الخميس 16 مايو 2024

عودة الثقافة الجماهيرية

أ. م. د. أحمد محمد علي غباشي

ثقافة1-5-2024 | 16:11

أ. م. د. أحمد محمد علي غباشي
  • أحلم بجمهورية جديدة تضع نصب أعينها ملف الثقافة، وبناء جيل مثقف واعٍ، أقترح إعداد برنامج دراسي أكاديمي يجمع بين العلوم الإنسانية والفنون واللغات
  • أحلم بإعداد كتاب يتناول تاريخ الحركة القومية المصرية وصفحات من تاريخنا القومي عبر مراحل التاريخ المختلفة يتم تدريسه منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة

عودة الثقافة الجماهيرية حلم يراودنى أن تتبناه الجمهورية الجديدة، ليكون رؤيتها الارتقاء بالعقلية المصرية، وتنشئة جيل على قدر من الثقافة والوعي والفهم.

ومما لا شك فيه أن أول خطوات نشر الوعي الثقافي هو الاهتمام بالتاريخ والحضارة، ومعرفة الإنسان بتاريخه وحضارته ليس من كماليات العصر وإنما فرض واجب.

ومن هنا أؤكد على أن مصر الجديدة لن تقوم إلا على مصر القديمة الخالدة، وأن مستقبل الثقافة فى مصر لن يكون إلا امتدادًا صالحًا راقياً ممتازاً لحاضرها المنشود.

ولعل السبيل إلى ذلك هو إيجاد نظام تعليمي يحقق الهدف ويكون غاية وليس وسيلة وإيماناً بأن قوى الجسم الاجتماعي لا تصان ولا تجدد إلا بنظام منطقى للتربية والتعليم.

ولو عدنا للوراء إلى الجمهوية الأولى، فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 لوجدنا اهتماما بالغا بالجوانب الثقافية، ففي عام 1958 شهد إنشاء أول وزارة للثقافة فى مصر بعد أن كان المحور الثقافي جزء من وزارة الإرشاد القومي.

ومنذ الوهلة الأولى حرصت الثورة على دعم المشروعات الثقافية إيماناً بأن ازدهار الثقافة يؤدي فى مجال الفكر ما يؤديه التصنيع الثقيل فى مجال الصناعة، فكان الهدف الأول الذي عنت به هو رعاية الوجدان القومي وتغذيته وتنميته. فكانت الرؤية والرسالة أن البناء فى البشر أهم من البناء فى الحجر.

وإذا كان الاتجاه العالمي قد استقر على أن السياسة الثقافية يجب أن ترتبط بالخطة الشاملة للتنمية، أو بمعنى آخر أن ترتبط السياسة الثقافية بالسياسة الاقتصادية للمجتمع وبالتطور العملي والتكنولوجي، وعلى ذلك فقد بدأت وزارة الثقافة في ذلك الوقت في وضع خطتها على ألا يقتصر دورها على تقديم المستوى الرفيع من المتع العقلية للطبقة القادرة على التمتع بها فحسب بل يجب أن يكون لها دور فعال في تحقيق أكبر قدر من التكافؤ العقلاني والوجداني في آن واحد، ولن يتحقق التكافؤ العقلاني إلا بأن يشيع بين فئات المجتمع.

وتأتي فى مقدمة ذلك، النظرة إلى المثقف نظرة إنسانية مردها الإيمان بأن الثقافة حافز يعتمد على التضامن من أجل الارتقاء بمستوى رفاهيتهم،  وبهذا تكون الثقافة أعلى من التعليم، فقد يسعى المتعلم إلى حشد ذهنه بالمعلومات، بينما يسعى المثقف إلى أن يكون له أثر فيما حوله، وبالتالي فإن قيمة الثقافة تتحدد بمدى مساهمتها بتغيير مجرى الحياة، والإسهام في عملية التحول الاجتماعي ومواجهة تحديات العصر ودفع الأحداث في اتجاه تحقيق أحلام الإنسانية.

وعلى ذلك، فقد تبنت الجمهورية الأولى فكرة "الثقافة الجماهيرية" من خلال نقل الثقافة إلى الأقاليم وإنشاء هيئة قصور الثقافة التى استطاعت بقوافلها الثقافية التي طافت أنحاء البلاد،  ووصلت إلى أعماق الريف لتنشر صور الفن الرفيع، فالسبيل إلى ارتقاء وجدان السواد الأعظم من الشعب لن يكون  إلا من خلال اجتذابه لمشاهدة الأعمال الفنية الرفيعة المستوى، وإلا فستظل الجماهير على نفس المستوى الحالي طالما حجبنا عنها الفن الراقي.

ومن المشروعات الثقافية الأخرى التي ظهرت خلال الجمهورية الأولى كان مشروع "الألف كتاب" من خلال إصدار وزارة الثقافة كتباً مختلفة في المعارف العامة، الفلسفة، التاريخ، الدين، الاجتماع، الفنون والعلوم البحتة، وكانت تلك الكتب تباع بثمن زهيد في مقدور القارئ العادي بمعرفة ذاته وتراثه والكون الذي يعيش فيه ومساعدته على بناء حياته بالمعرفة والفهم.

وجدير بالذكر أن الثقافة لا تقتصر على القراءة فحسب، وإنما أيضاً الاهتمام بالفن الذي يمثل قوة ناعمة هامة، فقد اهتمت ثورة يوليو 1952 بمجالي المسرح والموسيقى، فأنشئ "المسرح القومي" والذي تم تزويده بنصوص قيمة ومدروسة من الأدب المصري والعالمي، وأتاحت الفرصة للمبدعين والكَتاب المصريين بعرض مؤلفاتهم المسرحية ومكافأتهم عنها مكافآت مجزية، فساعد على ظهور جيل جديد من المبدعين والمؤلفين، أمتعوا الجماهير بنصوص قوية تعالج العديد من مشاكلنا الاجتماعية والقومية.

كما تم تشييد "مسرح العرائس"، "الفرقة القومية للفنون الشعبية"، "أوركسترا القاهرة السيمفوني"، "مؤسسة دعم السينما" فى عام 1957 والتي ساهمت فى تمويل فيلمي "الناصر صلاح الدين"، "وإسلاماه"، إنشاء أكاديمية الفنون.

أحلم بجمهورية جديدة تضع نصب أعينها ملف الثقافة، وبناء جيل مثقف واعٍ، أقترح إعداد برنامج دراسي أكاديمي يجمع بين العلوم الإنسانية، الفنون، اللغات المختلفة وغيرها من فروع الثقافة يتم تدريسه لجميع الطلاب في كل الجامعات ويعتبر متطلباً لتخرج الطالب.

أحلم بإعداد كتاب يتناول تاريخ الحركة القومية المصرية وصفحات من تاريخنا القومي عبر مراحل التاريخ المختلفة يتم تدريسه منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، على أن يكون التاريخ مقرراً إجبارياً لا علاقة له بتخصص دراسة، وكما أكدت سالفاً بأن التاريخ جزء من الهوية والشخصية الوطنية.

أحلم أيضاً بإنشاء متحف صغير في كل مدرسة منذ المراحل التعليمية الأولى يضم نماذج مختلفة لإنجازاتنا الحضارية، وقصص البطولة المصرية.

أحلم أن نتحول إلى شعب قارئ متذوق للفن، معتز بحضارته، يتعلم من تاريخه، فخور بأمجاده وانتصاراته.

فهل ستحقق الجمهورية الجديدة هذه الأحلام؟