الإثنين 25 نوفمبر 2024

ثقافة

حرف ثقافية.. صناعة الأخشاب في معتقدات القرون الوسطى

  • 1-5-2024 | 22:32

صناعة الأخشاب

طباعة
  • إسلام علي

ارتبطت حرفة صناعة الخشب ارتباطا وثيقا بالمعتقدات والتقاليد الإسلامية، خاصة في القرون الوسطى، حيث اعتبر المسلمون آنذاك أن العمل بالأخشاب يمكن أن يكون وسيلة للتواصل مع الله، فقد رأوا أن الخشب يحمل بداخله لمسة من الإبداع الإلهي، وأن مهمة الحرفي تكمن في استخراج هذا الإبداع وتشكيله وكان للخشب دور في تجسيد القوة والجمال اللذين ينسبهما المسلمون إلى الله.


تعكس صناعة الخشب في تلك الفترة الروح والقيم الإسلامية؛ فهي تتطلب وقتا وجهدا لتشكيل وصقل المادة حتى تصل إلى الصورة المرغوبة، ومن خلال هذه العملية، يكتسب الحرفيون المهارات التي تعزز الإبداع والإلهام، وهي صفات يشجع عليها الدين الإسلامي، وهذا يسمح للحرفيين المسلمين بخلق أعمال فنية بأشكال هندسية وزخارف مستوحاة من المخططات الكونية الموجودة في تعاليم الدين الإسلامي، والموجودة ضمن صفحات القرآن الكريم.

لا تتطلب حرفة صناعة الأخشاب أدوات معقدة؛ بل إن الأدوات البسيطة هي كل ما تحتاجه لإنتاج أجمل القطع، هذه السمة البسيطة تعكس أحد المبادئ الأساسية في الدين الإسلامي، وهو التواضع، مما يجعل الحرفة داعمة لهذه القيمة وغارسة لها في نفوس المؤمنين.


كما توفر صناعة الأخشاب للحرفي فرصة للتواصل مع الطبيعة، وهذا بدوره يتيح له الفرصة للتأمل في خلق الله والشعور بتجليات جماله، ومن هذا المنطلق، تعد هذه الحرفة جسرًا للوصول إلى الخالق من خلال التأمل في روعة الطبيعة.


وفي السياق الصوفي، تعتبر صناعة الأخشاب وسيلة لبلوغ الكمال الروحي، حيث يتعلم الحرفي من خلالها قيما مثل الصبر والمثابرة، والإبداع والإلهام، وكذلك التواضع والبساطة، إلى جانب التواصل مع الطبيعة، كل هذه القيم تسهم في تعزيز الروحانية لدى الحرفي، وتجعل من صناعة الأخشاب تجربة ثرية، ليست فقط على مستوى الفن والحرفة، ولكن أيضًا على مستوى الروح.

 

في القرون الوسطى، تميزت صناعة الأخشاب بالتنوع والثراء، حيث شملت منتجاتها مجالات عديدة مثل الأثاث والتحف الفنية والعمارة، سواء المدنية أو الدينية، و في مجال الأثاث، كان المسلمون يصنعون قطعا متنوعة مثل الكراسي والطاولات والأسرة.


كما اشتهر المسلمون في تلك الحقبة بصناعة التحف الفنية الخشبية، والتي تضمنت التماثيل واللوحات والتحف المنحوتة، وقد جاءت تصاميم هذه التحف بأشكال متعددة، شملت آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأشكالًا هندسية وأخرى مستوحاة من الطبيعة، واعتبر إنتاج هذه التحف وسيلة للتعبير عن الإيمان والروحانية.


على الجانب الآخر، ازدهرت صناعة العمارة الخشبية بين المسلمين، حيث شملت المساجد والقصور والمنازل، وتنوعت مظاهر العمارة الخشبية الإسلامية بين القباب والأقواس والمآذن، بالإضافة إلى الزخارف المنحوتة، وقد نظر إلى العمارة الخشبية كوسيلة للتعبير عن القوة والهيبة، وكان ذلك انعكاسا للإيمان والروحانية في آن واحد.


كانت هذه الابتكارات في صناعة الأخشاب تتجاوز مجرد الجمال البصري؛ فقد كانت تحمل دلالات ثقافية وروحية عميقة، وتجسد تقاليد غنية تعبر عن التناغم بين الفن والدين في المجتمع الإسلامي خلال القرون الوسطى.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة