الثلاثاء 30 ابريل 2024

أمينور رحمن: شاعر من آسيا يمزج بين الواقع والخيال Aminur Rahman


د.ٍ سارة حامد حواس

مقالات5-2-2024 | 12:00

ترجمة وتقديم د.ٍ سارة حامد حواس
  • أمينور رحمن شاعرٌ مُتجدد في أسلوبه الشعري ينعكس حبه للطبيعة في قصائده، فمن يقرأ شعره قد يشعر للوهلة الأولى أنه سافر  بعيدًا إلى بلاد العجائب حيث الهدوء والطبيعة الساحرة
  • كتابته الشعرية تعكس الذات الإنسانية بتقلباتها من دون تكليف، فتارة يكتب عن الحُبِّ والغزل وتارة أخرى يكتب عن الحزن والوحدة، فحرفه يرقص  طربًا في قصيدة  ويرقص ألمًا في أخرى

 

أمينور رحمن الذي خصَّص له معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين لقاء موسَّعًا استمر ساعة ونصف السَّاعة أدارته وترجمت قصائد الشاعر الدكتورة سارة حواس مدرس الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة المنصورة هو واحدٌ من أبرز شعراء بنجلاديش وآسيا ،يمثلُ اللغة البنغالية (لغة طاغور) في المشهد الشِّعْري العالمي .

وهي المرة الأولى التي يزور فيها شاعر بنجلاديشي القاهرة

آمينور رحمن شاعرٌ ومترجمٌ وناقدٌ بنجلاديشي ينبضُ بالحياة والحبّ والحيوية، يهوى السفر والترحال فهي جزءٌ من تكوينه وربما كثرة أسفاره إلى  بلدان مختلفة حول العالم  أصقلت موهبته الشعرية التي تمتاز بالبساطة والحيوية والعذوبة، فمن يقرأ شعره قد يشعر للوهلة الأولى أنه سافر  بعيدًا إلى بلاد العجائب حيث الطبيعة الساحرة والهدوء فدائمًا ما ينعكس حبه للطبيعة في قصائده  كما أنه شاعرٌ مُتجدد في أسلوبه الشعري  حيث لا يتبنَّى شكلًا مُحدَّدًا لشعره، فقط يطلق لروحه الحُرَّة العَنان لتكتب وتُعبِّر وتقفز بعيدًا خارج حدود ونطاق المكان والزمان ليصل إلى أبعد نقطةٍ يمكنه أن يصل إليها، لا يتقيد بوزنٍ أو قافيةٍ، فهو من مدرسة الحداثة؛ شكلًا ومضمونًا ، كما أن كتابته الشعرية تعكس الذات الإنسانية بتقلباتها  كما هي من دون تكليف فتارة يكتب عن الحُبِّ والغزل وتارة أخرى يكتب عن الحزن والوحدة والعُزلة، فحرفه يرقص  طربًا في قصيدة  ويرقص ألمًا في قصيدة أخرى وهذا يعكس تقلبات الإنسان المزاجية وتناقضات الذات الإنسانية وهذا يدل على شفافيته ورهافة مشاعره وصدقه في التعبير عما يختلج في نفسه من مشاعر مختلفة في فترات مختلفة من حياته.

وُلد الشاعر أمينور رحمن في دكَّا ببنجلاديش عام ١٩٦٦، وتخرج في كلية الصيدلة بجامعة دكَّا وحصل على درجة الماچستير من الجامعة نفسها، ونشر ست مجموعات شعرية باللغة البنغالية وتُرجمت أعماله إلى أكثر من خمس وعشرين لغة ، منها اللغة الإنجليزية والإسبانية والألمانية واليابانية والمنغولية والعربية كما أنه يعمل مترجما فترجم ثمانية كتب شعرية وحرَّر  عددًا كبيرًا من المجلات والكتب الشعرية، كما قرأ شعره في العديد من المهرجانات الأدبية والشعرية في بلاد شتَّى حول العالم وقد مثَّل بنجلاديش في مهرجان الشعر فيكولومبيا ومنجوليا والعراق واليابان وسيريلانكا وإسبانيا ونيكاراجوا وأخيرا ماليزيا في مهرجان ضخم يُقام من ٧ إلى ١٤ ديسمبر ٢٠٢٣ يضم العديد من كبار الشعراء حول العالم منهم الشاعر والكاتب والصحفي المصري أحمد الشهاوي والشاعر الماليزي رچا أحمد أمين الله وهو منظم ذلك المهرجان الكبير وله اهتمامات كبيرة في إقامة مهرجانات أدبية شعرية بمثابة ملتقيات يلتقي فيها كبار المثقفين من شتّى بِقاع الأرض و الشاعر والروائي والأكاديمي الماليزي ملاكاي إدوين و الشاعر الإسباني فرانسيسكو مانوز سولر و غيرهم من شعراء وشاعرات من جغرافياتٍ مختلفةٍ.

تدور تيمات قصائد الشاعر أمينور رحمن حول الحب والسياسة والطبيعة والحزن والعزلة والوحدة، وبرغم وظيفته كصيدلي فإن الطابع العملي والعلمي الذي يُغلِّف وظيفته لم يطغ على رهافة حِسِّه ولم يُؤثر على علاقته بالشِّعر بل ربما استخدمه  كوسيلة للهرب من جمود الطابع العلمي الذي يسود عمله كصيدلي يتعامل مع الأدوية والتراكيب الكيميائية، وبرغم وجود هذا التناقض بين طبيعة الشعر والدواء،  فإن موهبةأمينور الشعرية غلبت وانتصرت واستطاع بكل عذوبةٍ أن يفصل بين الشيئين المتضادين ،كما أن أمينور لجأ إلى الأساطير في قصيدته '' سندريلا'' Cindrella

وسرد لنا من خلالها قصته مع سندريلا،كيف رآها وكيف تمناها وكيف ظهرت له وماذا فعلت إزاء كل ذلك الحُب.

أمينور شاعر الخيال والواقع يستطيع أن يرسم بحروفه مشهدا طبيعيًّا مليئًا بالأشجار والزهور والأنهار ويسلب القلوب بوصفه لكل تلك الأشياء باستخدامه التعابير الوصفية الدقيقة والعديد من الاستعارات والصور الجمالية التي تخدم النص وتُزيد من عذوبته وجماله، فتتدفق  جُمله الشعرية بإنسيابية وسهولة تجعلك تُسافر إلى عالم غير العالم ، كما أنه شاعرٌ واقعيٌّ حيث تحدث بكل واقعية في قصيدته '' أريد عودة فلسطين'' Want Back Palestine عن قضيةفلسطين والمذابح التي حدثت وتحدث فيها من دون رحمة  كما لو أنها قصيدة تقريرية تسرد ما يحدث في فلسطين من ظلم وقهر واستعباد، فهي قصيدة متدفقة المشاعر ذات حسٍّ عالٍ بالإسلام والقضية الفلسطينية واستُخدِمَت الحماسة لغةً في أسلوبها وهي تعبر عن موقفالشاعر السياسي إزاء الاعتداءات والمظالم التي تتعرض لها الشعوب المسالمة كما أننا نلحظ موقف الشاعر من السياسات الاستعمارية التي عاشتها الشعوب ومن بينها شعوب آسيا، وبهذه القصيدة أعلن أمينور رحمن عن الجزء الواقعي والعملي  من ذاته وتكوينه وعبَّر عنه بكل صدق وتعاطف مع الشعب الفلسطيني من دون مبالغة أو تكلف، فاستخدم تعبيرات بسيطة لكنها عميقة أسرت العقل والقلب والروح معًا.

وفي حوارٍ لأمينور رحمن مع الصحفية الشهيرة ببنجلاديش "نجيبة فرحات" تحدَّث عن وسام الترجمة الذي حصل عليه برغم أنه شاعرٌ منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

