يزخر تاريخنا الثقافي والفني بعلامات مضيئة، أصبحت نجومًا تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجوم خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامها وإخلاصها وموهبتها وإبداعها في مسيرة المسرح المصري والعربي، وأسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسمائهم في عالم الإبداع بما قدموا بالكثير من الأدوار والشخصيات بمسرحنا المصري.
وتستكمل بوابة «دار الهلال» في رمضان 2024، ما بدأته من قبل برمضان 2023، حيث تواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد الفنانين بالزمن الجميل، ولنسافر معه في سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».
ونلتقي اليوم، مع المبدع المسرحي أمين بكير
أمين بكير هو مسرحي أصيل قضى عمره كله مرتبطا بالمسرح وبالتحديد خشبة «المسرح القومي»، وذلك منذ زيارته الأولى له مع والده الذي كان من ضمن العاملين به، فانبهر بعروضه ونجومه وسحر بأجوائه وأضوائه، فأصر على الالتحاق به و قضى طفولته بالمسرح حيث عين به مبكرا جدا، واستمر في العمل بعروضه طوال مسيرته الوظيفية وحتى بعد إحالته للتقاعد.
ومن خلال المسرح ارتبط أمين بكير بعلاقات قوية مع كبار نجومه بدءا من الرواد يوسف وهبي وأمينة رزق وفتوح نشاطي ومرورا بمبدعي جيلي الخمسينيات والستينيات بالقرن الماضي وحتى نجوم الألفية الجديدة، فهو المؤلف والباحث والناقد مسرحي و الممثل والمخرج ومن عمل مديرا لخشبة «المسرح القومي» ثم مخرجا منفذا لعدد كبير من عروضه.
بداية الرحلة
ولد أمين بكير بمدينة القاهرة في 8 مارس عام 1937، و بعد التحاقه بالعمل بالإدارة المسرحية ثم ترقيته مديرا لخشبة المسرح بفرقة «المسرح القومي» ، استطاع صقل موهبته المؤكدة بالدراسة، فنجح في الحصول على دبلوم معهد السيناريو، كما درس بالقسم الحر بمعهد «ليوناردو دافنشي».
وأوفد في زيارة تدريبية إلى كل من دولتي المجر و بولندا للتدريب على حرفيات المسرح. و ترقى خلال مسيرته الإدارية والفنية في العمل المسرحي حتى وصل إلى العمل كمخرج منفذ مع عدد كبير من كبار المخرجين الذين يمثلون مختلف الأجيال.
تمتع أمين بكير بعضوية عدد كبير من جمعيات الهواة وفي مقدمتها: «الجمعية المصرية لهواة المسرح»، «جمعية الرواد المسرحيين»، وبعضوية كل من اتحاد الكتاب، ونقابة المهن التمثيلية، والتي كان له دور فعال بها وخاصة بشعبة «الإدارة المسرحية» والتي نظم من خلالها عدة دورات مهمة بهدف الارتقاء بهذه المهنة ومستوى العاملين بها.
وعمل بالإدارة المسرحية، ومساعدة الإخراج وتنفيذ العروض وجميعها أعمال من خلف الستار أو وراء الكواليس و يصعب حصرها ، وخاصة مع غزارة عدد تلك المسرحيات التي شارك بها
وإسهامات وإبداعات الفنان الأديب أمين بكير في ثلاث محاور رئيسة كما يلي:
مجال التمثيل والإخراج
قامأمين بكير بتجسيد بعض الشخصيات الثانوية بعدد من المسرحيات، وكانت مشاركاته تتم غالبا إنقاذا لموقف كغياب أحد المشاركين بالعرض أو للسيطرة على مجموعة المجاميع ببعض المسرحيات الكبيرة حيث يقوم مثلا بدور قائد مجموعة الكورس، ومن أهم المسرحيات التي شارك فيها كممثل: «النسر الأحمر، رجال بلا ظلال، رابعة العدوية، أهلا يا بكوات، الساحرة» وغيرها كثير من الأعمال المسرحية.
واكتسب أمين بكير كثير من الخبرات العملية من خلال مساعدته لنخبة من كبار المخرجين لأكثر من جيل، وتنفيذه لعدد كبير من العروض بفرقة «المسرح القومي» أقدم على تجربة الإخراج المسرحي على استيحاء، فنجح في تقديم عدة مسرحيات من خلال فرق الهواة المختلفة وخاصة بفرق المسرح الجامعي وفرق الشركات وفرق «الهيئة العامة لقصور الثقافة» وأيضا بعض فرق الهواة
الأديب والباحث والناقد مسرحي
نشر الأديب أمين بكير عددا كبيرا من المقالات النقدية بمجال المسرح ببعض الصحف والمجلات المصرية ومن أهمها: مجلة «المسرح»، وجريدتي «القاهرة»، و الأهرام المسائي، وتميزت جميعها بقدرته الرائعة على قراءة العروض المسرحية وحرصه على تناول جميع المفردات المسرحية بالنقد والتحليل، مع تشجيعه لجميع المبدعين بمختلف المفردات الفنية وخاصة من الأجيال الشابة.
