مسارات عديدة ومبادرات متنوعة، تلك التي تقوم بها إيطاليا في تعميق علاقاتها مع الدول الأفريقية بصفة عامة ودول شمال القارة على وجه الخصوص، ولا يرجع هذا الاهتمام إلى اليوم فحسب مع التئام القمة الإيطالية الأفريقية الأولى، وإنما ثمة علاقات وطيدة تربط إيطاليا بالعديد من دول القارة الافريقية، نظرا لتشابك بعض الملفات وتداخل بعضها الآخر، وهو ما يجعل من التنسيق المستمر والتعاون الدائم مسارا مهما تلتزم به الدولة الإيطالية في علاقاتها مع دول القارة الافريقية، متبعة في ذلك مسارين فرعيين: الأول مسار العلاقات الإيطالية الافريقية في مجملها كما عبرت عنها القمة الإيطالية الافريقية الأولى السابق الإشارة إليها.
الثانى مسار العلاقات الإيطالية مع بعض دول القارة على وجه الاهتمام، ولعل في مقدمة هذه الدول تونس، إذ تقع في مواجهة الجنوب الأوروبي الذى تعانى دوله من هجرات غير مسبوقة من المهاجرين غير الشرعيين بما يترتب على ذلك من أزمات عديدة واجهتها حكومات هذه الدول بما دفعها إلى انتهاج مسار العمل المستقبلي من خلال بناء تفاهمات وتوافقات مع دول شمال القارة في سبيل الحد من وصول موجات المهاجرين الافارقة إلى أوروبا هربا من أوضاع مأسوية على كافة المستويات؛ سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا، ولعل هذا ما يفسر اقدام إيطاليا على تقديم تمويلا حكوميا نقديا للدولة التونسية بقيمة اجمالية تبلغ 105 ملايين يورو لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، فعلى سبيل المثال كشفت بيانات وزارة الداخلية الإيطالية عن انه خلال الفترة الممتدة ما بين شهر يناير 2024 وحتى منتصف ابريل الجارى وصل إلى إيطاليا 16 الف مهاجر بينهم 2225 من تونس. وتأتى تلك المبادرة الإيطالية إدراكا من جانبها بمدى صعوبة مثل هذه القضية ذات الأبعاد المتعددة، إذ تمثل قضية الهجرة عبئا على الدول المستضيفة وكذلك المرسلة إذا خرجت من عند الاخيرة كفاءات ومهارات يقوم عليها اقتصادياتها، هذا إلى جانب ارتباط مثل هذه القضية بقضية الإرهاب والتطرف ومخاطر ذلك على الامن والاستقرار من ناحية، والتنمية والتقدم من ناحية أخرى. ولذا جاءت تلك الخطوة الإيطالية لتعزز الخطوات السابقة التي اتخذها الطرفان في سبيل الحد من الهجرة غير الشرعية وجعلها هجرة منظمة، إذ يذكر أن البلدين وقعتا اتفاق العام الماضى يقضى بأن تستقبل إيطاليا 12 الف تونسيا من العمالة التونسية الماهرة على مدى ثلاث سنوات.
وغنى عن القول إن العلاقات الإيطالية التونسية لا تتوقف عند هذا الحد أو المستوى، وإنما يحرص البلدان على ان يكون ثمة تفاهم مستمر وتوافق دائم بشأن جل القضايا محل الاهتمام المشترك على غرار قضية الهجرة غير الشرعية موضوع هذا المقال، كما ان هناك قضايا حيوية تحتاج إلى التعاون بينهما كما هو الحال في مجال الطاقة إذ كشفت تصريحات بعض المسئولين الايطاليين عن أن روما عرضت على تونس تمويلات حكومية نقدية بقيمة اجمالية تبلغ 50 مليون يورو بهدف مساعدتها في تعزيز مشروعات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، ليؤكد ما سبق على تنوع مسيرة العلاقات بين البلدين واهمية ان يشهد قادم الأيام مزيد من التعاون والتنسيق المشترك.