الإثنين 6 مايو 2024

هل يستعيد الشعب الفلسطيني سيادته؟


عمرو سهل

مقالات18-2-2024 | 13:27

كانت كلمات وزير الخارجية سامح شكري خلال إجابته على سؤال وجه إليه حول حركة حماس على هامش مؤتمر ميونخ للأمن شديدة الوضوح وترسم واقعا يخشى كثيرون الخوض فيه وكيف أنها اليوم أصبحت غير مالكة لقرارها وغير قادرة على تغيير الوضع البائس الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم لا بنصر ساحق على إسرائيل يجبرها على كف دمار آلتها العسكرية ضد المدنيين كما هو الحال على الجبهة اللبنانية التي تفكر إسرائيل ألف مرة قبل فتحها في حرب واسعة كما لم يغيروا واقع الفلسطينيين بتشكيل جبهة موحدة بشرعية واضحة تفاوض تضم كافة مكونات الشعب الفلسطيني الذي احتكرت تحت شعارات تحرير الأقصى وزوال إسرائيل مصير هذا الشعب الذي يبدو هو الوحيد الآن بلا مقاومة تحميه أو مندوب يتفاوض على مصالحه وفق موازين القوى على الساحة العالمية وتشابكها مع المصالح الإسرائيلية شئنا أم أبينا.

بالطبع سيحلو للبعض توجيه الاتهام بأننا نخذل المقاومة وغيرها من اتهامات تظهر حين الحديث عن وحدة فلسطينية انتهت وتمزقت تحت سمع وبصر الجميع الذين سمحوا بهذا الانقسام وأولهم إسرائيل التي ظنت أن هذا الانقسام كفيل بإلهاء الفلسطينيين عن حقوقهم لكن رب ضارة نافعة فقد فطن الفلسطينيون إلى اللعبة وأن من يتاجرون بشعارات تحرير الأقصى وغيرها من الشعارات التي ترفع لتعجز أمامها عن انتقاد حماس وأنها خاضت مغامرة غير محسوبة لم تجر على الفلسطينيين إلا الوبال فلا أقصى تحرر ولا إسرائيل زالت بل بات حلم الفلسطيني اليوم أن يجد مكانا يهاجر إليه أو يقبله بل بات بعض الغزاويين يلومون من يطالبهم بالبقاء في أرضهم على أنه يحاصرهم ويمنع عنهم الغوث.. هل هذا كان هدف حماس وهو تهجير الفلسطينيين من أرضهم أو الموت عليها بلا ثمن ؟! هل تملك حماس لذلك ردا أو منعا هل تسمع تصاعد نبرة الغضب الشعبي داخل المناطق الفلسطينية وآخرها مهاجمة الفلسطينيين شرطة حماس على الجانب الفلسطيني من رفح والتي تستقبل المساعدات والتي تنتهي في يد تجار حماس ليبعيوها من جديد للفلسطينيين وهو إشارة مهمة بأن الفلسطينيين قرروا سحب ورقة الاحتكار التي تسير بها حماس في تقرير مصير الفلسطينيين وأنها مسألة وقت ليستعيد الفلسطينيون سيادتهم واستقلال قرارهم من تلك الدوائر التي تحرك حماس وفق أجندتها الإقليمية والدولية.. والإجابة ببساطة على السؤال السابق لا وهذا هو الهدف الوحيد الذي اتفق فيه ككل من نتنياهو وحماس وهو أنه لا أهمية لأسرى محتجزين ولا أهمية لمدنيين مهجرين يعيشون أصعب ظرف إنساني شهده التاريخ فكلا الطرفين لم يعودا منشغلين بالحرب ومن يفوز بها بل بات الفريقان مشغولين بالبقاء في السلطة بأي ثمن فلا نتنياهو يدفع الثمن ولا حماس من تدفع الثمن بل المعركة مفتوحة ويدفع ثمنها الشعب الفلسطيني أرخص من في المعادلة كلها.

وهناك دائما من يقول إن الحلم هو الوقود الذي يحرك عجلة الحياة، فهو القوة الدافعة التي تدفعنا نحو تحقيق أهدافنا وتحقيق أمانينا ولكن في بعض الأحيان ويمكن أن يكون الحلم الزائف هو الذي يعطينا فرصة للابتعاد عن الواقع والسير في طرق لا واقعية.

