الثلاثاء 21 مايو 2024

روائع معمارية.. قبة قانصوه الغوري

قبة السلطان قانصوه الغوري

ثقافة30-4-2024 | 22:08

إسلام علي

بلغت القباب في العصر المملوكي، ذروة الكمال من حيث العمارة والزخرفة، إذ تميزت بتنوع التأثيرات التي انعكست عليها، مثل التأثيرات الصوفية والفلسفية، إضافة إلى الرموز المستمدة من بلاد الشرق في العالم الإسلامي، وبذلك أصبحت مصر في تلك الحقبة مركزا تتلاقى فيه جميع مكونات التراث الثقافي الإسلامي.

وفي السطور التالية سنتحدث عن قبة قانصوه الغوري...

ولد السلطان قانصوه الغوري في مدينة غور بتركيا، وجاء إلى مصر كفرد من المماليك، ولكنه تميز عن أقرانه بمجموعة من الصفات، التي أهلته ليصبح حاكما للدولة المملوكية في مصر بين عامي 1501  و 1503 ميلادية.

بذل السلطان الغوري جهودا كبيرة لتعزيز مكانة مصر ثقافيا، كما أنجز العديد من المشاريع المهمة، مثل مسجد الغوري في أمام منطقة القرافة، بالإضافة إلى مدرسة الغوري وقبته في الغورية.

برز الغوري بفضل تنشئته العسكرية القوية ونجح في تحقيق عدة إنجازات، ومن أبرز هذه الإنجازات صد هجمات العثمانيين، مما أسهم في تأخير دخولهم مصر لفترة من الزمن، وتعد هذه الجهود العسكرية جزءا مهما من إرث السلطان الغوري الذي أضاف قيمة كبيرة لتاريخ الدولة المملوكية.

تقع قبة السلطان قانصوه الغوري في تقاطع شارعي الأزهر والغورية، وتعتبر واحدة من المعالم الإسلامية البارزة في القاهرة، تم بناء هذه القبة عام 909 هجريا، وهي جزء من مبنى يطل بواجهتين، الأولى على شارع الأزهر، والثانية على شارع الغورية، حيث يوجد المدخل الرئيسي، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن السلطان الغوري لم يدفن في هذه القبة، رغم اعتقاد البعض بأنها كانت مخصصة لتكون مثواه الأخير.

كانت الغاية من بناء قبة الغوري لا تتعلق فقط بتوفير مكان للدفن، بل كانت تعبيرا عن رؤية فنية وهندسية عميقة، إذ أراد السلطان الغوري من خلال هذه القبة أن يعرض مجموعة من القوانين الهندسية والفنية التي تعكس التطور الهائل في العمارة الإسلامية، وتضمنت هذه القبة عناصر تبرز مهارات الحرفيين في تحقيق علو الارتفاع دون فقدان التوازن، بالإضافة إلى الجمع بين العديد من العناصر الهندسية والزخارف النباتية والهندسية بطريقة متناغمة.

تعكس قبة الغوري في تصميمها قيمًا ومفاهيم ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى المسلمين، ويعتقد أن العناصر المعمارية المستخدمة في تصميمها تحمل معانٍ دينية مقدسة، مما يضيف إلى الأهمية الروحية لهذا المعلم، وهكذا، أصبحت القبة نموذجا يحتذى به في فهم تقنيات العمارة الإسلامية وجمالياتها.

تميزت قبة السلطان قانصوه الغوري بعلوها الملفت، والذي يعود إلى استخدام مناطق انتقال مرتفعة، ومع ذلك، تعرضت القبة الأصلية للسقوط، وتم استبدالها بسقف خشبي حاليًا.

تتألف مساحة قبة الغوري من ثلاثة أقسام تتجه نحو السماء، القسم السفلي منها يتخذ شكل مكعب، مشابه لأداة الناي الموسيقية، حيث يحتوي كل جانب من الجوانب الأربعة، على ثلاث دخلات مزينة بعقود مخموسة، وهي تصميمات تميزت في العصر المملوكي.

زين القسم السفلي، أو المكعب السفلي، بزخارف هندسية ونباتية تعكس منظور الفن الإسلامي نحو الحياة الآخرة والجنة، تلك الزخارف تتسم بالتناغم، مع تعبير واضح عن التصورات الإسلامية حول المعاني الروحية.

تقع مناطق الانتقال فوق المكعب السفلي، التي تفصل بين القسم السفلي والقبة المفترض بناؤها في الأعلى، مناطق الانتقال تتألف من 13 طبقة من المقرنصات، حيث توجد في كل ركن من أركان المكعب، وفي المسافات بين هذه الطبقات، توجد ثلاث نوافذ تعلوها ثلاث دوائر تعرف باسم "القندلية المركبة" وفقًا للمصطلحات الإسلامية.

يعكس هذا التصميم الفريد، مستوى متقدما من الهندسة المعمارية والفنية التي كانت سائدة في العصر المملوكي، وقد صممت قبة الغوري لتعبر عن قوة وإبداع الفن الإسلامي، مما يجعلها نموذجا مهما لفهم تطور العمارة الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة والفنون في ذلك الوقت.

 

المعاني الثقافية بداخل القبة الضريحية

وتعتبر قبة السلطان قانصوه الغوري، ليست مجرد تحفة معمارية بل تتضمن رموزا ثقافية ودينية، تعكس عمق الفكر الإسلامي، فالقباب في الثقافة الإسلامية تحمل معاني متعددة، منها مفهوم الكمال المطلق لله، حيث تعبر القبة عن السماء أو الكمال الإلهي، مما يجعلها تمثيلا ملموسا لنظرية الفيض الإلهي التي ترى أن كل شيء في الكون يعود إلى الله.

تعبر القباب أيضا عن نظرية وحده الوجود، وهي فكرة دينية انتشرت في العصور الوسطى، ترى أن كل شيء في الوجود متصل بالله، وأن الله هو الجوهر الذي يتجلى في كل شيء، ولذلك، فإن تصميم القباب، بما في ذلك قبة الغوري، يرتكز على هذا المفهوم، حيث ينطلق التصميم من قاعدة ثابتة، متجهًا نحو الأعلى، مشيرًا إلى الارتباط الروحي بالعوالم السماوية.

تعتبر مناطق الانتقال في القباب الإسلامية، مثل تلك الموجودة في قبة الغوري، مثالا على الهندسة المعمارية التي تعكس البعد الروحي، تتخذ هذه المناطق شكل هرم صاعد، وهو تمثيل للعوالم الروحية المتعددة التي يمر بها المؤمن في طريقه نحو الوحدة الإلهية والجنة السماوية.

يعكس هذا التركيب المعماري المميز ، رؤية ثقافية عميقة، حيث يعبر عن الرحلة الروحية للمؤمن ويعكس رموزًا دينية ومعاني فلسفية مهمة في الإسلام. قبة الغوري، بما فيها من عناصر تصميمية فريدة، تعد رمزًا لهذا الفكر، حيث تجسد وحدة الوجود، وتبرز الكمال الإلهي، وتوجه الأنظار نحو العوالم الروحية التي تمثل جوهر الإيمان الإسلامي.