الإثنين 29 ابريل 2024

حين وضع النبي رأسه تواضعاً لله وقال اذهبوا أنتم الطلقاء.. ذكرى فتح مكة

فتح مكة

تحقيقات30-3-2024 | 14:45

محمود غانم

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان، تحديداً 20 رمضان 8 هـ، أنعم الله على نبيه الكريم بـ "فتح مكة" والذي جاء إثر نقض قريش صلح الحدبية.

ونص صلح الحدبية الذي عقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومشركي قريش، على أن من أحب أن يدخل في عهد إحدى الفريقين دخل.

فدخلت خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلت بنو بكر في عهد قريش، ثم إن بني بكر عدت على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير.

وأعانت قريش بني بكر على خزاعة بسلاح ودواب، وقاتل معهم جماعة من قريش مختفين، منهم: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهل بن عمرو، فانحازت خزاعة إلى الحرم، وقتل منهم نفر. 

فلما نقضت بكر وقريش العهد الذي بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج عمرو بن سالم الخزاعي، حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فوقف عليه، ثم قال: 

لاهم إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا

فوالدا كنا وكنت ولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر رسول الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قد نصرت يا عمرو بن سالم! ثم عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنان من السماء فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب».

 قريش تريد الشفاعة

أتى أبو سفيان النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم أتى أبا بكر فكلمه ليكلم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر فكلمه فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به. 

ثم خرج حتى أتى علياً وعنده فاطمة والحسن غلام، فكلمه في ذلك، فقال له: والله لقد عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر لا نستطيع أن نكلمه فيه. فقال لفاطمة: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري ابنك هذا أن يجير بين الناس فيكون سيد العرب؟ فقالت: ما بلغ ابني أن يجير بين الناس، وما يجير على رسول الله أحد. 

 تحرك النبي

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- قاصداً مكة في عشرة آلاف من أصحاب في يوم 10 رمضان 8 هـ، فلما علم أبو سفيان بخروج آتاه فأسلم، فقال العباس بن عبد المطلب -عم رسول الله- يارسول الله إنه يحب الفخر، فاجعل له شيئاً يكون في قومه.

فقال الذي لا ينطق على الهوى: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام (أسلم مع أبو سفيان) فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.

جاء أبو سفيان مكة فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فقالوا: فمه. قال: من دخل داري فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ثم قال: يا معشر قريش، أسلموا تسلموا.

 جيش الفتح يدخل

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الزبير بن العوام أن يدخل ببعض الناس من كداء ، وكان على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل ببعض الناس من كداء ، فقال سعد حين وجهه : اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة.

سمع تلك المقالة أخد المهاجرين، فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعلي بن أبي طالب : أدركه، فخذ الراية منه، وكن أنت الذي تدخل بها، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة من الليط في بعض الناس، وكان معه أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب، وهو أول يوم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد.

ولما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذي طوى وقف على راحلته وقد وضع رأسه تواضعا لله - تعالى - حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن أسفل لحيته ليمس واسطة الرحل، ثم تقدم ودخل من أذاخر بأعلاها ، وضربت قبته هناك.

وكان عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو - قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا، ومعهم الأحابيش، وبنو بكر، وبنو الحارث بن عبد مناة، فلقيهم خالد بن الوليد، فقاتلهم فقتل من المسلمين جابر بن حسيل الفهري، وحبيش بن خالد، وهو الأشعر الكعبي، وسلمة بن الميلاء، وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزم المشركون.

 حديث النبي

ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة كانت عليه عمامة سوداء، فوقف على باب الكعبة وقال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل دم أو مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت، وسقاية الحج.

ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم. قال: اذهبوا، فأنتم الطلقاء. فعفا عنهم، وكان الله قد أمكنه منهم، وكانوا له فيئا، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء. 

وطاف بالكعبة سبعاً، ودخلها وصلى فيها، ورأى فيها صور الأنبياء، فأمر بها فمحيت، وكان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، وكان بيده قضيب، فكان يشير به إلى الأصنام وهو يقرأ: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81] فلا يشير إلى صنم منها إلا سقط لوجهه. وقيل: بل أمر بها وخدمت وكسرت».

بعد ذلك جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للبيعة على الصفا وعمر بن الخطاب تحته، واجتمع الناس لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، فكانت هذه بيعة الرجال.

أما بيعة النساء، فبايعن على قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة:12] .

ولما جاء وقت الظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً أن يؤذن على ظهر الكعبة وقريش فوق الجبال، فمنهم من يطلب الأمان، ومنهم من قد أمن، وهكذا تم الفتح.

Dr.Randa
Dr.Radwa