انبثقت جماعة الحشاشين من الطائفة الإسماعلية في القرن الخامس الهجري، وقد أثارت الكثير من الجدل ليس فقط في المشرق إذ وصل صداها إلى أوروبا، ودار حولها الكثير من الأساطير والخرفات.
وتنسب تلك الجماعة إلى الحسن الصباح، الذي ولد في مدينة الري، فيما قال البعض أنه ولد في مدينة "قم" بفارس سنة 430 للهجرة، في أسرة شيعية تنتمي إلى مذهب الاثنا عشرية، وآنذاك كان الشيعة مضطهدين فاتخذو "التقية" وأظهروا أنهم من السنة، حتى لاينزل بهم ضرر.
وعلى هذا النحو كان والد الحسن، حيث أرسل الحسن إلى نيسابور لتلقي العلم على يد الإمام موفق الدين النيسابوري السني المذهب، الذي عرف بين الخاصة والعامة في ذلك الوقت بأن ما أحد تتلمذ عليه إلا أقلبت عليه الدنيا ووفق في مستقبل حياته توفيقًا يحسد عليه.
ظل الحسن على ما هو عليه من مذهب الاثنا عشرية، حتى التقى بأحد دعاة الإسماعيلية الفاطمية، فبايع للخليفة الفاطمي بمصر.
لم يكتفي بأن يعتنق المذهب فقط، بل أصبح داعيًا للمذهب بتكليفًا من عبد الملك بن عطاش -داعي الدعاة- بعد ذلك ذهب إلى القاهرة ليستقي علوم الدعوة عن شيوخها، الذين كانوا حول الإمام ثم لمقابلة الإمام نفسه، حيث يعتبر ذلك أحد أركان المذهب الإسماعيلي، إذ يرون ذلك على أنه التأويل الباطني للحج عندهم، فالحج الظاهر زيارة بيت الله الحرام، أما الحج الباطن فهو زيارة الإمام.
الوصول إلى القاهرة
وصل الحسن بن الصباح إلى القاهرة سنة 471 للهجرة، وكان طول الطريق يمني نفسه أن يأخذ علوم الدعوة الإسماعيلية عن المؤيد في الدين هبة الله بن موسى الشيرازي، الذي كان في مرتبة داعي الدعاة وحجة الإمام.
ولكن المؤيد قد توفي قبل أن يصل بن الصباح إلى القاهرة، لكنه اتصل بتلاميذه فاشتدت صلته بهم، ولاسيما أنه بهر كل من اتصل بهم بحدة ذكائه وتوقد ذهنه.
مع وصوله مصر، اتصل بالإمام المستنصر بالله، وأظهر استعداده أن يضحي بنفسه في سبيل الإمام، فخشى الوزير بدر الجمالي منه وعمل جاهدا على إخراجه من مصر.
فبدأ الوزير يدبر المؤمرات للإيقاع بإبن الصباح، ولكن كان حذرًا أشد الحذر من كل ما يحاك ضده، اضطر الحسن إلى الهرب من مصر نتيجة تلك الدسائس، فعاش فيها عام ونصف لم يقابل إمامه خلالها إلا مرة واحدة فقط.
قيام الدعوة
تنقل الحسن بعد أن ترك مصر في بلاد الشام والعراق وخوزستان ويزد، وكان يدعو للمذهب الإسماعيلي في كل بلد نزل به، فاستجاب له عدد كبير من الخلق.
أثناء ذلك، فكر في طريقه يخلص بها إمامه المستنصر بالله الفاطمي، مما كان يعانيه من تغلب وزيره بدر الجمالي عليه واستئثاره بالسلطة من دونه، حيث كان يريد الانتقام لإمامه من هذا الوزير وكذلك الانتقام لنفسه.
انتهى الحسن إلى إقامة دولة بفارس، ينتقل إليها الإمام المستنصر بالله، ويتخذها مركزًا لها وللدعوة الإسماعيلية، بدلًا من مصر، فأعد لمشروعه هذا عدته، ورسم الخطوات التي يجب أن تكون لتحقيقة.
بدأ ذلك، عن طريق اختيار مجموعة من الدعاة ذوي المواهب الفذه في المجادلة وأرسلهم إلى القلاع والحصون، وتمكن الدعاة من اجتذاب عدد كبير من سكان القلاع والحصون، لاسيما طبقة الجند.
