صدى انهيار الدولار يظهر سريعا فى الأسواق
صورة أرشيفية
- تقرير تكتبه: بسمة أبوالعزم
رقم قياسى جديد تحققه مصر بعد غدٍ (الجمعة) لصالح حماية الفقراء، يستهدف 4 ملايين أسرة من الأسر الأكثر احتياجًا بمختلف محافظات الجمهورية، هذا الرقم هو أكبر دعم تقدمه الدولة المصرية فى تاريخ المساعدات الاجتماعية، ويستهدف بحسب ما تم الإعلان عنه مؤخرًا من قبل أعضاء التحالف الوطنى للعمل الأهلي، نحو 25 مليون مصرى من خلال «كتف فى كتف» وهى المبادرة الأكبر المقرر انطلاقها بشكل رسمى فى احتفالية كبرى بإستاد القاهرة الدولى بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأعضاء التحالف الوطنى للعمل الأهلى، وعدد كبير من الشباب الذين تبرعوا تطوعًا فى المبادرة، والذى يتخطى عددهم نحو 1500 متطوع، بهدف مساعدة التحالف فى توزيع كراتين المواد الغذائية على الأسر فى المحافظات والمراكز والقرى والنجوع.
«ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع».. هكذا حال مضاربى العملة الذين استغلوا على مدى الشهور الماضية أزمة نقص العملة، وأشعلوا سعر الدولار بالسوق السوداء ليصلوا به إلى 72 جنيهًا، بما تسبب فى غلاء أسعار كافة السلع بشكل غير مسبوق، إلا أنه بمجرد تسريب أخبار بشأن صفقة رأس الحكمة 3 فبراير؛ انهار الدولار إلى 62 جنيهًا، ثم تكررت رحلة الهبوط بعد التوقيع الرسمى ليسجل أقل من 50 جنيهًا، لتصبح رأس الحكمة كلمة السر فى بداية الانخفاضات السعرية. رحلة الهبوط بدأت بانخفاض سعر الذهب بنحو 30 فى المائة، يليه الحديد 20 فى المائة، بينما المواد الغذائية سجلت انخفاضًا مبدئيًا بنحو 5 فى المائة، وهناك مؤشرات بانخفاضات قد تصل إلى 30 فى المائة بشكل تدريجى خلال الشهرين القادمين، أما أسعار الأجهزة الكهربائية والسيارات فمازالت فى حالة ثبات فى انتظار وضوح الرؤية، وتأكد تجارها من تدبير الدولة للعملة الصعبة لهم، لتظهر تخفيضاتهم بعد ثلاثة أشهر.
انفراجة الأسعار بدأت عقب مراسم توقيع صفقة رأس الحكمة حيث شهدت أسعار الدولار انهيارًا فى السوق الموازى، الذى كان قد وصل لمستويات قياسية خلال الفترة الماضية ووصوله لنحو 72 جنيهًا وكان من المتوقع وصوله إلى 100 جنيه، إلا أنه انخفض إلى 48 جنيها مع تأرجح أحيانا ليصل إلى مستوى 50 جنيها للتنفيذ الفعلى، مع توقعات بهبوط آخر خلال أسبوعين بعد حصول مصر على أول دفعة من صفقة رأس الحكمة وتوفير الحكومة العملة الصعبة للمستوردين للإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ، وبالتبعية شهدت أسعار الذهب انخفاضات حادة أيضًا، حيث فقد المعدن الأصفر نحو 30 فى المائة من قيمته بمجرد الإعلان عن الصفقة بداية فبراير الجارى، فالذهب أسرع سلعة تأثرت بتحركات الدولار على الرغم من عدم استيراده مؤخرا، فحسبما يقول لطفى منيب، نائب رئيس شعبة تجار الذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، فإن إعلان صفقة رأس الحكمة أثرت بقوة على أسعار الذهب، فبمجرد الإعلان عن الصفقة وقبل التوقيع الرسمى هبط السعر من 4 آلاف و200 جنيه إلى 3 آلاف و600 جنيه، ثم عاود السعر الهبوط مرة ثانية منذ بضعة أيام عقب الإعلان عن كافة تفاصيل الصفقة وإتمامها ليكسر حاجز 3 آلاف جنيه هبوطًا لعيار 21 فيتذبذب سعره بين 2950 جنيهًا إلى 3050 جنيهًا، فالدولار هو القاطرة التى تجر كافة الأسعار معها، كما أن حالة الاطمئنان بتوافر الدولار الفترة القادمة تعطى أملًا أكبر للتوسع فى استيراد المواد الخام ومنها الذهب، وبالتالى يزيد المعروض ويتحسن السعر.
