السبت 27 ابريل 2024

حكاية وطن: أنــــــا "أم الشهيـــــــــــــــــد"

مقالات9-3-2024 | 17:32

من هي؟!..

- هي سيدة المقام الرفيع التي تنحني لها الرؤوس، وتنثني أغصان القلب أعتزازا وفخرا بمن أنجبت، ورفعت نشيد الصبر ملحًا لجروح أدماها الفراق، كما بقدر ما توجتها التضحية أكاليل أوسمة فخر، تمسك بطرف الذاكرة خيطا رفيعًا كأنه مسبحة الصلاة..

وهي أم ولكنها ليست كمثل بقية الأمهات..

حملت ابنها مرتين، مرة في بطنها وليدًا ومرة على رأسها شهيدًا.

هي "أم الشهيد"، هي "حكاية وطن"!..

بل هي حكاية أكبر..

حكاية كبيرة بحجم السماء والأرض، حكاية كل أم كرمها المولى عز وجل وميزها دون باقي الأمهات بمنحها ذلك اللقب العظيم، "أم الشهيد"، لقب لم يمنحه لها إلا لأنه يعلم بمقدار الصبر الجميل الموجود بقلبها، وعظمة روحها على مواجهة ذلك الحزن الذي يحرق قلوب أقوى الرجال فما بالنا بمن ينتزع منها الجزء الأكبر من روحها وقطعة منها..

وعلى مدى السنوات الماضية شاءت الظروف أن ألتقي وأقابل كثير من "أمهات الشهداء"، كنت أستغرب من ملامح الهدوء والسكينة وقوة الصبر التي كانت تحيط بهن وهن يتحدثن عن فلذات أكبادهن من الشهداء على الرغم من أن كلامهن كفيل وكما قلت قادر على حرق قلوب أقوى الرجال.

(تدمع العين ويبكي القلب وتكتم صرخة لا يعلم ألمها إلا الله..

ربما تمر الروح بأيام ثقيله محمله بكل حزن وضيق

ويتحير شعورك بين الاستسلام والخضوع، رحم الله وجها احن إليه ولم اعد أراه ورحم الله روحا نقيه كسرني غيابها ووجعني رحيلها واشتاق للقاءها، فاللهم اربط علي قلبي وقلب كل أم أعياها الشوق والحنين وارضي عن ابني وتقبله عندك من الشهداء واحسن ختامنا واجمعنا به يا ارحم الراحمين .(...

ما زالت هذه الجملة التي قالتها لي منذ عدة سنوات "السيدة الفاضلة هالة إسماعيل" والدة الشهيد النقيب عمر خالد سلامة والذي كان يلقب بين زملائه بلقب "النينجا" لبراعته الشديدة في كل العمليات الخاصة التي كان يشارك فيها قبل استشهاده في سيناء" - والنار التي بداخلها وهي تنطق باسم ابنها، لكن تماسك الصابرات المحتسبات المؤمنات بقضاء الله وقدره..

"ابني شهيد بطل أخذ حقه وحق زمايله واستشهاده مكافأه كمان الحمد لله رب العالمين، لكن لسه ما أخدتش حقي كأم فقدت ابنها وسوف أخذه أمام رب العباد لان قلبي عمره ما  يهدي ولا دموعي  ستتوقف إلا لما أقابل "ضنايا" في الآخرة، الله يحرق قلوبهم..الله يحرق قلوبهم"..

كانت هذا ما نطق به لسان "السيدة الفاضلة هالة" لكنه من وجهة نظري هو مجرد هوامش أما النص الحقيقي فهو في القلب - قلب أم الشهيد - عصي عن النطق او حتى الكتابة، فحين يمر علينا الوقت نكتفي بالصمت والنظر لصوره، من يصلح أصابعها التي تلفت وهي تتلمس وجهه في الصور.