الدراسات النقدية
نشر أمين بكير عددا من الدراسات النقدية في مجال الأدب وفنون المسرح، وتضم قائمة كتبه المنشورة الإصدارت التالية: فى الحرفية المسرحية (دراسات)، السير الشعبية فى المسرح المصرى (دراسات)، المسرح مدرسة الشعب (دراسات أدبية)، المسرح عند الفراعنة (دراسة)، نجيب الريحاني (دراسة توثيقية)، ظواهر مسرحية عربية (دراسة ونماذج)، فن الإبهار المسرحي «السينوغرافيا»، الفكر والخيال في أدب الأطفال (دراسات وتجارب)، ثقافة وأدب الأطفال .. الواقع والمستقبل، المسرح الشعري (اتجاهات وقضايا)، حكايات من دفاتر النسوان، دفتر أحوال المسرح المصري،.
وقد م أمين بكير بعض الإبداعات الأخرى ومننها: المحظوظ (مسرواية)، همس العاشقين (مجموعة قصص قصيرة)، الوشم بالكلمات (مجموعة قصص قصيرة)، وعدة مجموعات من قصص الأطفال ومن بينها: القط مشمش والعروسة، أعظم هدية، الصياد والسمكة الذهبية.
أمين بكير المؤلف المسرحي
أمين بكير، مؤلف غزيز الإنتاج وخاصة في مجالي: مسارح الأطفال وعروض «المونودراما»، فالتأليف المسرحي هو المجال الأساسي لإبداعاته ومسرحياته:
من العطس ما قتل، حلوة اللعبة دي، كان غيرنا أشطر، و قام بإعداد بعض النصوص عن بعض روائع الأدب العالمي ومنها : إعداده لمسرحية «شيخ المنافقين» عن مسرحية الثعلب - أو فولبوني - للمؤلف الإنجليزي بن جونسون (1979)، وإعداده لمسرحية «من العطس ما قتل» عن رائعة الكاتب الروسي الكبير تشيكوف «موت موظف»، وإعداده مسرحية «شطارة» عن مسرحية «الأم شجاعة» رائعة المسرحي العالمي برتولد بريخت.
مسرحيات أمين بكير المنشورة
فجر ورماد (1969)، أنشودة الرصاص (1973)، خمس مسرحيات من فصل واحد (1977)، المحظوظ (1984)، أربع مسرحيات «مونودراما» (يوميات عصفور ومسرحيات أخرى) (1981)، الشعنونة ومسرحيات أخرى (1985)، سوق الكلام ومسرحيات أخرى، خمس مسرحيات كوميدية، الوادى السعيد (1990)، حتى صاح ديك،
وقدم مسرحيات: «احتفالية بنى شعب، شطارة، المتمرد والمتعنتظ والمنافق، زهرة الغضب (فرجة شعبية)، وأيضا مجموعة مسرحيات للأطفال ومن بينها: الحطاب القنوع، المهرج بمبة، أبو مسلمة، ملاعيب حنكوشا».
وأتيحت لمسرحيات الكاتب أمين بكير تقديم بعض نصوصه لأكثر من مرة بفرق الهواة المختلفة برؤى إخراجية مختلفة، ويمكن رصد وتصنيف بعض نصوصه التي قدمت على خشبات المسارح كما يلي:
العروض بفرق الهواة
- قدمت بعض فرق المدارس والجامعات والشركات وأيضا بعض فرق «هيئة قصور الثقافة» بالعاصمة والأقاليم عددا كبيرا من مسرحياته، ومنها بفرق «هيئة قصور الثقافة»: شلبية الغازية (1973)، الدليل (1982)، الليلة نحتفل (1983)، حراس وادي الطناش (1993)، لعبة الطواوسي (1994)، فلاح أهناسيا (1994).
- تقديم «الجمعية المصرية لهواة المسرح) لعدد كبير من مسرحياته وخاصة نصوص «المونودراما» من خلال المهرجانات الأربعة التي نظمتها للمونودراما (أعوام 1984، 1985، 1987، 2009).
