تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية وقام علماء الفلسفة المسلمين بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.
ونقدم خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية، إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وكيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في تاريخ الحضارة الإسلامية.
يعد أبو منصور السمرقندي, الشهير ب "الماتريدي"، هو مؤسس “المذهب الماتريدي” الذي يعد من أهم المذاهب الإسلامية في السنة والجماعة.
ولد أبو منصور في مدينة سمرقند "في اوزبكستان"عام 236 هجريا.
دافع عن العقيدة الإسلامية باستخدام الأدلة العقلية والمنطقية، لذلك يعد من أهم من ساهم في تطوير علم الكلام.
تكلم السمرقندي في الفلسفة وعلم اللاهوت، وفسر لنا العديد من النظريات ومنها نظرية المعرفة، التي كانت متأثرة بالفلسفة الأرسطية، والمعرفة عند الماتريدي لا تنبع من الفكر السطحي وأخذ صغائر الأمور ودراستها، بل تعتمد علي استخدام العقل في فهم الوجود. واعتبر أن تمام المعرفة ينبع من فهم الكون وحقائقه.
وأكد المنصور السمرقندي، على أن الإنسان يمكنه الوصول إلى الحقائق الدينية واللاهوتية بمفرده وذلك عن طريق التفكير العقلاني والمنطقي، ذلك لأنه آمن بامكانيات العقل البشري علي فهم كافة الحقائق وأسرار الكون.
وعن نظرية الأعمال وعلاقتها بالقدر، أكد المنصور أن الإنسان حر في أفعاله وقراراته٫ ولكن بالرغم من ذلك فإن حريته محدودة بإرادة الله، أي أن الله يحكمهم بقدره في النهاية، فالله يقرر مصير البشر طبقا لما يتوافق مع إرادته.
ونقد أبو منصور الماتريدي فكرة الإيمان وحدها ، بقوله" الإيمان لايكفي وحده للنجاة في الدنيا والأخرة، بل لابد من الأعمال الصالحة".
وأيد الماتريدي العلاقة بين العلم والدين، مؤكدا على أن الأول يعزز في تحقيق الحقائق بمساعده الأخر، بقوله أن الدين يرشد الإنسان إلى الأخلاق و القوانين الروحية وهي الماء و الزاد في طريق الساعي إلى العلم الحقيقي وفهم ظواهر الكون، فالدين يطهر العبد من الدنيا ومتعلقاتها التي تقف حاجزا أمامه في فهم حقائق ذلك الكون، فهما الاثنين يكملان بعضهما البعض.
وآمن الماتريدي بسلطة الوحي الإلهي الذي بدوره يرشد العقل إلى الحقائق، فالإنسان المؤمن هو الذي يفتح عليه حالقه بفهم الأمور عن طريق العقل تحت سلطة عليا وهي سلطة الوحي الإلهي التي توجه العقل إلى الأمور التي يجب أن يتم التحقيق والبحث فيها.
واتفق الماتريدي مثل غيره من الفلاسفة المسلمين علي رفض نظرية الفيض الإلهي، التي أيدها الفلاسفة اليونانيون، فأيقن بخلق الكون بكامل أجزاءه من الله وأن كل ما في الكون مخلوق له. فلا شريك للخالق في الكون علي عكس الفيض الذي يؤكد على أن الموجودات مثل النفس والعقل هي حلقة الوصل بين الله والعالم. وعند الماتريدي لا يوجد حواجز تفصل بين المخلوقات وبارئها.
يؤمن المنصور السمرقندي، بأن القيم الأخلاقية تأتي من الله فلا تتغير مع مرور العصور، فدافع عن من يروجون أن القيم الأخلاقية نسبية تتغير بتغير الزمان والمكان.
توفي أبو منصور الماتريدي عام 333 هجريا. ولا تزال أفكاره تدرس في الجامعات والمدارس الإسلامية حتي يومنا هذا