من يصدق يميل إلى مبالغة في تصوراته وتصوراته لدرجة أنه يبدو وكأنه يعيش في عالم من الخيال، بعيدًا عن الواقع الذي يتسم بالتعقيد والتحديات. فقد يتحول الحلم إلى مغالاة عندما يظن الشخص أن كل شيء ممكن وأنه يمكنه تحقيق أي شيء دون أي جهد أو تضحية.

 

ومع ذلك يجب أن ندرك أن الواقع لا يترك مجالًا للتخيلات الخيالية وأن التحقيقات الكبيرة تأتي بتكلفة باهظة من العمل الجاد والإصرار والتضحية فالحياة ليست كما نحلم ولكن يمكننا جعل أحلامنا تتحقق بالعمل الجاد والمثابرة في مواجهة التحديات وتجاوز العقبات لذا من المهم أن نتذكر أن الحلم بحد ذاته ليس كافيًا بل يجب أن يكون مدعومًا بالعمل الجاد والتخطيط الذكي لتحقيق الأهداف.

لذا لا أندهش كثيرا حين اسمع أن نتنياهو سحب وفده المفاوض أو حماس رفضت العرض الإسرائيلي فكلاهما متأكد أن وقف الحرب نهاية لوجوده وفي عالم المفاوضات والصراعات يكون النجاح غالبًا مرتبطًا بالقدرة على التفاوض مع الأطراف الفعالة والقادرة على اتخاذ القرارات زنتنياهو أسير المتطرفين في ائتلافه وكذلك حماس أسيرة من يحرجوها عن بعد ويوفورن لها التمويل لاستخدامها وبالمناسبة هم هم من يتباكون على مشاهد القتل والتنكيل التي يتعرض لها الفلسطينيون كل لحظة ومع ذلك يعتبر التفاوض مع شخص لا يمتلك السلطة الحقيقية في يده بل تكون قراراته تابعة لأطراف أخرى تموله أو تؤثر فيه تحديا كبيرا.

وفي حالة الصراع الفلسطيني تتداخل العديد من القوى والمصالح الدولية والإقليمية وتكون لها تأثير كبير على القرارات المتخذة من قبل الجهات الفلسطينية وفي ظل هذه الديناميات المعقدة يكون التفاوض مع شخص لا يملك القرار الفعلي في يده بل يتأثر بتدخلات أطراف أخرى تحديا حقيقيا وليس كل من ينتقد حماس خائنا كما هو الأمر مع من يطالبون نتيناهو بالرحيل أيضا ليسوا خائنين بل هما طرفان سئما تشبثهما بالسلطة حتى ولوكان على حسابهم وحساب وجودهم.

وبينما يسعى الفلسطينيون إلى تحقيق مكاسب وإحراز تقدم في مفاوضاتهم يجب عليهم أن يكونوا على علم بأن من يمثلهم قد لا يمتلك الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات وبالتالي يتطلب التعامل مع هذا الواقع المعقد والبحث عن استراتيجيات تفاوض مدروسة تأخذ في الاعتبار تأثيرات المصالح الأخرى والجهات المؤثرة في الخلفية ولعل واقعا جديدا يخلقه الناس في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة هو بداية الحل والخروج من الأزمة والتحرر من المبالغة في الوصول وتحقيق النتائج دون نظر إلى تكلفة وحين يأتي  اليوم التي تقرر فيه الأطراف الخارجية على الجانبين التوقف عن دعم هذا الطريق الذي لا يفضي إلى نهاية واضحة سيدفع كل من نتنياهو وحكومته المتطرفة وكذلك حماس إلى العودة إلى أرض الواقع والتخلي عن نظرية محو كل طرف للآخر وهو ما لن يحدث مطلقا لأنه في النهاية طالما بقي احتلال ستخلق المقاومة وإن اختلفت أسماؤها وألوانها ومن هذه النقطة الحل الحقيقي بيد الشعبين فإن تحرر كل منهما من أسر المبالغة سيصنع واقع جديد يوفر للجانبين بداية جديدة تفضي إلى هدنة دائمة وتمهد لخطوة أبعد يبحث عنها الجميع.. أما ربط بقاء الفلسطينيين ببقاء حماس فهو عين الخيانة والتضليل.

Dr.Randa
Egypt Air