للمرة الأولى يطفو التباين بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى السطح بهذه الطريقة، على الأقل من الجانب الأمريكي، لا سيما بعد أن وجَّه الرئيس (الديمقراطي) جو بايدن واحدة من أشد انتقاداته حدة لحكومة تل أبيب، برئاسة بنيامين نتنياهو.
وفي مؤتمر صحفي كان مخصصاً فقط للرد على تقرير المحقق الخاص روبرت هور في قضية احتفاظ الرئيس الأميركي بـ"وثائق سرية" عُثر عليها في منزله ومكتبه، قال بايدن إن "الرد في غزة مبالغ فيه"، في إشارة إلى الطريقة التي تشن بها إسرائيل الحرب على القطاع الفلسطيني.
وجاءت إجابة الرئيس الأمريكي بعد ساعات من إعلان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، معارضة واشنطن لأي عملية عسكرية على رفح الحدودية مع مصر.
وقال بايدن إنه مارس ضغوطاً على حكومة نتنياهو من أجل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مشيراً إلى أنه يواصل العمل "بشدة" للتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بما يسمح بإطلاق سراح المحتجزين في القطاع، مضيفاً أن الاتفاق قد يؤدي إلى وقف مستدام للحرب.
واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، أن الرد العسكري الإسرائيلي في غزة "جاوز الحد"، في واحدة من أشد انتقاداته حدة لحكومة تل أبيب برئاسة بنيامين نتنياهو.
وكان كيربي أوضح - خلال المؤتمر الصحفي اليومي للبيت الأبيض - أنه "في غياب أي اعتبار كامل لحماية المدنيين، فإن العمليات العسكرية (في رفح) ستكون كارثة لهؤلاء الناس، وهو أمر لا نؤيده".
وأشار كيربي، إلى أن الإدارة الأمريكية، ليس لديها علم بأي عملية وشيكة في رفح، بينما تحاول الولايات المتحدة.. التوسط في اتفاق آخر لوقف إطلاق النار لضمان إطلاق سراح الرهائن المحتجزين، لكن حركة "حماس" طالبت بإنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، وإطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين.
ورفض نتنياهو، هذه المطالب ووصفها بأنها "وهم"، الثلاثاء، وقال إن إسرائيل لن توافق أبداً على أي اتفاق سيجعل "حماس" تسيطر بشكل كامل أو جزئي على الأراضي التي تحكمها منذ عام 2007.
كما أصدر البيت الأبيض، مذكرة أمن قومي جديدة تطالب الحكومات الأجنبية بالتعهد خطياً بعدم استخدام أي أسلحة أمريكية في "عمليات لا تحترم القانون الإنساني والدولي". وطلبت المذكرة من وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين الحصول على تلك الضمانات، وتقديم تقارير دورية للكونجرس بشأنها.
وجاءت هذه المذكرة رداً على انتقادات متزايدة من ديمقراطيين بارزين، بشأن الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، وما إذا كانت تلتزم بالقانون الدولي، على الرغم من تلقي أسلحة أميركية ومساعدات بمليارات الدولارات، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وأنهى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الخميس الماضي، جولة هي الخامسة له في الشرق الأوسط ختمها في إسرائيل، حيث بدا التباين واضحاً مع تل أبيب.
وعقد بلينكن مؤتمراً صحفياً في ختام جولته، منفصلاً عن مؤتمر نتنياهو، وأعلن فيه أن هناك ما يمكن البناء عليه في رد "حماس" على مقترح الهدنة، في أحدث مؤشر على تزايد الانقسام، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" بين الحليفين المقربين بشأن المضي قدماً.
وغادر وزير الخارجية الأميركي الشرق الأوسط بعد أن تلقى "صفعة افتراضية" على وجهه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
ويتعرض نتنياهو لضغوط متزايدة من أسر "الرهائن"، وقاعدة واسعة من الإسرائيليين، لإعادتهم إلى الوطن، حتى لو تطلب الأمر التوصل إلى اتفاق مع "حماس"، فيما أقر مسؤول إسرائيلي رفيع واحد على الأقل، بأن إنقاذ المحتجزين "قد يتعارض" مع تدمير "حماس".
