الجمعة 3 مايو 2024

الحرف الثقافية.. الفخار يعبر عن الرحلة الروحية لحياة الإنسان

صناعة الفخار

ثقافة23-4-2024 | 22:50

إسلام علي

يشير مصطلح "الحرف الثقافية" إلى التقاليد والعادات التي تميز كل مجتمع، وتسهم في تشكيل هويته وفنونه، بالإضافة إلى أنها تبرز تفاعل جماعة من الناس مع محيطهم عبر استخدام مجموعة متنوعة من المواد لصناعة أدواتهم.

وتتصدر حرفة صناعة الفخار هذه الحرف الثقافية، حيث امتدت عبر العصور منذ بداية تشكيل الأعمال الفنية، فالإنسان الحديث ما زال يستخدم الطين ويضيف عليه اللمسات السحرية ليخلق قطعًا فنية أصيلة تزين بيوتنا.

تشير الأبحاث الأثرية، إلى أن تاريخ صناعة الفخار يعود إلى أكثر من 10 آلاف سنة بل تزيد، حيث كان الإنسان القديم ماهرًا في تشكيل الفخار لصنع مجموعة متنوعة من الأدوات مثل الأطباق وأدوات الزراعة.

تمر صناعة الفخار بعدة مراحل، حيث تبدأ بتجميع الطين من الطبيعة أو شرائه جاهزًا، ثم يتم تنقيته أولاً من الشوائب، ومن ثم يخلط مع الماء ليصبح مناسبًا للتشكيل.

يقوم صانع الفخار بتشكيل الطين عن طريق العجلة الفخارية الدوارة، فيقوم بصناعة العديد من الأشكال التي يرغب فيها، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة "إبداع صانع الفخار" حيث تتجسد أفكاره وإبداعاته في القطع الفخارية التي ينتجها.

في المرحلة التالية، يتم تجفيف القطع الفخارية في وقت محدد لفقدان الرطوبة، مما يجعلها جاهزة للمرحلة الفنية التالية، ويستثمر صانع الفخار إبداعه في هذه المرحلة من خلال زخرفة القطع الفخارية بألوان متنوعة وزخارف.

تدخل القطع الفنية في المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة "الحرق"، حيث تعرض لدرجات حرارة عالية في أفران خاصة لمدة ساعات معينة، تؤدي هذه العملية إلى تحول الطين إلى فخار صلب يدوم لأجيال، حيث يتمكن من الصمود والتحمل لفترات طويلة.

الفخار كعباده وكأسلوب لحياة الإنسان

 

تتشابه الطرق المختلفة لتكوين الفخار، التي تنطوي على عملية تحول الطين إلى فخار، مع رحلة الإنسان في هذا العالم، لذلك، استمرت هذه الحرفة لآلاف السنين، حيث تنتقل من جيل إلى آخر.

تعتبر المرحلة الأولى، وهي تجميع الطين، من المادة الرئيسية للصناعة، تذكر الحرفي بالمادة الأولى التي خلق منها الإنسان، وفي المرحلة التالية، حيث يتم تنقية الطين، يُشبه ذلك إلى حد ما تنقية الإنسان من الذنوب والخطايا في العالم المادي، حيث يسعى إلى التخلص منها.

تتميز المرحلة التالية بتشكيل القطعة الفخارية حسب الحاجة، حيث تمثل تشكيل الإنسان لذاته ولأخلاقه وصفاته المعتدلة، وهذه المرحلة تعكس السعي والجد عند الإنسان، حيث يسعى لتطوير نفسه وتحسين صفاته.

وتأتي المرحلة التالية، وهي تجفيف القطعة الفخارية، لتمثل مرحلة الصبر والتحمل عند الإنسان، فكما يحتاج الطين إلى وقت ليجف، يحتاج الإنسان أيضًا إلى الصبر والتحمل في مواجهة مشقات الحياة.

تنفرد مرحلة حرق القطعة الفخارية في الأفران، بمرحلة حرق الذات الأنانية وكل الصفات السيئة التي تقف حاجزًا أمام الإنسان في حياته الروحية، حيث يسعى إلى التخلص من هذه الصفات للوصول إلى اتحاده مع خالقه.

في المرحلة الأخيرة، يمثل تزجيج وتزيين القطعة الفخارية مرحلة الكمال، حيث تصبح القطعة الفخارية جميلة وجذابة بعد التزجيج، وبنفس الطريقة، يصبح الإنسان كاملًا ومنيرًا بنور الله بعد تخلصه من الحواجز التي كانت تقف حائلة بينه وبين خالقه.

استمرت حرفة الفخار حتى الآن دون غيرها من الحرف التي اندثرت، لأنها تعيد تشكيل طريق الإنسان للوصول إلى خالقه، فكلما يصانع الفخار يصنع قطعة فخارية، يتذكر طريقه الروحي في الحياة، ويجدد روحه وتواصله مع الأسس العميقة لوجوده.

Dr.Randa
Dr.Radwa