الخميس 9 مايو 2024

من ذكرياتي في معرض القاهرة الدولي للكتاب


د. بسيم عبد العظيم عبد القادر

مقالات5-2-2024 | 11:09

د. بسيم عبد العظيم عبد القادر
  • توثقت صلتي بمعرض الكتاب فكنت أحرص على زيارته سنويا بعد انتقاله إلى أرض المعارض بمدينة نصر، واقتناء الكتب الأدبية والنقدية ودواوين الشعراء من مختلف العصور
  • كان المعرض ولا يزال فرصة للتعرف على الأدباء والشعراء والنقاد، فضلا عن كونه فرصة للتلاقح الفكري والتواصل الحضاري مع الدول العربية والأجنبية التي تشارك فيه سنويا
  • يستضيف معرض الكتاب كل عام إحدى الدول العربية أو الأجنبية لتكون ضيف الشرف، فتقوم مؤسساتها الثقافة الرسمية بإقامة الندوات الثقافية التي تلقي الضوء على ثقافتها وحضارتها وأدبها

 

ترجع صلتي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب إلى ما يقترب من نصف قرن، وعلى وجه التحديد إلى عام 1978م، حين كان المعرض في أرض المعارض بالجزيرة، مكان دار الأوبرا الحالية، وكنت قد التحقت بقسم اللغة العربية في العام نفسه، وكان لابد من اقتناء الكتب فهي نعم المقتنى كما وجهنا أساتذتنا الكبار، وصدق المتنبي إذ يقول:

أعز مكان في الدنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

            ولا يزال يرن في سمعي قول المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء "رضيت في الجنة بكتب الجاحظ عوضا عن نعيمها".

            أحببت الكتب قبل التحاقي بالجامعة من مكتبة الفصل في المدرسة الابتدائية التي كان مفتاحها معي فقد كنت رائد الفصل، وكانت تحتوي كتبا للأطفال أبرزها كتب الرائد كامل كيلاني، وكذلك عشقت القراءة من والدي يرحمه الله الذي كان يشجعني على قراءة الصحف والمجلات والكتب غير المقررة في المنهاج الدراسي لتزداد حصيلتي العلمية والمعرفية فقرأت لطه حسين ومحمد حسين هيكل ومصطفى محمود والمنفلوطي والرافعي ومصطفى أمين الذي كنت أقرأ قصصه مسلسلة في أخبار اليوم كل سبت مثل الآنسة هيام كما كنت أقتني بعض المجلات كالهلال والعربي الكويتية، والمجلة العربية والفيصل والدوحة وغيرها وذلك في فترة الجامعة وما زلت أحرص عليها حتى اليوم.

            توثقت صلتي بمعرض الكتاب فكنت أحرص على زيارته سنويا بعد انتقاله إلى أرض المعارض بمدينة نصر، واقتناء الكتب الأدبية والنقدية ودواوين الشعراء من مختلف العصور وبخاصة دواوين الشعراء الجاهليين وشعراء العصر الأموي والعباسي ودواوين شعراء الأندلس خصوصا بعد تعييني معيدا بقسم اللغة العربية وعزمي على التخصص في الأدب الأندلسي، ودواوين الشعراء المحدثين والمعاصرين، كالبارودي وشوقي وحافظ وإبراهيم ناجي ومحمود غنيم وأبي القاسم الشابي، وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد إبراهيم أبي سنة.

            وهكذا تكونت لدي مكتبة وكانت الكتب آنذاك رخيصة الثمن خصوصا في دور النشر الحكومية كالهيئة المصرية العامة للكتاب ودار الكتب والوثائق القومية ودار المعارف ودار الشعب وغيرها...وكان لهذه المكتبة فضل في تكويني الأدبي والنقدي، وقد زارني بعض أساتذتي وأثنوا عليها وأذكر منهم أستاذي الناقد الكبير المرحوم أ.د. الطاهر مكي، وأستاذي المرحوم أ.د. فتحي أبو عيسى، وكانت مكتبتي منهلا لزملائي بالقسم والكلية، لما فيها من تنوع فقد كنت نهما للكتب في تخصصات كثيرة وليس أدل على ذلك من سلسلة عالم المعرفة التي أقتنيتها من أول أعدادها، وكنت أكمل ما يفوتني من معرض الكتاب سنويا.

