نعم.. شكرا لك أيها التوتر فأنت مجرد لحظات أو ساعات أوأيام تحسن فيها إعادة النظر وتروق فيها مراجعة الحسابات ويحين فيها تمحيص الولاءات ويبرز فيها سبر أغوار الصورة واستلهام العبر من تفاصيلها لتكون تلك العبر أساسا متينا لما هو قادم وخريطة يسترشد بها في تعبيد مسار جديد..
ففي الوقت الذي يسعى فيه الجميع لاحتواء التوتر بين إيران وإسرائيل كانت هذه الجهود بمثابة الضوء الكاشف عن مدى الزيف الذي يسيطر على العالم فطوال شبعة أشهر مضت ونحن نعيش كذبة تحت شعار نصرة الأقصى والتي صدرها لنا مجموعات سوقت لنا وهم تحرير وتطهير الساحات وإنصاف المظلوم وتقويم اعوجاج كفة مجتمع دولي يصف نفسه بالحر بيد أن قراره أسير وإنسانيته رهينة ليسفر اليوم عن البحث للعودة إلى وضع محسن قليلا عما كان قبل السابع من أكتوبر الماضي.
واليوم وبعد أن أدركت قطر أنها تؤؤي من لا قرار لهم تبحث حماس عن ملجأ جديد آمن ومنصة جديدة تقبل الاستمرار في ترسيخ انقسام الساحة الفلسطينية ومواصلة المزاد على مصير ملايين الفلسطينيين الذين احتكرت إيران وأذرعها كحماس وأخواتها مصيرهم ودفعتهم إلى أتون محرقة لم تعد لها عدة سوى العبارات الحماسية وهي على يقين من أنها لاتملك لعدوها ردعا عن سفك دماء رعيتها بل لا يملك قادتها لأنفسهم ضرا ولا نفعا فكيف بمن لا يستطيع حماية نفسه من عدوه أن يحمي غيره وكيف لمن هو مسلوب القرار ويخوض معركة بالنيابة عن نظام طهران الذي أثبت نجاحه في استغباء حماس وامتطائها في معركته مع الغرب لنيل عضويته في النظام العالمي سواء بالرضا أو القوة وحين اشتد المعركة وحمي وطيسها انسحبت طهران وكل أذرعها حفاظا على مقدراتهم وتركوا الفلسطينيين وحدهم بعد أن دفعوهم وقدموهم درعا لحماية حلم امبراطوريتهم التي تتوسع على حساب الأغبياء كيف لهؤلاء المشردين الباحثين عن وكيل يستخدمهم أن يقدموا شيئا للفلسطينيين إلا المزيد من الشهداء ليزداود مجدا ويوارى سفاهة عقولهم وجبنهم حين قرروا أن يخوضوا بالفلسطينيين حربا يتحصنون فيها هم بالأنفاق تاركين رعيتهم أهدافا مباحة في سوق الدعاية والترويج باسم نصرة الأقصى.
وأثبتت المسرحية العبثية التي أدارتها أمريكا بين طرفي المعركة الأصليين والتي تدور رحاها على أرض فلسطين وهما إيران وإسرائيل أن قضية الفلسطينيين وحياتهم ليست على الطاولة ولا اعتبار لها فلم تتحرك إيران إلا ثأرا لقصف سفارتها في وقت ظلت فيه هي وفيلق القدس متفرجين حتى تجاوز عدد الشهداء 35 ألفا وتجاوز عدد المصابين 80 ألفا أثبتت تلك المسرحية مدى عمق الخطأ الاستراتيجي العميق لقادة حماس بعد أن ظنوا ان ما تمده به إيران من سلاح ومال كان لنصرتهم في وقت أنه كان الثمن الرخيص لمشروع الملالي الأكبر الذي اتخذ من دماء الفلسطينيين وقودا في معركتهم مع الغرب لنيل الاعتراف والقبول به طرفا في المنطقة.
لم تعد في الوقت بقية لندم أو مساحة لتعاتب أو صبر لينفد.. فقد كشف التوتر الأخير ولاءات الجميع وأهدافهم ولم يبق أمام الفلسطينيين إلا إعادة صياغة مشروعهم الوطني لكي يكون بأهداف فلسطينية خالصة ووفق تحالفات موثوقة وليس من الخطأ أو العار أن تعلن حماس اعتذارها عن ذلك الخطأ بالعودة إلى الصف الفلسطيني وتأسيس وحدة وطنية حقيقية مخلصة تعلو فيها المصلحة الفلسطينية فوق كل اعتبار ومن ناحية أخرى يجب على السلطة الفلسطينية أن تعيد صياغة وجودها والتخلي عن حصرها في دور المنسق الأمني والعودة على خانة الكفاح السياسي المستند إلى مرجعية شعبية لا تختلف على دورها أو أهدافه.
ومن ناحية ثالثة فمن الواجب على القمة العربية المقبلة أن تنزع الشرعية والدعم عمن يحيد عن تلك الأهداف فلا صوت يسمع أو تمثيل يسمح أو دعم يقدم أو تعاون يقترح إلا لصوت فلسطيني موحد ومشروع خالص بعيد عن المقامرات التي تدور رحاها بين أمريكا وحليفتها إسرائيل وبين إيران وروسيا والصين من ناحية ثالثة وليكن الجميع شجاعا فإن عجز الموجودون بل كل الموجودين على الساحة الفلسطينية في تحرير مصيرهم من جور الأجندات أو حماية رعيتهم من سفك الدماء فلينسحبوا بكل شجاعة ويسلموا الراية لمن يملك أن يحقق ما عجزوا عنه وساعتها قد يرحمهم التاريخ ويذكرهم بالخير وليبحث أيضا هؤلاء المقامرون بالفلسطينيين عن أرض وساحة أخرى ودماء أرخص يسفكونها في سبيل أهدافهم وإن فشلنا في تحقيق ذلك فسيدفع الجمبع الثمن أضعافا مضاعفة ولن يكون في النهاية إلا تلك البداية التي نؤجلها اليوم .. فشكرا لك أيها التوتر فكم كنت كاشفا ملهما ورب ضارة نافعة.