الإثنين 29 ابريل 2024

منى طارت..

مقالات14-2-2024 | 13:26

التقيت منى ذكي أثناء تكريمها في مهرجان أسوان لسينما المرأة في عام 2018 بمدينة أسوان الساحرة ، في ندوة عقدت  لها مع رواد المهرجان والنقاد والسينمائيين أدارتها الناقدة والصحفية انتصار دردير، كانت منى دبلوماسية في اجاباتها ودقيقة في كلماتها. أثير يومها موضوعات كثيرة من الحضور وبدا حرصهم على نجمة ارتبط بها وجدان الجمهور، كيف لا وقد واكبنا بدايتها وصعود ها ، منذ صباها عندما شاهدناها في مسرحية ( بالعربي الفصيح ) مع مجموعة شباب بدأت مواهبهم في مدرسة محمد صبحي ولينين الرملي وأحدثت المسرحية دويا فكريا وفنيا لم يتكرر كثيرا من حينها . 
 ثم نمت موهبة منى في مدرسة المسرح القومي المصري وابنها البار نورالشريف حين شاركت في المسرحية الخالدة (يامسافر وحدك) التي استمرت لأشهروبحضورجمهورغفير . وازدهرت موهبتها في السينما مع النمرالأسود أحمد ذكي ووحيد حامد وشريف عرفة في (أضحك الصورة تطلع حلوة ) حيث كانت السينما في حاجة لفتاة مصرية الملامح والروح وانطلقت منى وهذا كان محور حديث الجميع إليها في ذاك اللقاء أين انت ولماذا تغيبين فترات عن الشاشة ؟ 
  كان الحديث حول فكرة أن الفنان يحتاج المغامرة بموضوعات جديدة تمس حياة المتفرج موضوعات إنسانية أصيلة حتى لو اعترضت الرقابة أو لو وجد عائق من أي نوع ، وعليه التمسك بتلك الموضوعات الجادة  وذكرتها بقيام فنانات هامات في صناعة السينما بالانتاج حين لزم الأمر مثل الفنانات الكبيرات  ماجدة الصباحي ومديحة يسري وأتذكر انصات منى وتجاوبها مع الفكرة ومناقشتي حولها واشترك أكثر من زميل في الحوار. لذا أسعدني  أن تدعم منصة لانتاج أفلام للشباب والشبات كما انتشرت أخبار مؤخرا بلا تفاصيل حتى الاّن لكن النية والهدف نبيل وجدير بنجمة القيام به . 
   أتصورأن منى حققت منذ العام الماضي ماوعدت به منذ خمس سنوات حين قدمت مسلسل ( تحت الوصاية ) الذي توقف عند قضية شديدة الحساسية في مجتمعنا ، وما حقق من نجاح أكبر دليل على ماقصدنا حينها .  وتاكد الأمر عند بدء عرض فيلم (الطائرة 404) بطولة منى في دور سوف يظل في تاريخها ولاشك ، شخصية " غادة " الشابة التى تركض أمامنا على الشاشة منذ لحظة ظهورها إلى نهاية الفيلم لتثير في أذهننا كمتفرجين متوالية من الأسئلة لاتقل حدة عن ما تواجهه هي شخصيا ، مما تهرب غادة وإلى أين تسيروهل ستصل إلى ماتريد ؟  
لانعرف ، لكننا نريد أن نعرف لأننا تعاطفنا معها منذ بداية الحكاية وأبيها يبتزها للحصول  فلوس تكفي الدخان الذي يحتاج لمزاجه وزوجته تهمل وجودها وتهتم بجارة تزورها وبصنع كيكة لها أكتر من اهتمامهما بها . 