            وكانت لي ذكريات طيبة في مرض القاهرة الدولي للكتاب مع زملائي الذين أذكر منهم بالتقدير أخي المرحوم د. إبراهيم محمود سليمان الذي شجعني على اقتناء الكتب وبخاصة من دور النشر العربية في المشرق والمغرب، كالعراق وسورية وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، فكم اقتنينا من كتب نادرة وكان صديقي مبصرا، وكان ذا دلال على أصحاب المكتبات المصرية والعربية على السواء فكانوا يخصونه بخصم كبير وكنت معه محظوظا حيث كنت أحظى بنسبة الخصم نفسها، وأذكر أننا كنا نشتري ونحن معيدان بمرتبنا كاملا، وكان ذلك مثار خلاف بيني وبين خطيبتي وزوجتي فيما بعد، وكنا بعد نفاد ما لدينا من مال نظل نشتري بالأجل من المكتبات الخاصة التي عقدنا صلات وثيقة مع أصحابها لكثرة ما نشتري منهم لنا ولأساتذتنا ولزملائنا الذين يعزفون عن زيارة المعرض مكتفين بتكليفنا بشراء ما يلزمهم من الكتب...وكنا نقطع المسافة من أرض المعارض بمدينة نصر سيرا على أقدامنا إلى المدينة الجامعية بجامعة عين شمس مرورا بشارع منظمة الوحدة الأفريقية، ونعود منهكين لنعاود الكرة في اليوم التالي حتى ينتهي المعرض، وكنا نحرص على اليوم الأخير حيث يريد أصحاب المكتبات في الدول العربية أن يتخلصوا من كتبهم بدلا من العودة بها إلى بلادهم، فيزيدون نسبة الخصم إلى خمسين في المئة أحيانا.

            وكنا نعرج على المحاضرات والندوات التي تعقد سنويا بمعرض الكتاب، وممن لقيتهم في هذه الندوات المرحوم سعد الدين وهبة والدكتور عز الدين إسماعيل والدكتور سمير سرحان وغيرهم من كبار الأدباء والنقاد.

            كما كان المعرض فرصة للتعرف على الأدباء والشعراء والنقاد من مختلف محافظات مصر سواء في الندوات أو أثناء التجول في أروقة المعرض حيث كنا نفرح بلقاء المؤلفين والتعرف عليهم وهم يزورون المكتبات التي تنشر كتبهم ويمكثون فيها بعض الوقت، لمتابعة كتبهم وقد يُهدوننا بعض كتبهم تشجيعا لنا على أنْ نشتري بعضها الآخر، كما أن أصحاب المكتبات أنفسهم وخصوصا المكتبات العربية كانوا يهدوننا بعض إصدارتهم حين تنفد أموالنا، وكذلك كان القائمون على المكتبات الحكومية في الدول العربية المشاركة يهدوننا بعض الكتب حين يعرفون اهتمامنا البالغ بكتبهم وإصدارات دورهم، بل إن صديقي د. إبراهيم محمود كان يدفع أحيانا لدار النشر ثمن الكتاب الذي يريده على أن يرسلوه له بعد السفر مع بعض المقيمين بمصر ونذهب لتسلمه.

            كان المعرض ولا يزال فرصة للتلاقح الفكري والتواصل الحضاري مع الدول العربية والأجنبية التي تشارك فيه سنويا، وكنا نطوف على أجنحة الدول لشراء الكتب بأثمان زهيدة وبخاصة من الجناح الروسي والجناح العراقي والجناح الليبي حيث كانت الكتب مدعومة دعما كبيرا في هذه الدول.

            وقد شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب تطورا كبيرا على مدى أكثر من نصف قرن وتنقل في ثلاثة أماكن فمن أرض المعارض بالجزيرة إلى أرض المعارض بمدينة نصر، إلى أن استقر في مكانه الحالي الذي شهد طفرة كبيرة في التنظيم وصار طفرة حضارية بحسن تنسيقه وما فيه من خدمات وما يقدم فيه من ندوات فكرية ونقدية وأمسيات شعرية وحفلات لتوقيع الكتب منظمة سلفا بحيث يستطيع الزائر للمعرض أن يجد بغيته، ولا يكفيه يوم واحد بل لابد من عدة أيام ليقضي نهمته من الاطلاع على الجديد في عالم الكتب والموسوعات العلمية والأدبية وكتب التراث العربي.

            ولابد من الإشارة إلى سور الأزبكية الموجود في معرض الكتاب منذ سنوات والذي يعرض الكتب المتنوعة بأسعار أقل بكثير من أسعارها في المكتبات، وتشارك فيه مكتبات سور الأزبكية الشهير الذي يؤمه المثقفون من مصر وغيرها من الدول العربية والأجنبية بحثا عن كنوز الكتب القديمة، وكم اقتنينا من سور الأزبكية من نوادر الكتب وكذلك من سور جامعة الأزهر بالدراسة وسور السيدة زينب، الذي تم تنسيقه بطريقة حضارية لافتة بجوار محطة مترو السيدة زينب، وكل هذه المكتبات تجد لها مكانا بمعرض الكتاب فيسهل على مرتاديها المرور عليها واقتناء ما يروقهم من كتب قديمة ونادرة، ومن الكتب التي اقنيتها منها على سبيل المثال، فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب وفصيح ثعلب والكامل للمبرد في طبعة قديمة وغيرها من الكتب.

