الثلاثاء 18 يونيو 2024

معرض القاهرة الخامس والخمسين للكتاب تجربة فريدة تتخطى السنوات السابقة


د. جمال مصطفى سعيد

مقالات5-2-2024 | 10:16

د. جمال مصطفى سعيد
  • أحد أهم عناصر المعرض لهذا العام هو تركيز نشاطاته على كل ما يهم الشباب، وتشجيعهم وإتاحة الفرصة لنشر كتبهم بأسعار مخفضة ليتعرف عليهم المجتمع الثقافي بسهولة
  • وقع الاختيار على دولة النرويج لتكون ضيفة الشرف لهذا العام، فهى دولة لها مكانة سياسية قوية وبالأخص في القضايا العربية  بالإضافة إلى أن مكانتها الاقتصادية الكبيرة 

 

 

يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تفتتح أبوابه رسميا في العاشرة من صباح الأربعاء 24 يناير الجاري بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، من أبرز الأحداث الثقافية في العالم العربي وهو الأهم من نوعه ليس في مصر فقط بل في المنطقة كلها حيث يرتاده سنويا ما يقرب من ثلاثة ملايين زائر طبقا للإحصائيات الرسمية وهو بالتالي يعد الأكبر وربما الأهم في العالم بعد معرض فرانكفورت الدولي... وهو بالقطع يمثل حدثا ثقافيا فريدا ومتميزا يتجاوز كل سنة توقعاته السابقة. وفى الواقع فأن المعرض - وهذا ليس رأيا شخصيا- يعتبر فرصة كبيرة لتعزيز الفهم (أو التفاهم) الثقافي بين أفراد وجماعات المجتمع وأيضا تعزيز روح المشاركة والتفاعل بين أفراده باعتبار أن هذا المجتمع هو في الأصل مجتمع صاحب حضارة وتعتبر الثقافة فيه عنصرًا حيويًا في تطويره وازدهاره.

 

يعقد المعرض هذا العام تحت عنوان جميل ومتميز هو “نصنع المعرفة.. نصون الكلمة"، وهو العنوان الذي خرجت صياغته بعد نقاشات فكرية فريدة شارك فيها أربعة عشر عضوا من كبار مفكري مصر ومؤرخيها وشعرائها وإعلامييها وذوي الرأي فيها هم أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى الذي شكله رئيس الهيئة الدكتور احمد بهي الدين العساسى واعتمدتها ووافقت عليها معالي الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، وقد أضفت أفكار هؤلاء المتخصصين لمسة إبداعية وعمقاً ثقافياً يتجاوز التوقعات السابقة للمعرض.  ونجم أيضا عن جلسات العصف الذهني والفكري لأعضاء هذه اللجنة أن يتم في هذا العام، التركيز بشكل خاص على تكريم شخصيتين أثرتا بشكل كبير في مسيرة الثقافة المصرية القديمة والمعاصرة هما الدكتور سليم حسن والكاتب يعقوب الشاروني. حيث يقوم المعرض بتسليط الضوء على إسهاماتهما وتأثيرهما في تشكيل المشهد الثقافي المصري عبر سنوات طويلة وقد اختير الدكتور سليم حسن عالم المصريات المعروف شخصية الدورة، وكاتب أدب الأطفال يعقوب الشارونى شخصية معرض كتاب الطفل.  