أحقا رحل، أحقا لم يعود بيننا فتدمع العين ويبكي القلب وتكتم صرخة لا يعلم ألمها إلا الله.. ربما تمر الروح بأيام ثقيله محمله بكل حزن وضيق، ويتحير شعورك بين الاستسلام والخضوع، رحم الله وجها احن إليه ولم اعد أراه ورحم الله روحا نقيه كسرني غيابها ووجعني رحيلها واشتاق للقاءها، فاللهم اربط علي قلبي وقلب كل أم أعياها الشوق والحنين وارضي عن ابني وتقبله عندك من الشهداء واحسن ختامنا واجمعنا به يا ارحم الراحمين (.

وحتى هذه اللحظة.. كلما رأيت أحد من زملاء ورفاق سلاحه بل أي ضابط أو مجند يمر أمامي إلا وقمت باحتضانه بشدة..

"اصل أنا باحس "عمر" ماشي جمبهم وأشم رائحته"!..

فحتى هذه اللحظة وعلى الرغم من مرور عدة سنوات على استشهاده ما زلت أشعر أنه حي ومازال يقاتل في سيناء حتى الآن، لقد استشهد بعد أن ظل يقاتل كرجل لاخر لحظة وزفيته للسماء ومتأكدة انه مستنيني وهايكون لي شفيع عن ربنا يوم الحساب..

ثم تنظر الى صورة كبيرة له معلقة في برواز وبدت وكأنها تحدثه:

"عمرك ما زعلتني وعمرك ما خرجت عن طوعي وعن تربيتي لك حتى في معركتك الأخيرة كنت تقوم بتطبيق المبدأ الذي قمت بتربيتك عليه، "قبل ما تحط يا ابنى رجلك حط كفوفك وحط عدوك في الأرض"!..

بطل يا عمر يا "سيد الرجال..

ومتشكرة على أغلى هدية ولقب منحته لي وهو لقب "أم الشهيد"، وان شاء الله اللقاء في الجنة"..

من قال إني حزينة؟!..

لقد قمت بمنع جميع النساء الذين التفوا حولي يحاولون مواساتي لحظة جنازته من البكاء او "الصويت"، وقمت بإطلاق الزغاريد، وده حقه لأنة كان عريس يزف للسماء وأعلم أن الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين وبقية الشهداء في انتظاره..

لعل كلام هذه الأم بل هي "أنشودة"

و"أنشودة" كل أمهات الشهداء اللاتي يرثين فلذات أكبادهن بقولهن: "يا وطن الشهداء لك النصر والكرامة.. فديناك بقلوبنا الصابرة، فكل شيء يهون من أجلك يا وطني، فأولادنا قرابين لك من أجل نصرتك الكبرى على أعدائك، فوهبنا أبناءنا خزائن الأمل لأجيال قادمة ستنعم حقاً بالاستقرار والأمان، لقد فرحنا بيوم مولدهم وبيوم استشهادهم فكلاهما عيد"..

ولعل رسالة المرأة المصرية الشجاعة تتلخص في أنها تحمل ابنها مرتين، الأولى وليدًا حديث العهد بالحياة فرحة بقدومه، والثانية وهي تزفه شهيدًا ملفوفًا بعلم بلده في موكب بطولي..

إنها الأم، فكما هي رمز الحياة فهي رمز الوفاء والعطاء، وهي المدرسة العظيمة التي تضحي بأبنائها فداء للوطن الذي يرتوي بدمائهم، تلك الدماء التي كانت هي المورد لها برضاعتها لهم..

إنهن أمهات الشهداء اللواتي يستحققن لقب "أصحاب مدارس الأبطال"، المؤمنات بإرادة الله الذي يختار أبناءهن الى أعظم منزلة في الوجود، منزلة الشهداء والفردوس الأعلى، فالشهادة شرف ما أعظمه شرف ومنزلة عند المولى عز وجل كبيرة وعظيمة. يا كل أمهات.. وأباء وزوجات وأخوات وبنات شهداء مصر، يحفظكم العلي القدير بأبنائكم المكرمون..

Dr.Randa
Dr.Radwa