لا يزال المستقبل يحمل الكثير من التحديات التي تستوجب المزيد من الجهود واللقاءات والدراسات والنقاشات التي تقدم رؤية للحكومات في كيفية العمل على مواجهة تلك التحديات، ومن هنا جاءت المبادرة الإماراتية بتنظيم قمة سنوية أطلقت عليها القمة العالمية للحكوميات باعتبارها منصة عالمية تهدف إلى استشراف مستقبل الحكومات حول العالم، يشارك فيها كبار المسئولين والوزراء على مستوى دول العالم ورؤساء المؤسسات المالية والتمويلية الدولية، إلى جانب رجال الأعمال والمستثمرين ورؤساء الشركات متعددة الجنسية والعابرة للقارات. وقد عقدت القمة هذا العام في وقت دقيق وحرج على المستويين الإقليمي والدولي، إذ تشهد الساحتين معا حروب وصراعات عسكرية وسياسية واقتصادية الأمر الذى يترك تأثيره بعمق على الاقتصادات الوطنية وانعكاسات ذلك على أوضاع المواطنين ومستوياتهم المعيشية.
وفى هذا السياق، جاءت المشاركة المصرية بوفد رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء وعدد من الوزراء وكبار المسئولين لطرح الرؤية المصرية بشأن مختلف القضايا محل النقاشات على جدول اعمال القمة بدءا من قضية المناخ والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، مرورا بالاقتصاد الرقمى واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، وصولا إلى جهود الدولة المصرية في وضع الرؤى والاستراتيجيات المتكاملة والشاملة المعبرة عن توجهات مصرية تستقرأ الواقع بأزماته ومشكلاته، وتنظر إلى المستقبل بطموحاته وتطلعاته، حيث كشفت الوثائق المقدمة إلى القمة عن تزايد حجم الثقة الدولية والإقليمية في قدرات الاقتصاد المصرى، من خلال عرض أهم المؤشرات المالية والبيانات الخاصة بالموازنة العامة للدولة، حيث تمكنت الدولة من احتواء حدة الصدمات الداخلية والخارجية، واستكمال مسيرة الانضباط المالى بالحفاظ على تحقيق فائض أولى ووضع معدلات العجز والدين فى مسار نزولي. مع العمل على تمكين القطاع الخاص من القيام بدوره فى تنمية الاقتصاد؛ باعتباره قاطرة التنمية، من خلال إتاحة فرص استثمارية واعدة للاستثمار، تضمن الاستغلال الأمثل لموارد الدولة، عبر سياسة متكاملة لإدارة الأصول المملوكة للدولة، وبرامج محفزة للاستثمارات الخاصة، هذا إلى جانب العمل على خلق مساحات مالية مستدامة للتوسع فى الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، وذلك رغم حجم الصعوبات والتحديات غير المسبوقة بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة تكاليف التمويل والتنمية التى جعلت المالية العامة فى مختلف الدول أمام ضغوط متصاعدة تتشابك فيها الآثار السلبية لجائحة كورونا وتوترات جيوسياسية تزايدت تعقيداتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط وفى أوروبا أيضًا، مما زاد من حجم الأعباء التمويلية المطلوب تحملها للوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتكاليف الحزم الاجتماعية للحد من الموجات التضخمية، إلى جانب تراجع الإيرادات العامة نتيجة لتعطل النشاط الاقتصاد في كثير من الدول. ولكن أسهمت السياسات الحكومية المرنة التي انتهجتها الدولة المصرية في تخفيف حدة تلك التحديات. مع الاخذ في الحسبان أن الطريق لا يزال طويلا في ظل تعقيدات المشهد وارتباكاته المتعددة، الامر الذى يؤكد على أن المعالجات الصحيحة لأية اختلالات اقتصادية يجب ان تنبع من الداخل، بما يعزز من اعتمادها على مواردها وامكاناتها الذاتية، للعبور إلى الامام بأمن وسلام دون انتكاسات غير محسوبة او اختلالات غير موزونة.