ويعتبر سليم حسن الذي توفى في عام 1961من أبرز علماء الآثار المصريين، وقد ساهمت أعماله في التعرف على تاريخ مصر القديمة بشكل كبير. ففي عام 1929، بدأ سليم حسن أعمال التنقيب الأثرية في منطقة الهرم، لتكون المرة الأولى التي تقوم فيها هيئة علمية منظمة بأعمال التنقيب عن الأثار لكن هذه المرة بأيد مصرية. استمرت أعمال التنقيب هذه لمدة 10 سنوات، وأسفرت عن اكتشاف العديد من الآثار المهمة، منها مقبرة الملك خوفو، ومعبد الشمس ...وكثير غيرها وهو أيضا صاحب مؤلف موسوعة مصر القديمة، وهي موسوعة ضخمة تضم 18 مجلدًا، تناول فيها تاريخ مصر القديمة من أقدم العصور حتى نهاية العصر الفرعوني بالإضافة إلى كتاب الآثار المصرية القديمة، وهو كتاب يتناول أهم الآثار المصرية وأيضا كتاب تاريخ مصر القديمة، وهو كتاب مدرسي يتناول هذا التاريخ بشكل موجز. بالإضافة الى ذلك فقد حصل دكتور سليم حسن على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لجهوده العلمية منها جائزة إسماعيل صبري باشا للآثار المصرية عام 1928، جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1959 ثم وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1960. 

أما يعقوب الشارونى المولود في عام 1931 فقد قالت عنه اللجنة الاستشارية في تقريرها إن اختياره، جاء من منطلق مساهماته الملحوظة في إثراء المكتبة المصرية والعربية بالكثير من الأعمال التي أتت في معظمها تعبر عن الأصالة والهوية المصرية والتي أهلته عن جدارة ليكون شخصية المعرض لأدب الطفل هذا العام.

ويعقوب الشارونى أصلا حقوقي متخصص في الاقتصاد السياسي والاقتصاد التطبيقي. لكن دوره الأساسي كان في أنه ساهم في دعم عدد من المشاريع الثقافية المهمة الخاصة بأدب الطفل، منها مجلد ثقافة الطفل الصادر عن المركز القومي لثقافة الطفل، والذي صاحبه إطلاق مسابقة الطفل الموهوب بالمركز في مجالات القصة والشعر والرسم وهي المسابقات التي مازالت مستمرة حتى الآن. وقد بلغ عدد الكُتب التي كتبها الشاروني  للأطفال وتم نشرها أكثر من أربعمائة كتاب، منها كتب سر الاختفاء العجيب، مُفاجأة الحفل الأخير، مُغامرة البطل منصور، الرحلة العجيبة لعروس النيل، مُغامرة زهرة مع الشجرة، عفاريت نصف الليل وغيرها،  وقد حصل الشارونى على العديد من الجوائز مثل الجائزة الأولى لتأليف الرواية المسرحية من المجلس الأعلى للفنون والآداب - وزارة الثقافة، عن مسرحية أبطال بلدنا والجائزة الأولى للتأليف المسرحي من وزارة الثقافة عن مسرحية جنينة المحطة وجائزة أحسن كاتب أطفال من الجمعية المصرية لنشر الثقافة العالمية عن روايته سر الاختفاء العجيب وجائزة أفضل كاتب أطفال من المجلس الأعلى للثقافة عن مجموعة مؤلفاته و جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل مؤلف، في مسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال عن كتابه أجمل الحكايات الشعبية، وجائزة الآفاق الجديدة من معرض بولونيا الدولي بإيطاليا لكتب الأطفال عن كتابه أجمل الحكايات الشعبية، وجائزة أفضل مؤلف في مسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال عن روايته سر ملكة الملوك التي تستمد موضوعها من حياة الملكة حتشبسوت، وغيرها.

 

