تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "تأملات في دفتر" للكاتبة إيمان صلاح، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

قصة "تأملات في دفتر"

صباح الخير يا عزيزي، اليوم ذهبتُ إلى المكتبةِ باكرًا، أردتُ أن أقرأ كثيرًا، أن أنغمسَ بكلِّ حواسِّي وروحي في عالمٍ آخرَ بعيدٍ لا أعرفُهُ، يعيدُ لي روحي التي فقدتُها وسطَ زحمةِ الأيامِ.

أنفصلُ عن العالمِ فلقد سئمتُ من روتيني العادي والأحاديث الفارغة، اليومَ قرَّرتُ أن أغوصَ في عالمِ الأدبِ، وبينما كنتُ تائهةً أبحثُ عن شغفٍ جديدٍ عَثُرتُ على ذاك الغلافِ الذي يبعثُ على التأمُّلِ حقًّا، وددتُ أن أعرفَ اسمَهُ سريعًا "فرانز كافكا"، يا إلهي أحبُّ عالمَهُ الذي يبدو كئيبًا، كان غلافًا لونُهُ أحمرَ، به رسمةً عجيبةً لا أفهمُها باللونِ الأسودِ؛ يبدو أنَّ أحدَهُم يفتحُ بابًا ويهربُ، وآخرُ يطلُّ من نافذةٍ، أحسستُ أنَّني في مواجهةِ كتابٍ يضمرُ أشياءَ ثمينةً كمشاعرَ وأفكارٍ ملهمةٍ، أمَّا عن اسم الكتابِ فهو "تأملاتٌ"، وكما توقعتُ، كانت مجموعةً قصصيةً لـ"كافكا".

وبدأتُ الرحلة.. إنهم لا ينامون أبدًا، ولم لا؟ لأنَّهم لا يتعبون أبدًا ولم لا؟ لأنَّهم حمقى، ألا يتعبُ الحمقى؟ كيف للحمقى أن يتعبوا؟! عرفتُ أنَّ هذا هو الكتابُ الوحيدُ الذي نُشرَ له أثناءَ حياتِهِ، حتى إنَّه لم يردْ نشرَهُ، ورأيه أنَّ الكاتبَ المميَّزَ لا يريدُ أن يظهرَ إلى النورِ، ولا يريدُ أن تأخذَهُ الشهرةُ، ويظلَّ في دائرةِ الضوءِ، بل أنَّ الكاتبَ الحقَّ يحبُّ الضوءَ الخافتَ، حتى يستطيعَ أن يرى إبداعَهُ وحدَهُ، ثم يقرِّرُ هل يزيدُ من الضوءِ ليرى الناسُ ما خطَّ عقلُهُ وقلبُهُ، وبينما أتطلعُ على ما تُرجمَ له، وجدتُ وردةً مجفَّفةً قديمةً شحبَ لونُها وذهبت رائحتُها للأبد، حتى إنَّ زهوَهَا ضائعٌ وسطَ الصفحاتِ، أحدُهم تركَ أثرًا، وقد عثرتُ عليه.