نافلة القول إن الاقتصاد حياة الناس ولابد أن تترك الأرقام علامة على الأبواب "خصوصاً أن ملامح اقتصاد العام الحالي لأى دولة ترسم ملامح العام القادم " ، فهل تكون الثقافة و الحراك الثقافي من أهم العروض الافتتاحية للمجتمع ومنفذ من منافذ التحفيز والتقدم علي جانب المنحى الاقتصادي أو ما تقول تعديل البوصلة الداخلية للوعي الجمعي بالثقافة الاقتصادية التي ترتبط بمربع النشاط الاقتصادي ومصدر من مصادر الإنتاج وتوزيع الموارد وكل ما يخص الاقتصاد القومي، وكيف نطور تباعد المسافات في التعلم العميق لأنواع الثقافة الاقتصادية للمجتمع ليس للكل وإنما نريد ان تتغير لغة الجسد إن جاز التعبير في المسلك الاقتصادي والسؤال الذي يطرح نفسه دوماً، هل نستطيع أن يكون لدينا فلسفة التقييم للوضع الاقتصادي و أن يكون لدينا القناعات للانضمام إلى ما يسمي قطار الحقيقة أو مرحلة التماس الحقيقي في إدارة شئون حياتنا الاقتصادية، وإن يكون لدينا المعطيات والدلائل وأدوات التمكين الاقتصادي، فلكل منا أدواته والمتنافسون كثر ولا أحد يعزف منفرداً لذلك وجب تحسين الثقافة الاقتصادية بدءاً من تطوير التعليم والتدريب وإدارة المقصد الاقتصادى وتحويل هذه الثقافة إلى استراتيجية للثقافة المالية والتقييم والمقارنات وكيفية المفاضلة واختيار الفرصة البديلة والتحديات وكيفية تجاوزها في مراحل التعليم المختلفة وكيفية إدارة الأمور المالية والاقتصادية وكيفية التصرف بوعي في مسألة الدعم المالي، والترشيد في الانفاق بل وإيجاد الحلول حتي يصل العقل منذ البداية إلى إيجاد حلول والتعامل مع الأزمات، وكيف يكون الشمول المالي أحد الروافد للثقافة الاقتصادية بالإضافة إلى زيادة الوعي بشرح المفاهيم الاقتصادية وشرحها لجميع التخصصات فليس شرطاً أن تكون متخصصا في الاقتصاد حتي تفهمه ولكن يجب أن يكون حجر الأساس يصنعه المجتمع الواعي خصوصاً مع التزامن الحادث حالياً في العالم من التحديات الاقتصادية المستقبلية ومن هذا المنطلق لابد من بناء مجتمع يبحث عن اقتصاد راسخ و تنافسي.
وأشار كاتبنا وفيلسوف الفكر زكي نجيب محمود متحدثاً عما يسمي بالثقافة الاقتصادية، و أن الإنسان في حاجة دائماً كمستهلك لمعرفة طرق إنتاج سلعة والعرض و الطلب و تضخيم رأس المال المادي وسائل الإنتاج فكل مجتمع حي يجب أن يقطف ثمار ثقافته الاقتصادية وهو الإبداع الحضاري في كل أمة تشعر بالحياة.