 وقال إن هويته الأولى هي بالتأكيد الشاعر، لكنه أيضًا ترجم الكثير من القصائد لشعراء من بلدان أخرى إلى البنغالية،  ولايهتم بترجمة النثر حيث لايستهويه ترجمته، وقال إنه وجد كل الشعراء الكبار قد ترجموا كتبًا لشعراء عظام من مختلف بلدان العالم حيث ترجم الشاعر شمس الرحمن  أشعار روبرت فروست، كما ترجم الشاعر الدكتور منير الزمان أعمال إميليدي كنسون، ففضَّل أن يمشي على ذلك الدرب ويترجم بعض أعمال الشعراء الآخرين، وقال أمينور رحمن: إنه يُفضِّل ترجمة شعراء معاصرين أي من مدرسة الحداثة، فنُشر أول عمل ترجميٍّ له في عام ٢٠٠٠ حيث ترجم كتابًا شعريًّا للشاعر الهندي سوديب سن الذي يكتب بالإنجليزية إلى البنغالية، وتحدث أمينور عن بداية ولعه بالشعر وقال إنه كان يمارس الأدب بمفرده أي باجتهادٍ شخصي وحب وولع بالأدب بعيدا عن تخصصه ودراسته في الصيدلة و كان يتجول هنا وهناك لجعل الأدب جزءًا من حياته اليومية ونشر أول قصيدة له وهو في الصف التاسع في صحيفة الاتفاق اليومية، وقال إن سبب اتجاهه إلى ترجمة الشعراءالمعاصرين هو كثرة أسفاره وحضوره مهرجانات أدبية شعريةحول العالم، جعلته يتعرف عددًا كبيرًا من الشعراء المعاصرين، والتأثر بهم وبكتاباتهم  الشعرية، وقال إنه يشعر بالرضا والسعادة الكاملة عندما ينتهي من كتابة ديوان أو عمل ترجميٍّ وليس هذا معناه أن هذا يشعره بالاكتفاء بهذا الحد من النجاح ،لكنه أكد  أن النجاح  والانتهاء من عمل بنجاح يحفزه على الاستمرارية في الإنتاجية  والعطاء.

استمتعت كثيرا بترجمتي لقصائد  أمينور رحمن، حيث شعرتُ بالبساطة والسلاسة تتدفق من حروفه حتى قصائده الحزينة تقطر أحاسيس أنيقة غير مُتكلفة، فقراءة السطر الأول من قصيدته يجعلك تلهث وراء قراءة بقية القصيدة بل والديوان بأكمله وذلك هو الشعر الآسر: البساطة والعمق معًا.

قصيدة لأمينور رحمن

ليلة اكتمال القمر(Night of the Full Moon)

ترجمة: د. سارة حامد حوَّاس

لقد حَملتُ الحُبَّ من الصحرَاءِ.

لقد حَملتُ الحُبَّ من البحرِ

لقد حَملتُ الحُبَّ من الجِبالِ.

لقد حَملتُ حُبِّي أيضًا.

أي عُنوانٍ أرسِلُهُ إلَيهِ؟

القَمَرُ أم الحُلمُ أم زمَنٌ لا نِهَاية له-أين؟

ما عُنوَانُكِ؟

الشَّمالُ، أم الجَنُوبُ أم الشَّرقُ أم الغَّربُ-أين؟

إنه ثَقيلٌ جدًّا لأحمِلَهُ.

لقد أصبحَ الآنَ أثْقَلَ  بالموسيقى والذِّكرَياتِ والرَّغْبةِ.

فأي عُنوانِ أرْسِلُهُ إليهِ؟

لقد سألتُ المِسَاحاتِ الخَضرَاءَ الواسِعَةَ عن عُنوانِكِ

وسألتُ الجَليدَ الأَبيضَ عن عُنوانِكِ

سألتُ الشَّلالَ عن عُنوانِكِ

لا يعرفُ أحدٌ منهم عُنوانَكِ.

لقد احتَفَظتُ بحُبِّي في السَّماءِ

مُحَاطًّا بالنُّجُومِ الَّلامِعَةِ

وقَريبًا من القَمرِ.

في لَيلةِ اكتِمَالِ القَمَرِ

يُمكِنُكِ أن تَجديها هُناكَ.

عِندَما تُنصِيتِنَ إلى مُوسِيقى النَّهرِ،

وتُشمِّينَ رَائِحةَ الزُّهورِ

وتَشعُرينَ بالنَّسيمِ على وَجهِكِ

في ليلةِ اكتِمالِ القَمرِ، يُمكنكِ احتِضَانها جَميعًا.

 

قصيدة لأمينور رحمن

أُريد عَودَة فَلسطِين (Want Back Palestine)

ترجمة:د. سارة حامد حوَّاس

 

سَئِمتُ من مُشَاهدةِ وَأدِ الأطفَالِ

والنَّرجِسِيَّةِ كُل يَومٍ.

أنصِتُ  كُل يَومٍ إلى عُنفٍ

ورِثَاءِ أُمهَاتٍ وبُكَاءِ أطفَالٍ.

أُشَاهُدُ كُل يَومٍ صُفوفًا من الجُثثِ

كَما لو كُنتُ أُكَفِّن نَفسي.

