تشكّل تجربة الكاتبٌ والمترجمٌ التونسيٌّ صلاح بن عياد الإبداعية في مجال أدب الأطفال واليافعين أحد أبرز التجارب العربية عامة والتونسية خاصة، كونها تتمتع جماليًا وفنيًا باتساع أفق الرؤية وعمق الفكرة وسلاسة الأسلوب، وقد صدر له حديثًا رواية "تشيبكو" في أدب اليافعين، ومن قبل وفي سياق تجربته الممتدة على ما يقرب من ربع قرن صدر له "عودة الورود"، و"دهليز القائد علي"، و"طفوليا كوكبُ الأطفال"، و"العصافير أيضًا تذهبُ إلى المدرسة"، و"رحلة رولّا" في سلسلة من 8 قصص موجّهة للطفولة المبكرة، و"ريكا وريكو" في سلسلة من 8 قصص موجّهة للشّريحة نفسها. حصل على جوائز كثيرة منها جائزة المعرض الوطني للكتاب لأدب الأطفال واليافعين 2019، وجائزة الدّولة لعام 2022، ويضاف إلى ذلك كله ترجماته لكبار الكتاب الروائيين الفرنسيين، بوابة "دار الهلال" حاورته وفي ما يلي نص الحوار:
-ماذا تشّكل روايتك الجديدة "تشيبكو" للأطفال في مسار تجربتك الإبداعية مع أدب الطفل؟
هذه الرّواية موجّهة لليافعين بين 12 و15 عامًا ضمن سلسلة من الرّوايات الموجّهة للشّريحة نفسها بعد عدّة أعمال أخرى هي "عودة الورود"، و"دهليز القائد علي"، و"طُفُولْيَا كَوْكَبُ الأطفالِ"، ثمّ "تشيبكو" الرّواية الّتي أخصّصها للمسألة المناخيّة، هذه القضيّة الحارقة والّتي لا تلقى الاهتمام الكافي في تونس وربّما في عالمنا العربيّ.
وتتحدّث الرّواية عن "الفيشنويّين" الّذين هم طائفة هنديّة يولون قيمة كبيرة للشّجرة وعلى رأسهم ما يُطلق عليهم اسم الـ363 شهيدًا الّذين دفعوا حياتهم للدّفاع عن الأشجار المهدّدة في صحراء راجستان، وعلى هؤلاء تشرف امرأةٌ تدعى أمريتا ديفي ابتدعت حركة التّشيبكو الّتي تعني "معانقة جذوع الأشجار لحمايتها"، وهي قصّة تعلّة تعقّبتُ من خلالها قصّة الأشجار في تونس، الأشجار الّتي تُعتبر الحامية الأولى من التطرّف المناخي، وتأتي في 122 صفحة.
-إذًا هي قصة مستوحاة من الواقع تضيف إلى المخزون المعلوماتي لدى الطفل؟
نعم، فتجربتي متنوّعة ذات أفق مفتوح على الواقع والمتخيًل، لي عشرات الأعمال الموجهة للطفولة المبكرة، منها المعتمد في تنشيط ورشة سرد القصة برياض الأطفال "رحلة الدّعسوقة رولا" وهي سلسلة من 8 قصص موجهة للقراءة على أطفال الأربع سنوات في رياض الأطفال، و"ريكا وريكو" وهي سلسلة من 8 قصص موجّهة أيضًا لأطفال الثلاث سنوات.
-من أين بدأ عشقك في الكتابة للطفل ومتى ترسخت لديك حتمية الكتابة له؟
بالاطّلاع على ما يُوجّه لأطفالنا عمومًا، ذلك الأدب البسيط الّذي لا يعطي لذكاء الطّفل أيّ قيمة، نحن نعاملهم على أنّهم سذّج يحتاجون تلقينًا منّا، مّا ينتج أدبًا جدّيًا مملًا لا يشد الطفل. وباطلاعي على ما يكتبه الغرب في العقود الأخيرة، حسبتُ الكتابة إلى الأطفال واجبًا بما أنه علينا التّأسيس لمستقبل ما في تونس خصوصًا بعد ثورة 2011.