لسنا بالضرورة أن نكون جميعاً اقتصاديين ولكن الاقتصاد ليس عالما منفصلا عنا بل هو جزء من المنظومة الحياتية الشاملة للنظام الاجتماعي، فأنماط الحياة التي نعيشها تفرض علينا فهم الثقافة الاقتصادية والتحولات في المجتمع التي توجه العقول الجمعية إلى علاقة أنماط حياتنا بالمنحى الاقتصادى و لثقافة الاقتصادية تجعل الفرد لا يفرط بسهولة في موارد حياته أو تغير الظروف السياسية أو الاقتصادية حوله في المجتمع أو تجعلنا نأخذ الطريق السهل في عملية الاستيراد مثلاً بدلاً من الاعتماد علي الاكتفاء الذاتي وتوغل ثقافة الاستهلاك بدلاً من الترشيد و التفاخر بعدم الترشيد، ومن الواضح للجميع أن للثقافة الاقتصادية دورها الأساسي كمحرك لعملية التنمية فالعالم يتحرك سريعاً والنمط الأساسى له هو ديناميكية التغير والأحداث المتصاعدة التي تفرض عالما جديدا من بروز ثقافة الاقتصاد، فالثورة المعلوماتية التي حدثت جعلت هناك رؤى ومفاهيم جديدة لهذه الثقافة فالتطورات الحادثة جعلت المجتمعات تحمل معها عالما جديدا يسمي باقتصاد المعرفة الذي يحمل معه الثقافة الاقتصادية الجديدة أو الاقتصاد الرقمي المعرفي والذي جعلت المعرفة و لثقافة هي العامل الأول في نجاح الاقتصادات المتطورة، حيث يستطيع الفرد التعامل مع حركة الاستثمار والإدخار أيضاً وكيفية تحريك المحافظ المالية وآليات التعامل مع البورصة مثلاً وكيف يختار المواطن بين الفرص والتحديات و التعرف علي العلامات التجارية والسياسات الضريبية و ما توفره الدولة للمواطن، وكيف يتحوط في حياته ويتعامل مع الخسائر قبل الأرباح وكيف يكون هو نموذجا تنمويا وتحويل نزعته الاستهلاكية إلى نزعة إنمائية ، لاشك ان هناك ترابطا وثيقا بين قوة المجتمع وتطوره وقوة الاقتصاد بل إن هناك ما يسمي بالثقافة الاقتصادية التي تعني أن الفرد والمجتمع لديه مساحة من الثقافة الاقتصادية تسمح لهذا المجتمع بالتطور سريعاً، فالمواطن المثقف اقتصادياً هو حجر الزاوية في البناء الكبير للدولة علي ركائز سليمة في الإنتاج و الاستهلاك والأمر بمفهومة الشامل تقول إن العقل السياسي يجب أن يتمتع بالثقافة الاقتصادية ليصنع قرارا سياسيا جوهره قائما على الأبعاد الاقتصادية.
* فقه الاقتصاد *
لابد لصانعي السياسات و القادة بالطبع الإلمام بالثقافة الاقتصادية لبناء دولة متطورة اقتصادياً وهو ما ينسحب آلياً علي تطور كافة الأصعدة لذلك هناك مايسمى بالدبلوماسية الرئاسية فثقل يد متخذ القرار تأتى من ثقافته الاقتصادية فالسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة هى نجاح الدولة فى إدارة ملفاتها بمنتهى المؤسسيةوالبحث الدائم عن القيمة المضافة
* تحقيق الرؤية المستدامة *
لا يمكن أن نغفل أن الثقافة الاقتصادية ستساهم في تحقيق رؤية الدولة ٢٠٣٠ لما لها من دور مهم في توعية المواطن نحو التطورات الواسعة في عالم الاقتصاد، والتي يشهدها العالم و كيفية التعامل معها ويساهم فيها وصولاً إلى تنمية مجتمعية تحقق النمو المستدام لأن نماذج النمو الاحتوائى الشامل لا يمكن أن تنمو دون ثقافة اقتصادية لدي أفراد المجتمع تجعلنا جميعاً نتحدث لغة واحدة تعتمد بالأساس علي الثقافة الاقتصادية. ثقافة الاقتصاد لها وجه آخر وهو أن تتقبل رؤى مختلفة تحقق المستقبل و هو ما يجعلنا نقول إن صناعة الثقافة الاقتصادية أمر ليس بالسهل أو الهين لأنه يمثل إطار فهم التعاملات سواء المالية أو غير المالية فليس شرطاً أن نبحر بالأرقام أو نغوص في الأبعاد و لكن علي الأقل معرفة مناطق التصحيح و شهية المخاطر و إدارة البيانات خصوصاً في زمن الأرباح السهلة وفي ظل حالة الترقب والانتظار و عدم اليقين التي يمر بها العالم وتأجيج نيران التضخم و تراجع معدلات النمو فمن الأجدى أن يكون الوعي الجمعي للمجتمع لديه مساحة من المعرفة ليعرف كيف تعافر الدولة في تحقيق مستوي الخدمات فى معادلة البقاء و النماء ذلك أصبحت الكرة في ملعب المسئولين عن هذا الدور خصوصا مع انتشار التكنولوجيا في خلق أجيال جديدة لديها المعرفة الاقتصادية خصوصاً نحن أمام عصر جديد للمقصد الاقتصادي في كل مناحي الحياة.
