الأربعاء 22 مايو 2024

أساطير عالمية.. رسائل «تحوت» للبشرية ومفهوم الكارما

الإله تحوت

ثقافة1-5-2024 | 17:39

إسلام على

تعد الأساطير المصرية القديمة، بوابات مفتوحة على ثقافة وحضارة عريقة، تخبرنا عن معتقداتهم وتصوراتهم للعالم في تلك الحقبة الزمنية، فكانت بمثابة أداة لتسجيل المعرفة والتجارب، ونقلها عبر الأجيال بطريقة مشفرة، كأنها رسالة موجهة لمن يستحق فك رموزها واكتشاف أسرارها.

لم تكن الحضارة المصرية القديمة استثناء عن الحضارات الأخرى، بل اتسمت بوجود آلهة متعددة تعبر عن جميع مناحي الحياة، ومن بين تلك الآلهة برز الإله تحوت، إله الحكمة والمعرفة، والذي تمثل في كائن مزدوج الهيئة، برأس طائر الإيبس وجسد إنسان.

كان تحوت يحمل معه قلما ولوحا يكتب عليه، رمزا لقدرته على تسجيل المعرفة ونشرها، ولذلك فهم القدماء أهمية المعرفة والحكمة، وسعوا لنقلها للأجيال القادمة من خلال رموزهم وكتاباتهم.

ويعد تحوت أحد تجليات الإله رع، رب الكون، وهو رمز للحكمة والمعرفة، وفق الحضارة المصرية القديمة، أوكل إليه العديد من المهام، حيث كان من بينها إعادة تنظيم الكون بعد أن كان ظهوره بشكل فوضوي. بالإضافة إلى مهامه الكونية، كان تحوت يعتبر ملهما للعلماء والمفكرين وكل من يسعى لمعرفة أعمق عن العالم من منظور غير مادي، لهذا، كان ينظر إليه على أنه المرشد للبشر، حيث قادهم إلى فهم أسرار الكون وفقا لقدراتهم وإمكاناتهم، تحوت كان أيضا الوسيط بين الآلهة وسكان الأرض، بالإضافة إلى السابق، كان من مهامه تدوين وقائع المحاكمات الإلهية للبشر والكائنات الأخرى.

كان تحوت يؤدي دورا محوريا في محاكمات الآخرة، حيث كان مسؤولا عن تسجيل أعمال الإنسان في حياته ومحاسبته عليها، ففي هذه المحاكمات، يستخدم ميزان خاص لوزن القلب مقابل ريشة آلهة الحق "ماعت"، إذا كان القلب أخف من الريشة، فهذا يشير إلى نقاء القلب وخلوه من الأثقال المادية، مما يسمح للروح للعبور إلى جنة الخلد، هذا التوازن يرمز إلى انتصار الجانب الروحي والإلهامي في الإنسان على الجوانب المادية والدنيوية.

كان تأثير تحوت يتجاوز عالم الآخرة ليشمل مجالات الحكم، بصفته إله الحكمة، كان مقربا من الملك، حيث كان يلعب دور المستشار والموجه، من خلال التواصل العقلي والإلهامي، كان يقدم النصائح حول تنظيم شؤون الدولة، بالإضافة إلى القضايا الاجتماعية والقضائية وسن القوانين، بهذه الطريقة، ساهم تحوت في توجيه الحكام نحو العدل والحكمة في إدارة البلاد.


تشير أسطورة الإله تحوت، الذي يعتبر تجسيدا مباشرا للإله رع، إلى أن الإله رع فوضه ليكون رمزا للمعرفة والحكمة، وهذا يكشف عن مركزية المعرفة والسلطة لدى المصريين القدماء، حيث كانت المعرفة خاضعة لسلطة أولئك الذين حظوا بإلهام الإله من خلال الاتصال المباشر معه، مثل الكهنة والملوك والأمراء.

رسائل أسطورة تحوت للأجيال المقبلة.

تمكن الإله تحوت من السيطرة على الكون، الذي كان غارقا في الفوضى، ثم استعاد النظام من خلال النور الإلهي ونور المعرفة، يشير هذا إلى قدرة الإنسان على استعادة النظام الداخلي بعد فترة من الاضطراب الكلي، وذلك من خلال السعي نحو الحكمة والإضاءة الروحية.

تنقل الأسطورة رسائل أخرى، منها أهمية إبقاء عين البصيرة مفتوحة على كل جوانب المعرفة في الكون،  فالبصيرة والحكمة ليستا مجرد تراكم للمعرفة، بل هما فهم عميق للوجود وكل ما فيه من مخلوقات.

كان تواصل الإنسان مع الآلهة، من خلال تحوت، إشارة عند المصريين القدماء إلى السعي لتحقيق وعي أعلى، وهو ما يميز تحوت كمركز للمعرفة والحكمة.

وتجسد أسطورة تحوت مفهوم الكارما، حيث كان يسجل كل ما يحدث في حياة المتوفى، مما يعكس أهمية كل قول وفعل في هذه الحياة الدنيا، وعندما يتم وزن قلب الإنسان بواسطة ريشة ماعت، فإن ذلك يحمل رسالة مفادها أن الإنسان يجب أن يركز على القيم الروحية والعدالة، وأن الحياة ليست مجرد سباق نحو المكاسب المادية.

الاكثر قراءة