ومنذ  مدة طويلة وأسوة بما يحدث في المعارض العالمية،  اعتاد المسئولون عن المعرض اختيار ما يطلق عليه دولة ضيف الشرف بمعنى تسمية دولة أجنبية تختارها الدولة المصرية ممثلة في الدكتورة الوزيرة والدكتور رئيس هيئة الكتاب لتصبح محور الاهتمام الثقافي في فاعليات المعرض حيث يتم تنظيم برنامج أدبي خاص بها  يشمل كتبا، معارض فنية، لوحات نقاش عامة، إنتاج مسرحيات، وبرامج إذاعية وتلفزيونية ومجالات أخرى ويتم إعداد قاعة خاصة لعرض معلومات ونشاطات هذا البلد الضيف، وقد وقع الاختيار على دولة النرويج لتكون ضيفة الشرف لهذا العام، والسبب في ذلك  أن النرويج بشكل عام لها مكانة سياسية قوية وبالأخص في القضايا العربية  بالإضافة إلى أن مكانة النرويج الاقتصادية كبيرة جدا بين الدول المتقدمة لكنها ثقافيًا لم تنشر سوى نسبة قليله من ثقافتها بين العالم. وأيضا يشكل وجودها إضافة هامة وفرصة لتبادل الخبرات وتعزيز الروابط الثقافية بين مصر والنرويج، وأيضا سيمثل الاحتفاء بها خلق جسر ثقافي يربط بين مصر وأوروبا وبين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا أيضا، ويتيح للزوار فهما أعمق للتنوع الثقافي العالمي. وفي الحقيقة  فإن النرويج – ودول إسكندنافيا بشكل عام- دول غير معروفة بشكل قوي وكبير في العالم العربي،  لذلك فتواجد دولة مهمة مثل  النرويج، كضيف شرف يعتبر حدثا تاريخيا، ليس ذلك فقط بل إن المعرض – كما قال دكتور أحمد بهى الدين رئيس الهيئة -  قد يكون فرصة نسعى من خلالها  أن يتعرف الشعب النرويجي ممثلا بدولته  على الثقافة  المصرية وثقافة العالم العربي باعتبار أن مصر هي الدولة الرائدة فيه والممثلة الرئيسية له، لذلك فقد أعد المسئولين هذا العام برنامجاً ثقافياً قوياً جداً في جميع المواضيع التي تتعلق بمجالات الثقافة والأدب والتاريخ في النرويج وأيضاً النظام الاقتصادي فيها. 

 

ومن اللافت للنظر أن أحد أهم عناصر المعرض لهذا العام هو تركيز نشاطاته على كل ما يهم القطاع الأكبر في المجتمع وأعنى قطاع الشباب، حيث رأى المسئولون أن المعرض يجب أن يراعى فيه هذا العام أن يكون فيه فضاءً كاف يلهم ويثري معرفة الشباب بكل ما يحدث في مختلف الميادين الثقافية، ويتيح لهم في نفس الوقت الفرصة لاكتشاف أعمالهم الجديدة والمبتكرة، ويشجعهم على التفكير النقدي والمشاركة الفعّالة في المجتمع وقد راعى أيضا المسئولون أن يتيح المعرض فرصة للشباب لنشر كتبهم بأسعار مخفضة ليتعرف عليهم المجتمع الثقافي بسهولة. 

وفى هذا العام - كجزء من الاحتفالات الثقافية-، يتناول المعرض بعناية خاصة تاريخ مصر القديمة منذ أيام المصريين القدماء وأيضا يستضيف المعرض شعراء وكتّابًا كبار من مختلف دول العالم، مما يسهم في تعزيز التبادل الثقافي وتفعيل الحوار بين ثقافات متنوعة. يُعتبر المعرض بذلك منبرًا دوليًا رائدًا للثقافة والأدب.

 

مشاركة واسعة:

 

وفي هذا العام 2024، يظهر المعرض الذي تشرف عليه وزارة الثقافة ويلقى اهتماما خاصة من كل المسئولين في الدولة يظهر بوجه جديد يتميز بتجديدات وتطورات استثنائية حيث يشارك في المعرض عدد كبير من دور النشر المصرية والعربية، ومن التي من المتوقع أن تقدم تخفيضات وخصومات على الكتب الصادرة منها. 

 

وتشارك الهيئة العامة للكتاب في هذه الدورة بمجموعة كبيرة من العناوين التي صدرت طيلة الشهور الماضية من بينها مؤلفات وتراجم كل من سليم حسن وطه حسين بالإضافة إلى عدة آلاف من العناوين التي سيقدمها عشرات  العارضين والذين  يمثلون شركات النشر والوسائط المتعددة والتكنولوجيا في المنطقة وفى العالم، بالإضافة إلى مقدمي المحتوى من جميع أنحاء الدنيا حيث يجتمعون للتفاوض حول حقوق النشر الدولية والملكية الفكرية وموضوعات أخرى. ​