والسؤال المهم الذى يفرض نفسه علينا هل نحن فى حاجة ماسة إلى الثقافة الاقتصادية، أو الاقتصاد كثقافة متممة لشخصية هذا المجتمع، فالبعض يظن أنه محلل أو خبير بالفطرة وفى فروع كثيرة من العلم، ولكن فرضت الظروف المحيطة والراهنة والتى تتداولها نشرات الأخبار العالمية والمحلية والبرامج المتخصصة عززت الزاوية التى من شأنها أنه بجانب إنشاء جيل من المتخصصين في الأمور الاقتصادية أيضاً يحتاج المجتمع إلى فهم القصد لدى المواطن العادى وليس المتخصص فقد حدثت طفرات كبيرة من موجات وأزمات عالمية لم تنج منها دولة كبيرة أو صغيرة دولة نامية أو ناشئة ولذلك أصبح هناك حاجة ماسة فعلية أن تكون هناك ثقافة اقتصادية مرهونة بفهم الكل لما يدور حوله وإدراك مجتمعى حقيقى بأمور الاقتصاد فالثقافة المجتمعية بالاقتصاد يسبقها فهم حقيقى عند الفرد لدوره تجاه نفسه أولا أو بمفهوم آخر بثقافة مصلحته المباشرة، وهو أمر معنى بالثقافة بمفهومها الواسع فميله للاستهلاك مثلا يدفعه بطبعه الاستهلاكى إلى الاتجاه إلى عملية الشراء بدون تفكير غير مدرك لاحتياجاته الحقيقة يظهر ذاهبا بدافع مايراه من السياسات الإعلانية الممنهجة من أجل الربح والتى يترتب عليها خسارته هو الشخصية بل من الممكن أن يمرض وتذهب به السياسة الاستهلاكية إلى الطبيب المعالج لأن ثقافته الاقتصادية غير مبنية على أسس علمية مرتبطة بالقاعدة الاقتصادية وقد يتحول إلى مستهلك غير رشيد قد يستدين بسبب سياسته الاستهلاكية وهنا وجب التثقيف الاقتصادى.
هناك مغبة كبيرة قد تحدث للإنسان إذا لم يتعود على ثقافة الوعى الاقتصادى وهى مايسمى* بثقافة الاقتناء وهنا الأمر مرتبط من بداية اقتناء الشئ الثمين إلى أقل الأشياء* فالمطلوب أن تسأل نفسك هل أنت فى حاجة إلى اقتناء هذه الأشياء أم يمكن الاستغناء عنها ونصل بهذه الثقافة الاقتصادية إلى استكشاف كل ما نريده وهو مايسمى أيضا بثقافة الاستكشاف بمعنى أن تعرف كل شئ عما تريد شراءه ويبدأ معك بقراءة المكتوب على المنتج ومكوناته وهل سيفيدك ويسد حاجتك أم أنها سياسة التعود على التبضع بدون هدف أو خطة للشراء خصوصاً أن الحملات الإعلانية تخاطب بطريقة ما صاحب الشغف وليس بالضرورة أن يكون هو صاحب الدخل.
وجاءت سياسات الشراء الحديثة لتسهيل الأمور فى عملية التفكير في الشراء بدون ثقافة اقتصادية عن طريق التسهيلات والتخفيضات والتقسيط وقد يقترض الفرد حتى لا يفوته وقت التخفيض فهو لم يتعلم حساب الفرصة البديلة والتحديات وكيفية التعامل معها بل يأخذ ما هو فى متناول اليد طالما لا يفكر وهنا نقطة ومن أول السطر.