تأتى أسواق الحديد ومواد البناء فى المرتبة الثانية بعد الذهب تأثرا بتحركات الدولار، وبالفعل انخفضت أسعار حديد التسليح بما يقرب من 14 ألف جنيه مقارنة بأعلى سعر وصل له وهو 62 ألف جنيه ليُباع الآن بنحو 48 ألف جنيه، وكما يقول خالد الدجوى، عضو الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، فسعر طن الحديد 800 دولار ومن المفترض ألا يتعدى 40 ألف جنيه، لكن السوق السوداء السبب فى اشتعال أسعاره، والهبوط الأخير حقق انخفاضًا كبيرًا فى أسعار الحديد والتى تمت على مرحلتين، وكان آخر تخفيض خلال الأيام الماضية بنحو 6 آلاف جنيه ليصل إجمالى التخفيضات بنحو 14 ألف جنيه. وفى نفس السياق أكد أحمد الزينى، رئيس شعبة مواد البناء، أن سوق مواد البناء مرت بحالة من الارتباك والعشوائية فى التسعير خلال الشهور الماضية، لكن عقب انتشار الأخبار بشأن صفقة رأس الحكمة وانخفاض الدولار بالسوق السوداء هبطت أسعار الحديد، ومن المتوقع انخفاض أسعار الأسمنت إلى مستويات 1600 جنيه للطن خلال أيام.
أما السيارات التى كانت ترتفع أسعارها لحظيًّا بمجرد زيادة الدولار، فمازالت أسعارها الرسمية ثابتة، فلم يعلن أى توكيل عن تخفيضات سعرية، لكن هناك أقاويل بأن بعض المعارض بدأت فى تقليل قيمة الأوفر برايس لبيع ما لديهم من كميات؛ تجنبًا لأى تخفيضات قادمة من الوكلاء، فى حين توقف آخرون عن البيع انتظارًا لاتضاح الرؤية خلال الأسبوع القادم والاتجاه العام لدى كبرى شركات السيارات التحفظ فى عمليات البيع لحين استقرار السوق. فحسب خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعى السيارات، فهناك انخفاض كبير فى الطلب على السيارات وشبه توقف عن الشراء؛ لذا اضطُر بعض التجار والموزعين للتنازل عن جزء من الأوفر برايس لديهم، وخاصة السيارات الفارهة التى تجاوز الأوفر برايس فيها المليون جنيه، وبالتالى بدأت تقل تلك الزيادات ما بين 100 إلى 300 ألف جنيه، وبالطبع خلال الأيام القادمة ستتضح الرؤية ومدى استمرار هبوط الدولار وتوافر العملة للاستيراد، حتى تتمكن الشركات من تخفيض أسعارها الرسمية.
لا يختلف الحال بالنسبة للأجهزة الكهربائية، فلم تنخفض أسعارها، ولن يحدث ذلك قبل ثلاثة أشهر لانتهاء دورة الانتاج، حسب تأكيدات تجار هذه السوق. فحسبما أكد أشرف هلال، رئيس شعبة الأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية بغرفة القاهرة التجارية، فإنه حال توفير مبالغ دولارية للمستوردين بسعر البنك لشراء مستلزمات الإنتاج اللازمة للتصنيع ستهبط أسعار الأجهزة الكهربائية بمعدلات كبيرة، أما الآن فالتصنيع الحالى بمستلزمات إنتاج تم شراؤها بحوالى 60 جنيهًا.