يَومًا بعد يومٍ وسنةً بعد سنةٍ،

أُشاهِدُ المَشهدَ نَفسَهُ.

أتَحوَّلُ من إنسَانٍ إلى كَيانٍ جَامدٍ

بِزَفيرٍ صَامِتٍ.

يَنْتظرونَ بِشوقٍ

التَّحررَ من تَعقِيداتِ الحياة

في كُلِّ مَكانٍ..

أُريدَ عَودةَ الهَواءِ النَّقي في رام الله وغَزَّة والقُدسِ

حَيث تَطيرُ الطُّيُورُ بِحُريٍة

وتَنتفِضُ أورَاقُ الزَّيتُونِ مُهَلِّلةً.

أُريدُ عَودةَ فَلسطِين

أتحسَّرُ يا فَلَسطِين

أنتِ مُسْتَعبَدةٌ اليومِ.

العالَمُ كُلهُ أبْكَمُ وأصَّمُّ.

والكِتمَانُ في كُلِّ مَكانٍ

يَتأملُ العالمُ كُلَّ الأمَاكِنِ

بصمتٍ وخوفٍ ورُعبٍ

وانعدام الإحساسِ يِصل إلى ما لا نِهايةٍ.

 

أتحسَّرُ يا فَلَسطِين

فَنحنُ  بجانب أولئك الذين ليس لديهم وَطنٌ،

الذين  يجب أنْ يَحمِلوا لَعنةَ تَارِيخِهِم القَدِيم.

يُحَاوطُونِكِ اليوم

أُولئك الذين جَاءُوا لاَجِئِينَ

وصاروا هتلر الآن.

نحن بِجَانِب هَؤلاء.

أتحسَّرُ يا فَلَسطِين سَامِحِينا

فإننا نُظهِرُ رِضَانا عن قَتلِ طِفلٍ تِلو الآخرِ،

وهدمِ المَبَاني التَّارِيخِيةِ.

تُستَهدَفُ المَدارسَ وتقعُ تحت تَدميرٍ عَظيمٍ

لكي تَصبحوا أُميينَ إلى الأبدِ.

أتحسَّرُ يا فَلسطين

كُلنا مُدَّعُون لا نفهم.

كم نحن نُضيِّقُ الخِناقَ عليكِ من كُلِّ الحُدودِ.

أتحسَّرُ يا فَلسطِين سَامِحِينا

رِسَالةُ التَّارِيخُ المُنزَّهةُ لا تَذْهبُ سُدى.

بُكاءُ طِفلٍ بَرِيءٍ لا يَذْهبُ سُدى.

رِثَاءُ أُمٌ فَقدتْ طِفلَها لا يَذْهب سُدى.

العَلَمُ الغَارِقُ في دَمِهِ لا يَذَهبُ سُدى.

ستنتَفِضُ أرضُ القُدسِ وغَزَّةَ ورام الله

مهما تجاهلنا.

ستَعلو مياه  البَحر المُتَوسِطِ

مهما أغلَقنا أعيُننا.

أرضُ غَزة المُقدَّسةِ حمراء بدَمُكم.

فَلَسطين سَامحينا

انظُري

العَالمُ كله سيستيقِظ اليوم.

مهما استَمَر الفسَادُ لأيامٍ أو حتى لِسنواتٍ عَديدةٍ،

سَينتَهي كُل ذلك في نِهايةِ المَطافِ

وستستيقِظُ الإنسَانِية في يَومٍ ما.

اليوم صَوتُ من يدعمُكِ في كل مكَانٍ

يَهتِفُ نُريدَ عَودةَ فَلسطين

كُوني صَبُورًا لبِضعةِ أيَّامٍ أُخرى

واربِطي حَجرًا على صَدرَكِ لبضعةِ أيَّامٍ أُخرى

سَتَكُونَ أرضُك لكِ

لا بد أن تَكُونَ لكِ

فالتَّارِيخُ يَقول ذلك.

الحقيقةُ لا يُمكِن دَفنُها.

عندما تَطيرُ طُيورَ البَحرِ،

وتُزهِرُ زُهورُ الخشخاش

وتنتشرُ بسَاتِينُ الزَّيتون

في كل أنحاء فلسطين

تذكَّرْني يا صديقي، فقد كُنتُ مَعكَ.

هذه هي فلسطين موطني

أجدادي  فلسطينينا

نُريد عودة فلسطين.

Dr.Randa
Dr.Radwa