاحها في العام التالى-2012-بحضور الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة وفى العام التالي افتتحه محمد مرسى يليه الرئيس عدلي منصور في 2014، وفي الفترة من 2015 وحتى 2014 فإن الافتتاحات تمت بحضور رؤساء الوزراء باستثناء الدورة الخمسين والتي افتتحها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2019، هذا ولم يتخلف المعرض عن الانطلاق في يناير أو فبراير من كل عام باستثناء عام 2021 حيث تم افتتاحه في 30 يونيو نظرا لظروف وباء كورونا التي تعذر معها الافتتاح في المواعيد المقررة  والحقيقة ان الاحصائيات السابقة لا تحمل الكثير من الدلالات مثلما يحاول البعض فالدلالة الحقيقية يمكن ان تستمد من أعداد الناشرين والعارضين والزوار و عدد الإصدارات الجديدة التي يفرزها المبدعون و يحتفون بإطلاقها في أيام المعرض و في أروقته.

أما بالنسبة لمكان انعقاد المعرض فكانت البداية بأرض الجزيرة-مقر الاوبرا حاليا- وذلك منذ الدورة الأولى وحتى عام 1982 حين تم نقله إلى أرض المعارض بمدينة نصر ثم انتقل في دورته الخمسين عام 2019الى مقره الحالي بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس.

وكما سبق وبينا ان الدورة الأولى اشتملت على حوالي 400 ناشر بمشاركة 27 دولة فإن الأمر استمر في التطور والنمو وصولا إلى الدورة الحالية والتي تتم بمشاركة 1200 ناشر من 70 دولة والمتتبع لتطور تلك الاعداد يستطيع وبسهولة ان يلحظ ان هذا التطور الكبير في اعداد الناشرين والدول وحتى أعداد الزائرين حدث خلال السنوات القليلة الماضية وتحديدا من الدورة الخمسين لهذا المعرض العريق.

من المعلومات الهامة أيضا أن هذا المعرض العريق وصل ترتيبه ليصبح الثاني عالميا بعد معرض فرانكفورت للكتاب و ذلك عام 2006 وبغض النظر عن الترتيب والذى يختلف من عام لأخر طبقا لأعداد الناشرين المشاركين، فان معرض القاهرة الدولي للكتاب شمل العديد من مجالات التطوير منها اطلاق المنصة الرقمية للمعرض عام 2021 والتي تشمل كافة التفاصيل والخدمات التي تهم زوار المعرض، مثل إمكانية الحصول على الإصدارات من خلال البحث عن الكتب ودور النشر المشاركة والشراء عن بعد ، إلى جانب أجندة الأنشطة والفعاليات، وخريطة المعرض، وجولة افتراضية محاكاة للواقع داخل القاعات والتي حققت حوالى 128 مليون زيارة ، و102 مليون مشاهدة للجولات الافتراضية، اما في الدورة السابقة-2023-فقد تم اطلاق تطبيق الهاتف المحمول لأول مرة والذى شمل أيضا على عدد كبير من الكتب الرقمية.

من الأمور الملحوظة في السنوات القليلة الماضية هو ظهور شباب متطوعين يقومون بمعاونة زوار المعرض وارشادهم والرد على تساؤلاتهم كما أن أعداد الندوات وحفلات التوقيع للأعمال الجديدة زادت بصورة كبيرة حيث وصلت في الدورة السابقة إلى حوالي 500 فاعلية وحضر المعرض ما يقرب من 3.5 مليون زائر.

وبالرغم من عقد العديد من الندوات الهامة والشهيرة على مدار تاريخ المعرض كله إلا ان الجميع لا ينسى الندوة الشهيرة التي عقدت في الدورة الثالثة والعشرين من المعرض والتي يحلو للبعض تسميتها بالمناظرة والتي حملت عنوان “مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية” والتي عقدت في الثامن من يناير عام 1992 والتي احتدم فيها النقاش بين أنصار الدولة الدينية والدولة المدنية ولم يمر ستة أشهر بعدها إلا وقد قامت الجماعات الإسلامية المتطرفة قتل الدكتور فرج فودة مناظرهم الرئيسي في تلك الندوة الخطيرة.

ذكريات الطفولة والشباب

اما عن الذكريات التي نحملها لفترات انعقاد المعرض فبها الكثير من البهجة تبدأ بان تتم الزيارة في إجازة نصف العام سواء لأرض المعارض بالجزيرة او بعد ذلك في مدينة نصر ثم إلى المقر الجديد الآن وقد غادرنا سنوات الدراسة و خلال كل تلك الفترة اختلفت اهتماماتنا من كتب الأطفال والتلوين إلى الروايات الخفيفة ثم الملاحم و الكتب العلمية و بدانا ندرك قيمة المعرض في إتاحة الفرصة لشراء ما لا يتاح خلال العام من كتب الناشرين المختلفين وكذا أيضا الاستفادة من نسب الخصم التي يتم الإعلان عنها في الأجنحة المختلفة وتطورت الزيارة من مرة واحدة إلى عدة مرات خلال فترة المعرض ومن استغلال الأهل لشراء الكتب و حملها إلى المنزل الى استقطاع جزء كبير من راتب الشهر والشهور السابقة على المعرض لشراء الكتب والانتقال من حملها في حقائب صغيرة وصولا إلى الاستعداد للمعرض بحقيبة سفر متوسطة تجرها عجلات، هذا بالإضافة إلى زيادة الاهتمام بالندوات التي تعقد على هامش المعرض حيث اصبحنا نعتبرها فرصة ربما لن تتكرر للاستماع إلى المبدعين ومناقشتهم فيما يكتبون و نتعرف على آراؤهم في كل مناحي الحياة الماضية و الحاضرة ورؤيتهم للمستقبل على حد سواء.

أما في السنوات القليلة الماضية فلقد كان لي الشرف أن أشارك في المعرض بعدد من الإصدارات والمشاركة أيضا في عدد من الندوات كمتحدث، ولا يمكن ان أنسي إحدى تلك الندوات حينما جلت بنظري في القاعة أتفحص الوجوه التي تنتظرني لأتحدث إليهم ثم عدت بالزمن إلى الوراء، إلى أول مرة وطأت أقدامي هذا المعرض، لاعترف للقراءة و لمعرض الكتاب بالكثير من الفضل في الانتقال من طفل يلهو إلى كهل يحاول أن يكون ذا قيمة.