تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمين بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.

ونقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنوضح إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة فضلا عن كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في تاريخ الحضارة الإسلامية.  

واليوم سوف نقدم اسهامات ابن باجه في فروع الفلسفة المختلفة.

ولد "ابن باجه" في سرقسطة بأسبانيا عام 470 هجريا،  واسمه كاملا أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ بن باجة،  كان فيلسوفا وعالما أندلسيا عاش في القرن الخامس الهجري، خلد اسمه في التاريخ بنبوغه في الفلسفة بالإضافة الي براعته في علم الطب والفلك والرياضيات والفلسفة، و إسهاماته في علم الطب توحدت في كتابه " تدابير المتوحد"، و كتاب " البرهان" في الرياضيات. 

نظرياته في علم الفلسفة.

نظرية المعرفة 
كانت المعرفة عند ابن باجه  تتلخص في استعمال العقل و القلب في استنتاج حقائق هذا العالم الذي نحن فيه، حيث أكد أننا باستخدام التأمل يمكننا استنساخ جميع الحقائق الوجودية في عقلنا؛ وكنتيجة لما سبق، فابن باجه اعتقد في إمكانية الإنسان من أي طبقة مهما كان مستواه الاجتماعي والثقافي الوصول إلى المعارف الحقيقية فلم تكن حكرا علي طبقة بعينها. 

وأشاد ابن باجه   بضرورة انعزال الفيلسوف عن العالم والجماعة لأجل الوصول إلى حالة من الهدوء النفسي والعقلي والتحرر عن الرغبات الدنيوية فيتمكن من الإتصال بجميع العوالم السماوية. 

نظرية النفس 
تحدث ابن باجه أن غايته في نظرية النفس هي وصول الإنسان إلى الوحدة الإلهية، وقال إن النفس البشرية تنقسم إلي حيوانيه و نباتية وناطقة . 

وبدأ بالتدريج بالتعريف بالنفس النباتية التي تهتم بالنمو، أما النفس الحيوانية فتهتم بالحركة والإحساس و النفس الناطقة "العاقلة "وهي التي بإمكانها الاتصال بالعقل الكوني  وهو مصدر كافة المعلومات،  وانحصر العوام في أول قسمين فقط علي أن النخبة من الناس لديها النفس الناطقة التي قال عنها ابن باجه إنها خارج نطاق الجسد ولا تنتمي إلى العمليات الفكرية العادية التي تقوم بها الدماغ.

 وأوضح :أن على الإنسان السعي طوال حياته نحو التخلص من الملذات في الحياة الدنيا والتمسك بالجانب الروحي لأجل إعادة الاتحاد مع الخالق مرة أخرى في وحدة دائما " وهذه الوحدة تفسر في الشريعة أنها الجنة السماوية ". 

نظرية الوجود 
أخذ " ابن باجه" من الفلسفة الأرسطية ، بالإضافة إلي الفلاسفة المسلمين الذين سبقوه،  وأسس لفكرته الوجودية، بأن الوجود ينقسم إلى نوعين الأول منهم هو الذهني، ثم الوجود الخارجي " الواقعي، وقال أنه لا يتطابق الوجود الذهني مع الوجود الواقعي، وأن العالم الذي يتواجد فيه الإنسان ويظن أنه الوجود، هو في الأصل " وهم" وليس الوجود الحقيقي .

وأردف أن العقل الفعال "العقل الكوني" يحدث رنين وتجانس مع عقل الإنسان ويجله يرى الوجود على حقيقته، وهذه العملية تشبه انكشاف الغطاء عن الإنسان في لحظة مفارقة الحياة .

نظرية الاخلاق

رأى أن من يمتلك الأخلاق الحميدة فإنه يرى الطبيعة الإنسانية والكون والوجود أجمع على حقيقته، ونقد جميع القواعد السلوكية التقليدية في المجتمعات وشدد على أن القواعد والأخلاق الحقيقية نصل إليها من خلال التأمل والعقل، فعن طريق العقل نستطيع تحديد الخير والشر 

ومثل نظرية المعرفة السابقة، يري ابن باجه أن العزلة هي الطريق المثالي للوصول  إلى النمو الأخلاقي والروحي . 

توفي ابن باجه  في مدينة فاس بالمغرب عام 533 هجريا.