ساعد الحظ ابن الصباح، إذ مات ملكشاه السلطان السلجوقي عدو الإسماعيلية، ومزقت أملاك السلجوقين من بعده.
في الوقت نفسه، استطاع ابن الصباح أن يضم المزيد من القلاع والحصون إلى دعوته، فحقق بذلك الشطر الأول من حلمه هو تأسيس دولة للإسماعيلية بفارس، فأراد أن يحقق الشطر الثاني، وهو استدعاء المستنصر ليتولى أمور الناس.
ولكن جاءت الرياح بما لاتشتهي السفن، إذ مات المستنصر سنة 487 للهجرة، وتولى من بعده ابنه المستعلي، وكان صاحب الحق في الحكم نزار بن المستنصر.
ثار الحسن، وأبى الاعتراف بالمستعلي، وأرسل بعض الفدائيين إلى مصر لإحضار نزار أو أحد أبنائه إلى "آلموت" (اسم القلعة التي كان يقيم بها) ولكن الوزير في مصر قتل نزار وابنه، ولكن الفدائيون استطاعوا أن يصحبوا ابنا آخر لنزار إلى "آلموت" وهناك أخفاه الحسن حتى تأتي فرصة مناسبة يظهره فيها.
وبقتل نزار أصبح الحسن بن صباح، صاحب الأمر في الدعوة الإسماعيلية دون أن يدعي الإمامه، الذي اعتذر عن مقابلة الناس وعكف على القرآة والكتابة، ومن منزله كانت تخرج الرسائل والأوامر إلى دعائه، وإلى الذين اختارهم لتنفيذ سياسته دون أن يقابلهم.
الفدائين
أخذ الحسن في تدريب الشباب على أعمال تحقق أهدافه، ويستعين بهم على القضاء في أعدائه، حيث جمع طائفة صالحة من الأطفال من أبناء الدعاة وتم تنشأتهم على الطاعاة العمياء والإيمان بكل ما يقوله لهم، ثم بث فيهم حب التضحية في سبيل العقيدة والإمام، ولما اشتد ساعدهم أخذ يدربهم على حمل الأسلحة، لاسيما الخناجر.
أضف إلى ذلك، أنه كان يعلمهم كيف يخفون أمر أنفسهم وأمر من معهم، بحيث لايبوح أحد بسره أو سر الجماعة، التي ينتمي إليها، فإذا قبض عليه أحد فلا يبوح بكلمة واحدة، بل يجب عليه أن يقتل نفسه قبل أن يضطر أن يتفوه بكلمة.
ونتيجة ذلك، استطاع في إعداد طائفة من الفدائيين أفرعوا العالم الإسلامي كله، بل وصل صداهم إلى أوروبا، إذ أطلقلوا عليهم "السفاكين" لما قام به الفدائيون إبان الحروب الصلبية.
أما العرب والفرس، فقد أطلقوا عليهم "الحشاشين"، وقالوا إن السبب في هذا الإسم أن الحسن بن الصباح كان يخدر الفدائيين بمادة الحشيشة، وأنه عودهم على تعاطي هذه المادة، بحيث جعلهم مدمنين ولايستطيعون الحياة بدونها، فكان يطلب منهم القيام بهذه الأعمال الخطيرة نظير حصولهم على الحشيش.
إلا أن ذلك محض هباء، والحقيقة تخالف ذلك مخالفة تامة، فمن المعروف أن مدمن الحشيش جبان لايستطيع أن يقوم بالمهام والأعمال الخطيرة، بالإضافة إلى أن الحشيش يخدر العقل وتجعل المدمن يهذى ويبوح بالإسرار، بينما كان الفدائي الإيماعيلي يمتاز بالفطنة والكياسة في كل أعمالة وتصرفاته، وتقدير موقفه تقديرًا يحقق له النجاح مع شدة الحرص والكتمان، وهذا كله لايتفق مع إدمان الحشيش.
وهكذا بسط الحسن بن الصباح نفوذه، ونشر دعوته بين قوم يضمرون العداء الشديد للإسماعيلية، وقد ازداد سخطهم على الإسماعيلية بسبب سياسة الحسن بن صباح، وكان ذلك طبقًا لما أورده الدكتور محمد كامل حسين، في كتابه عن طائفة الإسماعيلية وتاريخها.