السبت 27 ابريل 2024

فلاسفة الإسلام | المعلم الثاني بعد أرسطو .. «الفاربي (2ـ 30)

الفاربي

ثقافة12-3-2024 | 20:34

إسلام علي

تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمون بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.
 

ومع بوابة «دار الهلال» نقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنعرض إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وتوضيح كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في  تاريخ الحضارة الإسلامية. 

واليوم  في رحلة فلسفية جديدة مع  «الفارابي» المثير للجدل في نظرياته الفلسفية

يشتهر«الفارابي» عالم الحضارة الإسلامية بأنه أعظم فلاسفة الإسلام على حد قول الإمام «الغزالي»، واسمه محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ أبو نصر الفارابي، وُلد في مدينة فاراب في تركستان « كازاخستان حاليا» في عام 260 هجريًا
لا تزال مؤلفات« الفارابي» محل دراسة في الجامعات الأوروبية والعربية حتى اليوم، واشتهر «الفارابي» بفضل اهتمامه الكبير بأعمال أرسطو وشرحها بطريقة علمية، وأضاف إليها من وجهة نظره الخاصة، مما ساعد في نشر أفكار أرسطو في العالم الإسلامي

مصادر الفارابي في الفلسفة 

و يعتبر «الفارابي» المعلم الثاني بعد أرسطو، حيث سعى إلى فهم وتطوير مختلف العلوم مثل الطب، الموسيقى، السياسة، الفلسفة والمنطق، وتوجه «الفارابي» في الفلسفة بشكل منفتح،حيث تأثر بالفلسفة الإغريقية والفارسية والهندية
 

الفلسفة الفارسية 
اعتنق «الفارابي» مفهوم العدالة الاجتماعية المستمد من الفلسفة الفارسية، حيث دعا إلى تجنب الطبقية الظالمة وتحقيق توزيع عادل للثروات، ورغم محاولاته دمج هذه الأفكار في المجتمعات الإسلامية، واجهت أفكاره معارضة نظرًا لتجاوزها للواقع والتحديات المادية

وفي سياق متصل، يركز «الفارابي» على العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، ولكن تنفيذها في الحياة الواقعية يظل صعبًا بسبب التحديات المادية، وكان وراء ذلك هو سعي «الفارابي» لرفع وعي الأمة الإسلامية، ورغم ذلك، اعترض البعض على أفكاره، معتبرين أنها مثالية للغاية وتحمل خطر فقدان استقرار المجتمع.
 

الفلسفة الهندية 

و في السياق الفلسفي الهندي، نقل «الفارابي» فلسفة «الفيض» التي ناقشناها مع الغزالي في الحلقة السابقة، حيث نقضها بشدة

و نظرية «الفيض» ترى أن الكون  نشأ من العقل الأول أو الواحد ثم جاء من العقل الأول النفس ثم المادة ثم الكون بأكمله، متشابهًا في ذلك مع نظرية براهم في الفلسفة الهندية، ويُظهر هذا التوجه انفتاحًا جديدًا من «الفارابي»، الذي كان يقدم نظريات جديدة تثير اعتراض أصحاب العقول المنغلقة في عصره.

الفلسفة الإغريقية

يستخدم «الفارابي» مصطلحات يونانية في كتبه مثل العقل والنفس والوجود، بالاضافة إلى نظرية «المثل» عند أفلاطون و «العلة» عند أرسطو، واتبع أيضًا المنهج الفلسفي الإفريقي في التفكير والتحليل .
 نظريات «الفاربي»  في الفلسفة

قدم «الفارابي» نظريات أثارت الجدل والانتقادات و بين هذه النظريات، نجد نظرية الفيض التي ناقشناها سابقًا، والتي تناولت فكرة الروح والنفس

وعلي الجانب الآخر، نظرية النفس، اعتبر«الفارابي» النفس جوهرًا غير ماديًا لا يموت مع موت الجسد وبذلك اتفق مع «الغزالي»، وقدم نظرية المعرفة  والمقصود منها  المعرفة الحقيقية التي تأتي من التأمل العقلي والإلهام، وليست مقتصرة في الحواس المادية

والنظرية الأخيرة هي نظرية الأخلاق التي اعتبر فيها «الفارابي» أن السعادة الحقيقية تأتي من اتباع المعرفة الحقيقية، وليست في مجرد السعي وراء الملذات الجسدية الزائلة.