-إلى أي مدى يؤثر ما نكتبه من أدب في سلوكيات أطفالنا وتنشئتهم تنشئة صحية سليمة؟ هل بالفعل نستطيع؟ أم أن التحديات أكبر؟
أعتقد أنّ أدب الطّفل اليوم ضروريّ جدّا في عصر تغلب عليه الشّاشات بكلّ أنواعها، فيكفي أنْ يمسك الطفل الكتاب كيْ يتخلّص قليلًا من تبعيّته إلى الشّاشة، وينبغي على الكاتب وضع ذلك نصب عينيْه: أنّه يحارب هذه الشّاشة الشّمطاء الّتي تمتصّ قدرات الطّفل، لذلك عليه أن يوجّه له أدبًا ممتعًا يخاطبُ عمره وعصره، الأطفال ميّالون بطبعهم إلى المغامرة والخيال، فيمكننا العمل على هذين المعطيين لنستطيع جلب الطّفل إلى الأدب والقراءة بشكل عام.
والتّحدي الأوّل الّذي يواجهه الكاتب هي الوسائط الجديدة المنتشرة الّتي يمكن استغلالها للعمل على ترسيخ فعل القراءة، والمدرسة أيضًا مطالبة بترسيخ فعل القراءة وبعث ورشات في هذا الغرض على أن تكون تفاعلية وتنشيطيّة، وعلى المدرسة أن تفتح أبوابها للمبدعين حتّى يُشاركوا في ترغيب الطفل في القراءة والكتابة، فمادة التعبير الكتابيّ أو الإنشاء عليها أن تتحوّل إلى ورشات لا أن تُدرّس بطرق مدرسية مملة لم تعد تخاطب طفل اليوم "ابن الشّاشة".
- تزامنًا مع مخاطبة الطفل عن طريق صفحات الكتاب هل يمكن ترسيخ فعل القراءة بنمط يتوافق والتقنيات الحديثة عبر الشاشات حتى لا يصبح فريسة لها؟
نعم يمكن استغلال التقنيات الحديثة لترسيخ فعل القراءة لدى الطّفل. والأهم من ذلك، هي القراءة مع الطّفل، جعله يكتشف لذة هذا الفعل، ولا ينبغي حسب رأيي الاكتفاء بإصدار أوامر من قبيل "اقرأ" حتّى تتحسّن في التعبير الكتابيّ، وحتّى تحصل على علامة جيّدة. الطّفل بحاجة إلى فعل، يكفي أن يرانا نقرأ حتّى يفعل مثلنا. لا يمكن لمن لا يمارس القراءة أن يحبب الطفل في القراءة، فاقد الشيء لا يعطيه كما يُقال، ولا يمكن أن نكون كلاسيكيّين في توجّهنا إلى الطفل، و"السوشيال ميديا" مساحات يمكن استغلالها بحذر كيْ لا نترك الطفل في مهب المحتويات الفارغة التّي تغلب عليها للأسف. أمّا الكتاب الورقي فيظل بمثابة الدّواء الّذي يُريح الطفل نفسيًا وماديًا من عناء الالتصاق إلى الشاشة.
-ما أهداف مشروعك الأدبي للطفل؟ وهل تخاطب الطفل التونسي فقط عبر روايتك؟
هدفي أن أدلّ الطّفل على مواطن الجمال في الأدب، أنْ أجعله يكتشف أنّ القراءة فعلُ ممتع ومؤسس، أن أساهم ولو بقدر بسيط في إيقاظ الطّفل على عدّة مسائل تخصّه منها المسألة البيئية، و"طفوليًا كوكب الأطفال" و"تشيبكو" روايتان تخوضان في هذه المسألة الحارقة.
ومن الطبيعي أن أطمح للوصول للطفل العربي، لذلك نشرت عدّى قصص في مجلّات مثل العربي الصّغير وعرفان. لا فروق بين الأطفال. الطّفل هو الطّفل في كل الكوكب، عندما يلتقي طفلان ولو كانا من بلدين متحاربين يُؤسسان لِلُعبةٍ ما لا للحرب. لذلك أعتقد أن الطفولة هي آخر مأوى لنا نحن بنو البشر.