   أجاد كاتب السيناريو محمد رجاء عبر بناء قوى إخفاء المشكلة الحقيقية التي تركض وراءها البطلة طوال الأحداث ، وبدا إلينا ان المشكلة عادية قد يواجهها أي شخص وهي حاجة "غادة" إلى مبلغ مالي لعلاج أمها في المستشفى بعد حادث مؤلم كانت هي السبب غير المباشرله بعد تهجم امها عليها أيضا طلبا للمال ، 

بجدعنة وإنسانية تلزم غادة نفسها بتكاليف المستشفى رغم ضيق ذات اليد وضيق الوقت حيث تستعد غادة للسفر بعد أيام . مع  توالي الأحداث نتعرف على غادة وأسرتها ، أب لاهي غير مسؤل متزوج زوجة ثانية غير أمها وليس لديه فلوس للمساهمة في علاج زوجته الأولى هو فقط يأمر ويسب غادة يطالبها بتحمل مسئولية علاج أمها . فتذهب لصديقة قديمة تحاول الاستدانة منها وبالفعل تقرضها وتتصور غادة ان مشكلتها حلت لكن الصديقة تتراجع عن موقف الشهامة وتستعيد شيك المبلغ إلى أن تحقق غادة الشرط الذي تطلبه الصديقة وهو حضور حفل ساهر في منزلها . ترفض غادة شرط الحصول على المال لأنها تابت وتستعد لأداء فريضة الحج ، فنفهم طبيعة السهرة المرتقبة وعمل تلك السيدة وعلاقة غادة القديمة بها 
 تحاول غادة بيع سيارتها بواسطة فتاة كانت تعمل لدى السيدة الثرية أيضا ، لكن تفشل في الحصول على المبلغ المطلوب ، تحاول الاستعدانة من مدير شركة العقارات التى عملت بها لتكسب قوتها في طريقها للتوبة وإعالة نفسها ، فيلزمها ببيع أرض فضاء في الصحراء ، تعرف بعد عناء الترويج لها وايجاد شاري ، أنه هو ومن يبيعها نصاببين وأوراق الأرض غيرقانونية ، فلاتباع الأرض وتفشل مرة ثانية.  تكرر محاولة الاستعانة بصديق قديم للاقتراض منه ، فتفاجأ أنه الشاب اللاهي الذي خدعها بالحب وهما طلاب واعتدى عليها ثم تركها وتزوج زميلتهم الثرية المهذبة التي لم تفرط مثلها  . 
  لم تجد غادة مفرا من اللجوء لأخرهم وهو الثري المدمن المجرم ، فيتكشف لنا انها تزوجته من سنوات مضت وشهدت معه عذابات من نوع أخر حيث قتل أمه نتيجة الإدمان وسجن  لكنه رفض  أيضا مساعدتها بدون شروط ، كان يريد عودتها عن التوبة لأن هذا طريق حياتها الذي أحبها فيه واستنكر عليها أن تتطهر بينما هو ضعيف منكسر لايجد للتوبة طريق . 
 دائرة من الغدروالخيانة دارت بها بطلة الفيلم غادة دون مساعد أو معين فالأب وزوجته والأم طامعون في مالها ، يدعون الطيبة والشرف وهم يعرفون طريق الخطيئة الذي تحصل منه على المال ، أيضا من عرفت من الرجال الشيك ممن يعملون في التجارة  ظاهرهم رجال أعمال أولاد ناس وباطنهم نصابين يفعلون أي شيء مقابل المال . 
اذن فقد كان قرار غادة التوبة قرارا صائبا خروجا من  عالمها الفاسد الذي عاشت 
 فيه ، فيكون لجوئها إلى الصلاة واللجوء إلى رب العباد لتطهير روحها المعذبة أو العوم في ماء البحر محاولات صائبة ويقينية لتنفيذ قرارها وعزمها على فتح صفحة جديدة في حياتها التعسة ، حياة فقدت فيها الأمان والمحبة والسند .
  كانت منى ذكي على درجة كبيرة من الوعي بأهمية الدورفعبرت عن الشخصية وأزمتها الطاحنة بعمق ، فلمست بأدائها مشاعرالمتفرج الإنسانية ووضعته في حيرة أمام أسئلة خطيرة : هل غادة وحدها الخاطئة وهل هي وحدها من تحتاج التوبة والتطهر أم أن الجميع مخطئ  مثلها وربما أكثر وعليهم التوبة أيضا ؟ ومتى يشعرون بخطيئتهم مثلما شعرت هي ؟ 
يامنى صعد بك دور "غادة " لمكانة القمة في التمثيل وصعدت بأدائه  ليظل في تاريخ  السينما المصرية لأجيال قادمة ...

Dr.Randa
Dr.Radwa