أشهر كتب الفارابي في  الفلسفة

في كتاب «المدينة الفاضلة»، استعرض «الفارابي» الجانب السياسي، إلا أنه لم يتناول الوضع الفعلي للمجتمع الإسلامي في زمنه بل ما كان يطمح أن تصل إليه المجتمعات . 

حدد «الفارابي» شروط الحاكم العادل والأفراد، وأثارت صفات الحاكم الفاضل جدلًا، حيث ربطها بالذكاء الاستثنائي والتمكن من العلوم الدينية والدنيوية مثل الطب والفلسفة الرياضيات و السياسية.

وفي إحدى الصفحات الأخرى للكتاب، قسم «الفارابي» المجتمع إلى خمس فئات غير متناسبة مع المجتمعات الإسلامية الحالية، حيث يأتي العلماء والحكماء في المقدمة، ثم الحكام والسياسيين، وبعدهم الجنود والحراس، وأخيرًا الصناع والخدم،  وهذا الكتاب كان له اكبر الأثر على المفكرين  السياسين في القرون اللاحقة.

الجمع بين الحكيمين افلاطون وأرسطو

يؤكد «الفارابي» في ذلك الكتاب علي عدة نقاط الأولى منها أن الفلسفة تشكل الحل الوحيدًا لتحقيق السعادة الكاملة للإنسان، وعلى جانب آخر، يسلط الضوء على عدم وجود تناقض بين آراء أرسطو وأفلاطون في المسائل الفلسفية، خاصة فيما يتعلق بنشأة الكون وبرهان وجود الله،  بالإضافة إلى ذلك، يظهر «الفارابي» استخدامه لأفكار وحجج فلسفية لإثبات وجود الله، مستفيدًا من أفكار كل من أرسطو وأفلاطون

وهذا يتعارض مع وجهة نظر الغزالي الذي انتقدهم «أرسطو وافلاطون» بسبب جهلهم للوصول إلى الحقائق المطلقة لأنهم ارتكزوا على نصف الحقيقة فقط التي وصلوا اليها عن طريق العقل، في فصل من أبواب الكتاب، يتناول «الفارابي» المعرفة الحقيقية وكيف يحققها كل من أرسطو وأفلاطون، مقدمًا تحليله لتصوراتهما حول هذا الموضوع.

 قام «الفارابي » في كتابه  «إحصاء العلوم»،  بتصنيف العلوم إلى نظرية وعملية، حيث يشمل النوع النظري منها المنطق والطبيعيات والالهيات والرياضيات، بينما تشمل العلوم العملية السياسة والأخلاق والاقتصاد و أظهر الفارابي أهمية اكتساب الإنسان معرفة واسعة في مختلف المجالات للوصول إلى المعرفة الإلهية الحقيقية، التي تكشف الحقائق الكامنة وراء الأمور التي توجد في عالمه المادي.

وفي كتاب «في معاني العقل»، تحدث «الفارابي »عن أنواع العقل وافهميه كل منهم في تقصي الحقائق

«الغزالي» ونقده لفلسفة «الفارابي» 

في مواجهته للفارابي، انطلق «الغزالي» بنقده في نظرية «الفيض»، بسبب اختلافها مع تعاليم الإسلام التي تؤكد على وحدة الكون وأن جميع المخلوقات تأتي من الله دون الربط بالعقل الأول أوالنفس.
على الجانب الآخر، انتقد «الغزالي» فلسفة الفارابي حول العقل، حيث أكد «الفارابي» أنه المصدر الأول والأخير للمعارف، فيما رأى «الغزالي » أن التصوف هو  الحل إذ انه يصل به العابد إلى الحقيقة المطلقة، مؤكدًا أن القلب يشكل المحور الحقيقي للوصول إليها، وأن العقل يصل إلى نصف الحقيقة فقط، بينما النصف الآخر يكمن في القلب، ويجمع التصوف هنا بين العقل والقلب.

وبعد رحلة وإسهامات مهمة في تاريخ الحضارة الإسلامية رحل الفيلسوف  «الفاربي» عام 339 هجريا 959 ميلاديا في مدينة دمشق بسوريا .

Dr.Randa
Dr.Radwa