الأحد 22 سبتمبر 2024

فلاسفة الإسلام | «الإمام الغزالي» مفسرًا للقرآن الكريم (1ـ 30)

الإمام الغزالي

ثقافة11-3-2024 | 22:16

إسلام علي

تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون  «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمون بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة


ومع بوابة دار الهلال نقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنعرض إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وتوضيح كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في  تاريخ الحضارة الإسلامية. 
 

واليوم سوف نذهب في رحلة  مع الإمام الغزالي ..  أحد أعلام عصره وأشهر علماء المسلمين،   والملقب بـ «حجة الإسلام»

هو المعروف بـ «الإمام الغزالي»، الذي أصبح ضياءً ينير دروب الفكر من بعده، وكان علامة بارزة في سماء علماء المسلمين خلال القرن الخامس الهجري، واسمه أَبْو حَامِدْ مُحَمّد الغَزّالِي الطُوسِيْ النَيْسَابُوْرِيْ الصُوْفِيْ الشَافْعِي الأشْعَرِيْ.

ولد  «الغزالي» عام 450 هـ،  ونشأ  في أرض طوس تجاوز في رحلته الفكرية مراحل متعددة، حيث انطلق من دراسة الفقه الشافعي، ثم سلك طريق الفلسفة، لكنه توجه إليها بانتقادات حادة في مؤلفه «تهافت الفلاسفة» وبعض الكتب الأخرى، وقام في رحلته بالبداية إلى مهاجمة الفلسفة و مضى بعدها نحو الطريق التصوفي، حيث عاش حياة الزهد والعبادة. 


سعى «الغزالي» جاهدًا للتوفيق بين الدين والفلسفة، رافضًا الفلسفة التي تتعارض مع الدين، إذ رأي ان الفلسفة هي تشكل سلاحًا ذو حدين، قادر على تفكيك قيم الأديان السماوية والأخلاق، و كان ينظر إلى الفلسفة كسيف يمكن استخدامه لفهم الدين بشكل أعمق، دون أن يكون وسيلة لهدم القيم الثابتة للدين الإسلامي، وليس فقط ذلك، بل حاول بجدية بناء منهج يوحد بين الفلسفة والدين، يسهم في تطوير العقل البشري، ويحول دون استخدامها بشكل ضار يؤدي إلى تدهور العقل والروح الإنسانية.

رحلة الإمام الغزالي في نقد الفلسفة 

أثارا كتابا «تهافت الفلاسفة» و«المنقذ من الضلال»  للإمام الغزالي ضجة علمية وثقافية واسعة في عصره، حيث تناول فيهما نقدًا للفلاسفة اليونانيين، خاصةً أفلاطون وأرسطو، لمخالفة بعض أفكارهم للعقيدة الإسلامية.

وجّه الغزالي في كتابه «تهافت الفلاسفة»  سهامه نحو نظرية «الفيض» التي شكلت أساس فهم اليونانيين للكون، الذين اعتقدوا أنّ «الفيض» هو عملية إلهية تتدفق من الله لتكوين العقل، ثم النفس التي تفيض من السابق ، ثم المادة،  رفض «الغزالي» هذه النظرية وأكّد على عقيدة التوحيد في الإسلام، مؤكّدًا أنّ الله هو مصدر كل شيء في الوجود، وأنّ العقل والنفس والمادة تَفيَضُ من الله وحده، دون وجود أي وسيط.

وفي كتاب «الغزالي» الآخر الأشهر  بعنوان  «المنقذ من الضلال»، ركّز على نقد الفلاسفة الذين يطلقون نظريات وهمية دون الاعتماد على العقل، معتبرًا أنّهم لم يصلوا إلى مرتبة اليقين.
و عرّف «الغزالي» اليقين بأنه المرحلة الثالثة والأخيرة من المعرفة، حيث يتلقى الإنسان الإلهام من الله وحده، دون أيّ وسيط، من خلال التجربة الشخصية التي تنبع من صلاح العلاقة مع الله.

وتناول الغزالي أيضًا في «المنقذ من الضلال» مراتب المعرفة، حيث صنّف العلم إلى مراتب مختلفة، مثل مراتب الأنبياء والرسل، ومراتب الجنة للمسلمين، وعرّف المعرفة الحقيقية بأنّها المعرفة التي تقود إلى القرب من الله وحده.

يُعدّ كتاب «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي موسوعة شاملة في علوم الدين الإسلامي والفلسفة، حيث يُناقش فيه الغزالي مختلف جوانب العقيدة الإسلامية والأخلاق والتصوف.

يُؤكّد «الغزالي» في الكتاب على أنّ الدين الإسلامي لا يتعارض مع الفلسفة، بل إنّه يُؤدّي إلى الحقيقة الإلهية الشاملة، وهي حقيقة وجود المخلوقات. 
يُميّز الغزالي بين نوعين من المعرفة وهما : المعرفة الحسية: هي المعرفة التي يعتمد عليها الفلاسفة، ويراها الغزالي محدودة وناقصة، والمعرفة العقلية: هي المعرفة الحقيقية التي تُؤدّي إلى معرفة الله تعالى.

يهاجم «الغزالي» في الكتاب الفلاسفة القدماء مثل أرسطو وأفلاطون، ويعتبرهم من اتباع المعرفة الحسية الناقصة التي لم تؤهلهم للوصول إلى المعارف الربانية الخالصة.

يُؤكّد« الغزالي» على أهمية الوحي كمصدر للمعلومات، ويرى أنّه ليس حكرًا على الأنبياء فقط، بل هو مصدر المعرفة لكل البشر،  يُؤكّد أيضًا على أنّ الوحي يُكمّل العقل ويرشده إلى حقائق الأمور.

يتحدث «الغزالي» أيضًا عن فلسفة التصوف الإسلامي، ويُؤكّد على أنّ التصوف هو الطريق الوحيد للوصول إلى اليقين. يُحدّد الغزالي طرقًا تؤهل البعد للوصول إلى معرفة حقيقية.
وفي الختام، يُؤكّد الغزالي على أنّ الدين الإسلامي وفلسفته هما المرجع الأول والأخير في فهم أصل الكون والعالم المحيط.

وكتب «الغزالي»  كتبا فلسفية أخرى منها: «الرسالة القدسية:« يُفسّر فيها آيات القرآن الكريم من منظور المعرفة الإلهية، ويعدّ الكتاب من أهمّ مؤلفات الإمام الغزالي في مجال تفسير القرآن الكريم، والذي  يُقدّم فيه التفسير من منظور المعرفة الإلهية، مؤكدًا على أنّ القرآن الكريم ليس مجرد نصوصًا تُقرأ، بل هو قوانين محددة تُرشد إلى الطريق الصحيح.

و يُؤكّد «الغزالي» على أنّ القرآن الكريم يُخاطب العقل والقلب، ويسعى إلى الوصول إلى مرتبة أعلى من المعرفة المادية، و يُجمع   في تفسيره بين العقل و النقل.

ووقدم « الغزالي كتاب « ميزان العمل»،   و يُناقش فيه علم الكلام، وألف كتاب «الوجيز في علم أصول الدين»، وناقش فيه أصول الدين الإسلام  «كيمياء السعادة» و يُناقش فيه الأخلاق الإسلامية.

وتوفي الإمام «الغزالي» عام 504 هجريا الموافق 1111 ميلاديا في نفس المدينة التي ولد  ونشأ بها وهي مدينة طوس  في إيران، بعد ما ترك أثرا كبير في رحلة وتاريخ الفكر الفلسفة الإسلامية.