رغم هبوط أسعار الدولار والذهب والحديد، فإن أهم انخفاض ينتظره المواطن المصرى البسيط الخاص بأسعار السلع الغذائية والتى بدأت بالفعل فى التراجع النسبي، ومنها الزيوت والمواشى الحية التى انخفضت 20 جنيهًا للكيلو القائم لتصل إلى 160 جنيهًا بدلا من 180 جنيهًا، لكنها لم تظهر بعد لدى محال الجزارة، والأعلاف انخفضت بنحو ألف جنيه للطن والدواجن البيضاء تسجل 87 جنيهًا بدلا من 92 جنيهًا بالمزرعة، ويصل السعر للمستهلك بين 97 إلى 100 جنيه حسب المنطقة، وبالتالى معدلات الانخفاض الحالية 5 فى المائة بما لا يجعل المستهلك يشعر بقوتها، فتجار المواد الغذائية لا يقبلون بأى خسارة أو مغامرة، لكن استمرار هبوط الدولار والتدفق المنتظر للسلع المقرر الإفراج عنها من الموانئ وحدوث استقرار فى السياسة النقدية سيجبرهم على التخفيض مع انتهاء دورة السلع، فانخفاض أسعار السلع سيكون بنسب متفاوتة حسب المكون الدولارى لكل سلعة، ونظرا لأن الزيوت 95 فى المائة منها مستورد؛ فتأثير انخفاض قيمة الدولار عليها ستكون كبيرة، كذلك الأعلاف لاعتمادها على الاستيراد حيث انخفض سعر الطن بنحو ألف جنيه ليصل سعر طن فول الصويا إلى 36 ألفًا و500 جنيه، والذرة الصفراء المحلى 17 ألفًا و700 جنيه، والمستورد 16 ألفًا و800 جنيه.
وحسب تصريحات وزير التموين، الدكتور على المصيلحى، على هامش افتتاح هايبر ماركت جديد فإن توفير العملة الصعبة للمصنعين والمستوردين سيؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع خاصة الزيوت والتى ستتأثر بشكل مباشر، بينما ستتطلب بعض السلع الأخرى دورة إنتاج ما بين ستة أسابيع إلى شهرين حتى تنعكس أسعارها على المواطن، كما ستنخفض أسعار اللحوم المستوردة بشكل مباشر لأنها تمثل 45 فى المائة من الاستهلاك المحلى، كما ستنخفض أيضا أسعار الدواجن لانخفاض أسعار الأعلاف، حيث تراجعت أنواع من الأعلاف إلى 13 ألفًا و500 جنيه بدلا من 14 ألفًا و500 جنيه.
كما أكد «المصيلحى»، فإن البنك المركزى قام باعتماد 100 مليون دولار لتوفير السلع الأساسية، خاصة الزيوت والألبان.
فى نفس السياق، أوضح أحمد العتابى، عضو مجلس إدارة شعبة المواد الغذائية بغرفة الجيزة التجارية، أن هناك تغييرًا إيجابيًّا فى الأسواق بعد هبوط الدولار، فكبار التجار والمنتجين غير متمسكين بالبضاعة لديهم، وهناك زيادة فى ضخّ البضاعة إلينا، بعد أن كانت هناك محاولات لتعطيش السوق من السلع، فهم يرغبون فى التخلص مما لديهم من بضائع مكدسة بالسعر القديم؛ تخوفا من الإفراج عن البضائع الجديدة بأسعار أقل، وبالفعل بدأت أسعار الزيوت فى الانخفاض بنحو 5 فى المائة، ومن المتوقع حدوث انخفاض تدريجى فى أسعار السلع بعد أسبوعين لتقل بنفس معدلات تراجع سعر الدولار بعد ثلاثة أشهر تقريبا، وحينها يشعر المواطن بانخفاضات سعرية كبيرة.