الأربعاء 15 مايو 2024

الثقافة والفنون في الجمهورية الجديدة شعلة النور وموطن الفخر

أ.د. عمرو عبد العزيز منير

ثقافة1-5-2024 | 14:19

أ.د. عمرو عبد العزيز منير
  • استطاعت مصر خلال فترة وجيزة من مسيرة الجمهورية الجديدة أن توجه جهدًا كبيرًا للثقافة والقراءة خاصة خلال مبادرة حياة كريمة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا  
  •   لا بد من الفرصة لحملة مشاعل الفكر والثقافة لتصدر المشهد لتحرير عقل الإنسان المصري، وإرشاده، وهذا هو دور طليعة مثقفي هذا المجتمع

 

الشمس تشرق تبدد ظلام الجهل والفتنة.. لم تكن مفاجأة لمحبي الثقافة في مصر (الجديدة) أن يشهد معرض القاهرة الدولي الأخير إقبالًا منقطع النظير على إصدارات الهيئة العامة للكتاب ومشروعها الثقافي المتميز إضافة إلى إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمركز القومي للترجمة، ومكتبة الإسكندرية من محبي القراءة والثقافة الحقيقية. كان  هذا الإقبال المحمود مفاجأة سارة لي لأنني شخصيًا أعتقد أن جوهر الثقافة في مصر لا يمكن أن يبتعد كثيرًا عن الهيئات التابعة للدولة؛ فالتاريخ المصري أثبت أن الدولة الحديثة في عهد محمد علي هي من أنشأت المطبعة وهى من تبنت نشر الكتب وهى السبب الرئيس في إثراء الحياة الثقافية في المجتمع.

  صحيح أن لدينــا العديد من دور النشر الخاصة التي تميز إنتاجها الفكري والمعرفي بالجدية أحيانًا إلا أن هذه الدور مقيدة في النهاية باعتبارات الربح ومحدودية الانتشار. كذلك لا زلت أرى أن قاطرة الثقافة في مصر يجب أن تكون هي الإصدارات الحكومية واسعة الانتشار والتوزيع الموجهة لكافة قطاعات القراء في المجتمع. وما  شهدته الدولة المصرية في أروقة وزارة الثقافة من فعاليات علمية ومعرفية خلاقة وقدرة على الزخم الثقافي بهذه الجاهزية يؤكد أننا نقف أمام تراكم معرفي كبير للفنون والآداب المصرية وأمام دور حيوي وجوهري لمؤسسات المجتمع سواء الدينية أو العلمية أو غيرها من مكونات صناعة التأثير في الآخر.

الدولة المصرية استطاعت خلال فترة وجيزة جدًا من مسيرة الجمهورية الجديدة أن توجه جهدًا كبيرًا للثقافة والقراءة خاصة خلال مبادرة حياة كريمة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، تزامنًا مع نجاح  فريق مصر في تسجيل ملف "الفنون والمهارات المرتبطة بالنقش على المعادن.. النحاس والفضة والذهب"، ضمن القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو، وهو استكمال لمسيرة النجاح ولخطوات مصر العظيمة لصون وحماية تراثها الثقافي كمنتج مصري يمتد بجذوره إلى حضارة مدت يدها إلى الإنسانية يوم أن كانت الإنسانية تحبو في طفولتها. نجح  فريق مصر الجديدة في تسجيل ملف السيرة الهلالية، عام 2008، كمنتج فكري مصري بمنظمة اليونسكو.

ثم أكملوا مسيرة النجاح لتسجيل "التحطيب"، ثم "الأراجوز" ووقف فريق العمل في خندق واحد مع وزارة الثقافة وبمساندة الخارجية المصرية  وناضلوا معًا بثبات مخلص وبشرف من أجل تحقيق حلمنا البسيط والصعب معًا ولم يكن له أو لهم من وراء هذا الجهد المتواضع مطمعًا ولا مغنمًا سوى أن يكونوا عند حسن ظن وطننا فيهم.

ثم تكللت الجهود المصرية بإرساء دعائم "بيت التراث المصري"، بمركز الحرف التقليدية بالفسطاط، احتفالًا بمرور 20 عامًا على توقيع مصر "اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي" مع منظمة اليونسكو، متضمنًا الأرشيف الوطني المصري للتراث الثقافي غير المادي، وتطبيق إجراءات صون التراث بالحفظ والتوثيق والنقل والترويج وإعادة الإحياء، والذي يُعد إطلاقه خطوة مهمة لتعزيز الوعي العام بقيم التراث الثقافي في الجمهورية الجديدة، وتعزيز التواصل والحوار داخل البلاد، ومع المجتمع الدُولي، وتعزيز الجهود الوطنية لصون التراث الثقافي غير المادي، وتعميق فهم المجتمع لهذا التراث الغني بالقيم والعادات والممارسات التي تميز الشعب المصري.