وقالت صحيفة "ذا هيل"، إن انتقادات بايدن لإسرائيل، تأتي في الوقت الذي تبذل فيه إدارته جهوداً مكثفة من أجل التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، للسماح بالإفراج عن "الرهائن" الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، وتوسيع نطاق تسليم المساعدات الإنسانية، وإعادة إعمار القطاع، وإفساح المجال أمام الجهود الدبلوماسية لمناقشة إنهاء الحرب.
وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية الأولية، تعرّض بايدن لانتقادات بسبب تصريحاته التي وصف فيها موت الفلسطينيين الأبرياء بأنه "ثمن شن حرب".
كما تعرّض بايدن لضغوط شديدة من أعضاء حزبه للتحدث بقوة أكبر عن الوضع في غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار، فيما قوبل باحتجاجات في كل مكان سافر إليه تقريباً خلال الأسابيع الأخيرة.
وانتقد بعض الديمقراطيين، والعديد من أعضاء الجاليات العربية، بايدن، بسبب دعمه القوي الأولي لإسرائيل في أعقاب هجمات السابع من 7 أكتوبر.
مع ذلك، حاول بايدن خلال الأشهر الأخيرة تغيير لهجته، وكان يضغط على إسرائيل لتكون أكثر تركيزاً في حملتها العسكرية، وحض المسؤولين في المنطقة على السماح بدخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة.
وذكرت "بلومبرج" أن عدد الضحايا في غزة، زاد الضغوط الدولية على إسرائيل، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، لإنهاء للقتال، كما تسبب في تعقيدات سياسية لبايدن قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، التي يسعى فيها للفوز بولاية ثانية.
وفي بعض الولايات المتأرجحة مثل ميشيجان، فقد بايدن، الدعم بين الأمريكيين العرب والمسلمين لعدم بذل المزيد من الجهد لوقف الحرب.
وأشارت وكالة "أسوشيتد برس"، إلى أن بايدن يتعرض لضغوط سياسية لإصلاح أي خلافات مع الناخبين الذين ربما يحتاج إليهم؛ لا سيما الجالية العربية في الولايات المتحدة، حيث واجه ردود فعل عنيفة متزايدة؛ بسبب دعمه الصريح للحرب الإسرائيلية في غزة.
والخميس، أرسل الرئيس الأمريكي، مجموعة من كبار المستشارين السياسيين إلى ميشيجان، التي تضم عدداً كبيراً من السكان العرب والمسلمين، للقاء أعضاء المجتمع والمسؤولين المنتخبين لمحاولة حشد الدعم.
وتلعب الولاية دوراً حاسماً في طريق بايدن إلى فترة ولاية ثانية، لكن الرئيس يواجه مشكلات خطيرة هناك، خاصة أن العديد من الناخبين العرب الأميركيين والمسلمين يحشدون لضمان عدم دعم أفراد مجتمعهم لبايدن في نوفمبر.
واعتبرت شبكة CNN الأمريكية، أن تقييم بايدن للحملة العسكرية الإسرائيلية على أنها "تجاوزت الحد" يمثل مرحلة جديدة في موقفه العلني من الحرب. فخلال معظم الأشهر الماضية منذ السابع أكتوبر، احتضن بايدن إسرائيل، ودافع بقوة عن حقها في ملاحقة "حماس".
وتحدث بايدن، الذي رفض من قبل الحديث بالتفصيل عن معاناة الفلسطينيين في غزة، بعبارات أكثر عمقاً حتى الآن، عن اليأس في القطاع. وتمثل هذه التعليقات "تحولاً مفاجئاً" بالنسبة لبايدن، الذي طالما كان يشدد على ارتباط عاطفي له بإسرائيل، ورفض إلى حد كبير انتقاد تل أبيب، حتى مع تزايد الغضب في صفوف الأطياف ذات الميول اليسارية في القاعدة الديمقراطية بشأن الحرب.
وتزايد غضب بايدن ومساعديه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تجاهل دعوات أمريكية متكررة للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، وإنهاء العمليات العسكرية في غزة والسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع، حيث يتعرض مئات الآلاف من السكان لخطر المجاعة والمرض، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وأشارت إلى أنه خلال الأسابيع الأخيرة، "أهان" نتنياهو، بايدن، بشكل علني، رغم تقديم واشنطن مئات الملايين من الدولارات في إطار عمليات نقل الأسلحة والدعم الثابت، حتى مع تصاعد الإدانات العالمية.