            ويستضيف معرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام إحدى الدول العربية أو الأجنبية لتكون ضيف الشرف، فتقوم مؤسسات الثقافة الرسمية في هذه الدولة المستضافة بإقامة الندوات الثقافية التي تلقي الضوء على هذه الدولة وثقافتها وحضارتها وأدبها، وتقدم بعض المطبوعات لزوار جناحها للتعريف بها، ويروقني دوما المرور على أجنجة هذه الدول، للتعرف عليها وعلى ثقافتها ومقابلة أدبائها وعلمائها ومفكريها ومثقفيها وتبادل الخبرات والكتب معهم والتعرف على الجوانب الثقافية والمؤسسات المعنية بالثقافة مثل الجامعات والأندية الأدبية واتحادات الكتاب، وكم اكتسبت من صداقات في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

            وقد زرت معرض الرياض للكتاب منذ ثلاثة عشر عاما، كما زرت معرض الشارقة للكتاب منذ سنوات، ولكن يبقى معرض القاهرة الدولي للكتاب مزارا سنويا للأدباء والنقاد والشعراء وكتاب القصة والمثقفين من مختلف الدول العربية، يحرصون على حضوره لاقتناء الكتب ولقاء الأصدقاء وإقامة الندوات الخاصة بكتبهم ومطبوعاتهم الجديدة، ويؤقت كبار الأدباء زيارتهم السنوية لمصر على موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يوافق إجازة منتصف العام الدراسي.

            وتحرص المدارس في مصر وكذلك الكليات والجامعات ونوادي الأدب على تنظيم الرحلات طوال أيام المعرض فتكون هناك فرصة لاقتناء الكتب وحضور الندوات والأصبوحات والأمسيات الشعرية التي تجمع الشعراء من مختلف محافظات مصر، فيحدث التقارب بينهم ويتم التواصل وتبادل الكتب والدواوين، ويتعرف النقاد على الأدباء والشعراء في هذه الندوات، فيسهم هذا اللقاء في إثراء الحياة الثقافية في مصر والبلاد العربية.

            وينبع حرصي على حضور معرض الكتاب من توثيق الروابط الثقافية حيث أحرص على المرور على أجنحة الدول العربية لكوني رئيس لجنة العلاقات العربية بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر منذ عامين، وأقوم في كل شهر باستضافة دولة عربية، حيث نتواصل مع الملحق الثقافي ونحظى بحضوره وبعض أدباء هذه الدولة المقيمين بمصر أو الزائرين لها، وهذا يحدث تقاربا ثقافيا بين الشعوب العربية في طبقة المثقفين وقادة الرأي الذين يمثلون القوة الناعمة لهذه الدول، مما يعود على الثقافة والأدب بالخير ويزيل الحدود المصطنعة، وقد ألتقي بالملحقين الثقافيين في معرض الكتاب حيث يحرص بعضهم على المرور على دور النشر الخاصة بدولهم، فقد التقيت في معرض العام الماضي بالدكتورة ضحى الشويخ الملحق الثقافي للسفارة التونسية بالقاهرة وقامت بدعوتي لحضور ندوة لأحد مثقفي تونس عن الصلات الثقافية بين مصر وتونس، كما التقيت بمسؤولي الثقافة في المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية.

            والتقيت في المعرض بمسؤولي المشروع الوطني للقراءة وأ.د. عبده إبراهيم منسق مشروع القارئ الماسي بمصر، وكان من نتيجة ذلك مشاركتي في هذا المشروع المهم في دورته الثالثة عام 2023م، والذي وزعت جوائزه في ديسمبر 2023م.

            كما أحرص على زيارة جناح الأزهر الشريف الذي ينظم الندوات للتعريف بالإسلام الوسطي، ويقدم مطبوعات المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية بأسعار زهيدة كما يقدم بعض الهدايا للزوار من كافة دول العالم وبخاصة من طلاب شرق آسيا الدارسين بالأزهر الشريف الذين يبهجني حرصهم على التزود من الثقافة الإسلامية من معينها الصافي بالأزهر الشريف.

            وكما أحرص على حضور الندوات فإنني أحرص على المشاركة إنْ أتيح لي ذلك، وقد سبق أن شاركت في مناقشة الأعمال الشعرية الكاملة بالفصحى للشاعر والباحث الكبيرالصديق أ. عبد الستار سليم، فقد ناقشتها في ندوة بدار الهلال، كما ناقشتها في ندوة بمعرض الكتاب بمدينة نصر قبل انتقاله إلى مقره الجديد.

            تحية من القلب للقائمين على معرض القاهرة الدولي للكتاب، في عامه الخامس والخمسين، وعقبى للعيد الماسي ثم المئوي ومصرنا الحبيبة بخير ورخاء مادي وثقافي وعلمي وأدبي لتظل قبلة لمرتاديها ومنارة ثقافية لمثقفي الدول العربية ومثقفي العالم.

وتحية لمجلة الهلال الغراء التي حرصت على المشاركة في هذا العرس الثقافي السنوي بتخصيص عدد شهر فبراير لهذا الحدث الثقافي العالمي المهم.

            وتحية لمصرنا الحبيبة منارة الثقافة العالمية.

Dr.Radwa
Egypt Air