الثقافة الاقتصادية التى تحتاج إلى التفكير بطريقة استراتيجية سواء مرئية أو غير مرئية للوصول إلى معادلة اقتصادية لحياة الأسرة والمجتمع وأيضا مقاصد الدولة فى نهجها الاقتصادى ولذلك يحتاج المجتمع إلى وصفة جيدة لتنفيذها حتى يستطيع المجتمع أن يتعامل مع ثقافة الاقتصاد ليعلم الجميع كيف تخطط لحياتك وكيفية التعامل مع بدائل المستقبل والعبور إلى مراحل متقدمة، فالعالم يتحرك بسرعة كبيرة ومشاكله متنوعه والمواطن كجزء من هذا العالم لابد أن يتعلم بدون تهوين أو تهويل.
لقد أصبح للعالم خريطة اقتصادية وللعالم العربى خريطته وبالنظر إلى الارتباط بين الخرائط التى تتبدل وتتشكل كل يوم وليس المطلوب من الفرد أن يكون اقتصاديا بحت يجلس على طاولة الاقتصاد العالمي، وإنما مايخصه مما يدور باعتبار أنه جزء من هذه المنظومة المتعلقة بالنظام الاجتماعي نفسه فظواهر كثيرة كالتضخم والسياسة النقدية مثلاً ليس المطلوب من الفرد العادى أن يغوص ويتبحر فى السياسة وإنما يحتاج المجتمع إلى المفهوم العام لهذه الأنماط فالأنماط السلوكية والعقل الداخلى يحتاج إلى هذه الثقافة الاقتصادية التى لاتبقى على حال واحدة فالانفتاح على العالم يتطلب تدريب العقل على الفكر الاقتصادي والحاجة الملحة إلى الاقتصاد كثقافة متممة للعلوم الأخرى حتى لايكون هناك ازدواجية فى المعايير فلا ننسى مثلا أن هناك فى العديد من الدول يصوت المواطن للاقتصاد وليس للسياسة فالمواطن الأمريكى مثلا يصوت للاقتصاد قبل السياسة والاقتصاد بالنسبة للفرد شئ مهم جدا.
إزالة الشعور بالخوف
عطفاً على ماسبق هناك ما يؤكد أن الثقافة الاقتصادية تزيل مباعث الخوف لدى الفرد وتزيد إيمانهم وثقتهم فى مشروع دولته ومعرفة وجهة نظر صانع القرار أو صانعى السياسات الاقتصادية وان يكون الوعى الجمعى الثقافى الاقتصادى أحد معطيات توحيد الأفكار والتصدى لأفكار المتشددين والمتشككين كما أن الثقافة الاقتصادية تزيد من فرص التشغيل خصوصاً في وقت الازمات وتستطيع الثقافة الاقتصادية أن تجعل المواطن البسيط أن يفهم مقاصد التمويل وما خطط المستقبل للدولة، وهو جزء منها لأنه بالأصل هو قلب عملية التنمية، خصوصاً بعدما ضربت العولمة فى مقتل وأن هناك حقيقة جديدة لرسم خريطة للعالم مما يحتاج إلى مايسمى بالدبلوماسية الاقتصادية والتى تنتوى كل دولة تعى أهمية موقعها ودورها فى حركة التجارة الدولية وإلا كانت فى مهب الريح وحازت شكلا أو موقعا شكليا على الخريطة العالمية للتجارة دون جدوى وعلى الثقافة الاقتصادية أن تصل بالشكل الصحيح والمطلوب إلى الجميع لكى تتمكن من إيصال رسالة صانع القرار فى الدبلوماسية الاقتصادية، وكيف لفتت الحرب الروسية الأوكرانية الأنظار إلى أهمية الثقافة الاقتصادية وتداعيات مايحدث فى العالم وتأثيره على الداخل وتنذر الجميع بأن المبادئ لاتدوم وتعرض سلاسل التوريد للخطر، وأصبحت التداعيات التي تتشكل بطريقة أعمق جعلت العالم أمام مخاطر تحتاج منا إلى تغيير الثقافة الاقتصادية وإعادة النظر في المقصد الاقتصادى للاستهلاك والإدخار والتمويل والاستثمار، وكيفية إدارة المنظومة الحياتية ليبقى السؤال الحائر دوما هل يصلح الاقتصاد ماتفسده السياسة علينا الفهم الصحيح ليصل العالم إلى منطقة التصحيح واستعدال البوصلة الاقتصادية بالتثقيف الاقتصادى لغد أفضل.