وأصبح نتنياهو متحدياً بشكل متزايد بشأن احتمال التوصل إلى حل الدولتين، الذي قال بايدن إنه يجب أن يتبع نهاية الحرب، ورفض هذا الأسبوع صفقة من شأنها أن تشهد إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين مقابل توقف طويل الأمد في القتال، بينما كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن في المنطقة.
وأغضب نتنياهو أيضاً، المسؤولين الأمريكيين عندما تعهد بمواصلة الحملة العسكرية الإسرائيلية في رفح بجنوب قطاع غزة، حيث فر أكثر من مليون فلسطيني بحثاً عن الأمان بأوامر إسرائيلية.
وقالت "نيويورك تايمز" إن بايدن، الذي أيد بقوة حق إسرائيل في الرد على الهجوم الذي شنته "حماس"، أعرب عن شعوره بـ"نفاد صبر متزايد" تجاه حجم ومدة الرد الإسرائيلي خلال اجتماعه مع الصحفيين في البيت الأبيض.
وكشفت مصادر لقناة "الشرق" السعودية، أن وزير الخارجية الأمريكي سيبلغ الرئيس محمود عباس خلال لقائهما المرتقب مساء الأربعاء، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين قبل نهاية 2024.
وأشارت إلى الرئيس لم يخطط للحديث عن المسألة، ليل الخميس، وكان يغادر غرفة الاستقبال الدبلوماسي في البيت الأبيض بعد إدلائه بتعليقات بشأن تقرير المحقق الخاص عندما دفعه سؤال أحد الصحافيين إلى العودة إلى المنصة.
من جانبها، اعتبرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن تعليقات بايدن، "غير واضحة" فُهمت على نطاق واسع، وتعد انتقاداً شديداً لإسرائيل، ولكن ربما صدرت في إشارة إلى مقترح "حماس" هذا الأسبوع بوقف إطلاق النار.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الرئيس الأميركي، أدلى بهذه التصريحات في نهاية مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض. وبينما كان يغادر الغرفة، صاح الصحفيون عليه بوابل من الأسئلة، بما في ذلك حول "مفاوضات الرهائن" و"نتنياهو يقول إنه أمر الجيش الإسرائيلي"، " فاستدار الرئيس وقال: "مفاوضات الرهائن، اسمعوا.." ثم عاد إلى الميكروفون.
ورجحت أن تصريحات بايدن بشأن الرد الذي "تجاوز الحد" جاءت رداً على السؤال الصريح بشأن "مفاوضات الرهائن"، في تكرار لعبارة "تجاوز الحد" التي استخدمها، الأربعاء الماضي، لوصف رد "حماس" على اتفاق تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن اتفاق الهدنة مقابل إطلاق سراح الرهائن.
وهذه هي المرة الأولى التي لا تتحفظ فيها واشنطن، على إبداء التباين مع إسرائيل بهذا الشكل، منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، ومن المرات النادرة تاريخياً أيضاً، إذ غالباً ما أُخذ على الإسرائيليين، اعتماد هذا السلوك، خصوصاً مع "إدارة ديمقراطية".
ولعل أبرز ما يحضر للذاكرة في تاريخ العلاقات، الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى واشنطن، حيث ألقى خطاباً في الكونجرس ضد سياسة الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، بشأن إيران في مارس عام 2015، وأيضاً عندما حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى المكتب البيضاوي، وجعله أوباما ينتظر قبل أن ينضم إلى لقائه.
لكن أهم ما يسجله التاريخ، هو تصريحات وزير الخارجية السابق جيمس بيكر أمام الكونجرس، عندما ترك رقم هاتف البيت الأبيض علناً، قائلاً إنه يمكن للإسرائيليين الاتصال عليه، إذا ما كانوا مهتمين بالسلام بجدية، وأيضاً عندما رد على النائب عن ولاية فلوريدا لاري سميث مفسراً، لماذا يريد وقف قروض بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل في ظل استمرارها ببناء المستوطنات.