في ذكرى ميلاد الملك فاروق، تنشر بوابة "دار الهلال" بعضًا من كواليس اليوم الذي ولد فيه آخر ملوك مصر، وذلك بحسب موضوع نُشر بـ مجلة "الإثنين"، التي سميت فيما بعد بـ"الإثنين والدنيا".

في الساعة الحادية عشرة صباحا

جلس و عظمة السلطان ، في مكتبه بعد مغادرته المكتب الرسمي، وهناك استدعى كبار خاصته وموظفى ديوانه واحداً بعد الآخر ، وراح يقول لكل منهم
والبشر الممزوج بالقلق باد على وجهه :
" يا ( . . . ) اننا ننتظر بمشيئة الله مولوداً اليوم أو الليلة، فأي اسم من هذه الاسماء "تستلطف" ، اذا كان ذكرا . . وأى اسم تختاره اذا كانت أنثى..".
ثم يقدم له الكشفين اللذين كان ممسكا بهما وهما بخط يده 
ويقول رجل السراي الكبير الذي استخلصنا منه هذا الكلام :  "والغريب ان احساس عظميا كان مستوليا علينا جميعا فكان كل منا يحب عن ذلك السؤال".

...، وبعد أن يختار أحدنا اسما من ذلك الكشف الذي حوى عشرين اسما مبدوءة بحرف الباء، كان عظمته يحيينا ، ثم يضع علامة بقلمه بجوار الاسم المختار
في منتصف الرابع
وفي منتصف الساعة الرابعة من بعـد ظهر ذلك اليوم اشتدت الحالة قليلا ، واخبر جلالته بذلك فعرف أن الموعد قد اقترب، ونزل إلى المكتبة وبقى بها يستدعى هذا، ثم ذاك ثم يمسك بآلة التليفون . . ثم يذرع الغرفة .. ثم يعود إلى الجلوس ، وقد بقى جلالته بها حتى أبلغ النبأ رسميا . وقد بقى جلالته طول سني حياته ولهذه المكتبة عنده ذكرى خاصة تحبب إليه الجلوس فيها
في أوقات الفراغ !
في منتصف الساعة الحادية عشرة مساء 
...، ما أفضى به إليه الطبيب الذي ظل يقوم
بواجبه حق انتهى منه، ولم يتشرف بأن يكون أول من يزف البشرى إلى جلالته لهذا السبب.
وقال الملك فؤاد وكانهـا راق له أن يسمع النبأ من جديد :
- قلت لي ماذا ؟
- تشرفت بأن قلت إنه مولود ذكر يامولاي 
ـ أهو الدكتور بنفسه الذي أبلغك
- نعم يا مولای
ويقول هذا الموظف الكبير نفسه :
وإن السرور إذا كان قد استولى علي قيراطا في ذلك الحين، فقد كان مستوليا على جلالة الملك فؤاد أربعة وعشرين قيراطا بل ثمانية وأربعين . . ولا غرو فقد رأيته.
إذا صح ما تقول يا باشا - وكائنما كان جلالته غير مصدق ـ فلست أدري كيف أكافئك |
" ثم راح جلالته يتمشي في الجانب الداخلي من قاعة المطالعة بالمكتبة الملكية وهو مطرق برأسه وأنا واقف في مكانى إذ لم يأمرني جلالته بالخروج ، وما لبث
جلالته ان اقترب مني وقال :
– "أشكرك يا باشا سأتأكد أولا . .فاذا كان كما قلت فهو  "فاروق" !
 وبلغنى بعد ذلك بدقائق أن جلالته
قال لـسعادة رئيس ديوانه السلطاني عنـد ما أبلغه الخبر رسميا : " أرجو أن يكون عهد ولدي عهد خير وبركة على البلاد".
في الساعة الحادية عشرة مساء

تسربت أنباء الحادث السعيد إلى كبار رجال السراي، وعنهم عرفها سائر موظفيها وخدمها على اختلافهم، وأذاعوها خارج قصر عابدين ولم يكد الليل ينتصف حتى كانت هذه الانباء قد ملأت القاهرة والأسكندرية وسائر المدن الكبرى.
فأخذت الناس موجة من البشر والسرور لمقدم المولود العزيز وقبيل ذلك كان الخبر قد أبلغ أيضا بالتليفون الى دولة .. رئيس الوزراء ومعالى والد جلالة الملكة،
وإلى بعض الامراء والكبراء وذوى الجاه والمكانة في البلاد، وكذلك عرفته الوكالة البريطانية ولكن من تسرب الأنباء وليس بطريقة رسمية.