وفي جمهوريتنا الجديدة وعبر أربع جلسات ومناقشة ما يزيد على عشرين دراسة علمية، شهدها (الملتقى الدولي الأول لتحقيق مخطوطات التراث الشعبي)، والذي عُقد فى مكتبة الإسكندرية، تم الكشف عن الإهمال الشديد (في العهود السابقة) لتراثنا الشعبي المخطوط والمطبوع أيضًا؛ حيث إن حركة تحقيق كتب التراث الأدبية منها والعلمية، لم يقابلها حركة لتحقيق نصوص التراث الشعبي على كثرته وتنوعه، مما تسبب في ضياع الكثير من المخطوطات والمطبوعات أيضًا بسبب التجاهل والتهميش لعقود طويلة. غاية المنى أن تجّسَد هذه المبادرة التوجهاتِ العلمية لروحِ عودة الوعي بأهمية مخطوطات التراث الشعبي العربي انطلاقا من كونها أحد مرتكزات الأساس في أية ثقافة وطنية ولما لها من خصوصية في إبراز الهوية وتمييز الذات الوطنية، يأتي اهتمامنا بهذا الحقل العلمي مؤكدين ضرورة جمعه وترميمه وتحقيقه وتدوينه وتصنيفه وأرشفته وتوثيقه حسب المناهج العلمية الحديثة، بهدف التعرف عليه وحفظه للأجيال القادمة دون التهويل في أمره أو الانتقاص من قدره ليكون انطلاقنا نحو المستقبل راسخ الجذور وممتداً فينا عبر الأجيال.

الثقافة في نبض الجمهورية الجديدة هي جوهر مصر وخلاصتها الصافية النقية وثروتنا الباقية وتظل هي يد مصر العليا التي سبقت وحملت مشعل الفكر حين كانت الإنسانية تحبو في طفولتها . تفعيل دور وزارة الثقافة وأذرعها الثقافية في البعثات الدبلوماسية في الخارج فرصة مهمة لمصر التي عرفت مفهوم القوى الناعمة منذ قرون، وعرفت كيف تستخدم قواها الناعمة وكنوزها الفكرية والفنية وساهمت في صياغة عقل ووجدان العالم العربي بل امتد التأثير إلى أبعد من ذلك جغرافيا لتعبر الثقافة المصرية إلى أحراش إفريقيا وأطراف آسيا كما أن الملحقيات والمراكز المصرية الثقافية خارج وداخل ربوع الوطن   مناسبة لتعميق فكرة الثقافة والقراءة، التي لا تقل أهمية عن التعدين والصناعة، وربما تكون القراءة هي مسألة أكثر أهمية في إطار فكرة الانتماء والوعي والهوية. اطلعت على  أغلب الأعداد الأخيرة من إصدارات الثقافة المصرية.. فكان اكتشافا .. من كتب وأبحاث ومقالات  شائقة وشائكة  تشعرنا بإمكانية الفرح مرة أخرى. ونافذة تتنفس عشقا للتراث المصري تقترب وتخترق روح المجتمع المصري، .. يعمل أثره فينا صامتًا كالوتد.

 هذا هو الرافد الأول، أما الرافد الثاني فيتعلق بالمنشآت الحضارية التي ابتهجت كثيرًا بزيارتها مؤخرًا في العاصمة الجديدة وقولا واحدًا، يحق لمثقفي مصر الفخر بمدينة العلوم والثقافة التي تضمها العاصمة الحضارية الجديدة فهي قلب نابض يعبر عن ثقافة زاخرة بالعديد من الأطياف التي تكون شعاع الفكر والنور.

ولكي نكون منصفين فالمنشآت وحدها لا تكفي، بل يجب إتاحة الفرصة لحملة مشاعل الفكر والثقافة لتصدر المشهد لتحرير عقل الإنسان المصري، وإرشاده وهذا هو دور طليعة مثقفي هذا المجتمع اقتداء بمن سبقونا من حملة مشاعل الفكر والتنوير وعلى رأسهم الإمام محمد عبده، وتلاميذه، وطه حسين، وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وغيرهم من رموز الفكر والثقافة لكي نمهد الطريق لنهضة ثقافية جديدة في عهد الجمهورية الجديدة بقوتنا الناعمة التى لا يبارينا فيها أحد، أحلم في جهوريتنا الجديدة  بثقافة وسطية سمحاء تنير لنا الطريق، أحلم بمشروع جامع لنشر وتنقية التراث وإحياء مخطوطات التراث الشعبي، أحلم بكتاب فى يد الجميع، أحلم بفن هادف كشجرة وارفة تظل المصريين. عاشت مصر وطنا للعقل ومشرقا للنور .. وعاشت الثقافة المصرية.