العروض بالفرق الاحترافية
برغم ندرة فرص الانتاج المسرحي بفرق مسارح الدولة إلا أنها قدمت للكاتب أمين بكير أكثر من عرض من خلال فرقها المختلفة ومنها العروض التالية:
- «مسرح الطليعة»: ومن العطس ما قتل (1979).
- القاهرة للعرائس»: المحظوظ (1980)، على فين يا عروسة؟ (1982)، خرج ولم يعد (1984)، بر الآمان (2005).
- «المسرح الكوميدي»: حلوة اللعبة دي (1981)،
- «القومي للأطفال»: كابتن بليه (2016).
- مسرحيات مصورة: وهي مجموعة المسرحيات التي يتم إنتاجها للعرض التليفزيوني، ومن مسرحياته في هذا الصدد : «حلوة اللعبة دي» (1982)، «كان غيرنا أشطر» (1983)
وشارك نخبة من كبار المخرجين في إخراج نصوصه ومنهم: صلاح السقا (بمسرح العرائس)، حسين حامد، سامي عبد النبي، محمد عنتر، وبالفرق الأخرى السيد راضي، عبد الغني زكي، أحمد راتب، زكريا صالح.
شارك عدد كبير من النجوم في بطولة مسرحيات أمين بكير ومنهم: أمين الهنيدي، وداد حمدي، سعيد عبد الغني، محمد أحمد المصري، ليلى فهمي، عزيزة راشد، فؤاد خليل، أحمد راتب، ضياء الميرغني، تغريد البشبيشي، أحمد صيام
ومن أعمال أمين بكير المسرحية الإذاعية التجريبية «القمر الأسود» التي قام بإخراجها رضا الجابري، وشارك ببطولتها الفنانون عبد الغفار عودة، سهير طه حسين، عثمان محمد علي، محمد محمود.
شارك أمين بكير المتعددة بالمهرجانات المسرحية المتخصصة والمتنوعة التي نظمتها «الجمعية المصرية لهواة المسرح»، حيث شارك كعضو بعدة لجان للمشاهدة أو التحكيم أو للندوات خلال عدة دورات متتالية
عاشقا حقيقيا للفنون المسرحية
شارك في تنظيم عدة دورات لهواة لمسرح بالتأليف المسرحي، أو الإدارة المسرحية، والتي وضح من خلالها جليا عشقه للمسرح وفنونه، و التزامه وودقته واحترامه للمواعيد، و حرصه على متابعة أحدث الدراسات المسرحية ، وكان عاشقا حقيقيا للفنون المسرحية بجميع أشكالها وقوالبها بداية من عروض الفرجة الشعبية وانتهاء بأحدث عروض المسارح التجريبية المعاصرة.
عاشق المسرح الحقيقي
وفاز الأديب أمين بكير عاشق المسرح الحقيقي، بحب وتقدير جميع العاملين بفرقة «المسرح القومي» بمختلف مستوياتهم الإدارية ، بدءا من أصغر عامل إلى جميع المديرين الذين تولوا منصب القيادة، ونجح في كسب احترام وتقدير عدد كبير من هواة وعشاق المسرح، هؤلاء الذين كان يقتطع أوقاتا كثيرة من حياته لصقل مواهبهم وتثقيفهم وتدريبهم من خلال «مهرجان الرواد» الذي حرص على دعمه لسنوات طويلة.
وفاز الراحل والمبدع أمين بكير أيضًا باحترام وصداقة أغلب المسرحيين بالوسط الفني الذين اعترفوا له بخبراته الكبيرة وصدق نصائحه وملاحظاته، وأيضا بدماثة خلقه ورقة مشاعره وحسن أسلوبه في النقد والتوجيه مع تفرده بقدراته الكبيرة على العطاء.
التكريم والاحتفاء
ويحظى خلال مسيرته الفنية ببعض مظاهر التكريم ومن أهمها حصوله على الجائزة الثالثة لمسابقة الكتاب العربي على مستوى العالم الثالث التي نظمتها «اليونسكو»، وجائزة «الجامعة الأمريكية» عن مجمل نصوصه المسرحية، وأيضا التكريم من قبل كل من: «الجمعية المصرية لهواة المسرح»، «المركز الكاثوليكي المصري»، «جمعية الرواد المسرحيين»، والمسرح القومي.
رحيل وأثر كبير باق
رحل المبدع المسرحي أمين بكير عن عالمنا يوم الثلاثاء الموافق 15 من سبتمبر 2020 بعد رحلة طولة ومميزة ومتفردة لها أثر كبير باق امتدت لعقود أسعد الكثير والكثير من جمهور الفن والمصري والعربي.