في الساعة التاسعة من صباح الخميس

استدعى المرحوم يوسف وهبة باشا رئيس الوزراء، سعادة سكرتير عام مجلس الوزراء وطلب إليه إبلاع النبأ إلى حضرات زملائه أصحاب المعالي الوزراء....
وفى الساعة التاسعة من صباح الخميس عقد مجلس الوزراء جلسة خاصة بوزارة المالية وقرر إبلاغ بشرى مولد "الأمير فاروق" إلى المحافظات والمديريات.
في منتصف الحادية عشرة
وفي منتصف الحادية عشرة أذاعت سكرترية رئاسة مجلس الوزراء الخطاب السلطاني الكريم الذي تلقاه دولة رئيس الوزراء، وأردفته بخلاصة ما استقر عليه -
رأى المجلس، ونحن نثبت هنا نص الخطاب والقرارات نظراً لأهميتهما التاريخية.

التبليغ الملكي الرسمي
المنة لله وحده ـ بما أنه في الساعة العاشرة والنصف من مساء أمس الأربعاء المبارك ٢١ جمادى الأولى سنة ١٣٣٨ الموافق ١١ فبراير سنة ١٩٢٠، قد من علينا بولد ذكر سميناة "فاروق" فقد استصوب لدينا إصدار أمرنا هذا لدولتكم إحاطة لعلم هيئة حكومتنا بهذا النبأ السعيد
لاثباته بنحل خاص يحفظ برئاسة مجلس وزرائنا، وتعميم نشره في جميع أرجاء القطر مع تبليغه لمن يرى
لزوم تبليغه إليه بصفة رسمية، وإجراء ماينبغى إجراؤه بهذه المناسبة المباركة ، وإنى أسأل الله القدير المنان
 أن يجهل هذا الميلاد مقرونا باليمن لاسعاد للبلاد والعباد من فضله وكرمه.

قرارات مجلس الوزراء
وهذه هي القرارات التى أصدرها مجلس الوزراء الوزراء عقب تلاوة رئيسه لهذا التبليغ الملكي الكريم:
١ - إبلاغ هذه البشرى إلى جميع
2-....................
3- إطلاق 21 مدفعا بالقاهرة والاسكندرية إعلانا لها.
4- تعطيل المدارس والدواوين في هذا اليوم السعيد.
في الساعة الحادية عشرة
تشرف مقابلة عظمة السلطان المغفور له عبد الرحيم صبرى باشا والد جلالة الملكة نازلى وبقي في حضرة السلطان زهاء ربع ساعة.
 ثم قابل عظمته فخامة نائب المندوب السامي سير مالن تشيتهام، وبعده دولة المرحوم يوسف وهبة باشا رئيس الوزراء ومن بعده الوزراء، ثم المستشار
المالي البريطاني

في منتصف الثانية عشرة
كان النبأ قد عم البلاد ، فهرع كبار رجال الدولة الرسميين الى قصر عابدين للتشرف بتقديم واجبات التهنئة والتبريك وفي مقدمتهم أصحاب السعادة وكلاء الوزارات والمستشارون والقناصل و الوكلاء السياسيون
والعلماء الدينيون ، وقد تم ذلك بتسجيل هؤلاء لأسمائهم في دفتر تشريفات خاص بهذا الحادث السعيد.

عند الظهر
كانت البلاد من أقصاها إلى أقصاها في أفراح شاملة، وأقام كثيرون الزينات على دورهم وفى الشوارع، واستأجر بعض الأثرياء طبولا أخذت تدق من لحظة الى
أخرى وأطلقت المدافع الى صباح اليوم التالي. 
وانصرف الموظفون من دواوينهم والطلبة في القاهرة والاسكندرية والغربية من مدارسهم ، والجميع يحمدون هـذا الظرف السعيد ويرجون الله أن يبقى سمو
المولود ذخراً للبلاد في أيامها القادمة، كما خرجت الموسيقات الحكومية إلى الميادين والحدائق، وشاهد الناس لأول مره منذ عزل الخديوى عباس موسيقى حرس القصر وهي تشنف الأسماع بأعذب أمامها في
ميدان عابدين الذي حرم منها دهراً طويلا

في المساء
وعندما اقترب المساء ظهرت الصحف
وفيها ما يأتي :
مصر
۱ - تبرع عظمة السلطان بمناسبة مولد نجله الكريم بمبلغ عشرة آلاف من الجنيهات توزع على الفقراء في الأسكندرية وعواصم المديريات.
۲ – أعلن قسم الضبط والربط في وزارة الداخلية، أنه بمناسبة مولد الأمير صدر الأمر الكريم بالعفو عن المدة
الباقية لعدد من المحكوم عليهم بعقوبات... من المحاكم الأهلية وهم الذين قدمت مصلحة السجون كشفا بأسمائهم . 
وقد كان
٣ - أوقفت المحاكم جلساتها وقرأ رؤساؤها على من كانوا حاضرين نص التبليغ السلطاني الذي أذاعته رئاسة مجلس الوزراء.
4 - قررت إدارة البورصة في الأسكندرية تعطيل أعمالها في ذلك اليوم وحذت حذوها بورصة الاوراق المالية
بالقاهرة. وعند هذا الحد إنتهى مولد الفاروق.