الأحد 22 سبتمبر 2024

خطبة الجمعة اليوم.. أمانة العامل والصانع وإتقانهما

خطبة الجمعة

تحقيقات3-5-2024 | 08:17

محمود غانم

تنشر "بوابة دارالهلال "نص خطبة صلاة الجمعة اليوم، والتي جاءت تحت عنوان "أمانة العامل والصانع وإتقانهما" حيث تؤكد الخطبة على أن الأمانة خلق عظيم، مستدلة على ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

 

إلى نص الخطبة:

 

أمانة العامل والصانع وإتقانهما

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، وَأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنا ونبينا مُحَمَّدًا عَبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّم وبارك علَيهِ وعَلَى آلِهِ وصحبهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدِّينِ، وبعد:

فإن الأمانة خُلُق عظيم من أخلاق الأنبياء والمرسلين، وفضيلة من فضائل المؤمنين الصالحين، عَظَّم الإسلام شأنها وأعلى قدرها، حيث يقول الحق سبحانه في وصف عباده المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (أَرْبَعَ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةً فِي طُعْمَةٍ)،وحينما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عن دين الإسلام وصفة نبيه صلى الله عليه وسلم أخبره أنه يأمر بالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَقَالَ له هرقل: هَذِهِ صِفَةٌ نَبِيِّ.

ومن أهم صور الأمانة: أمانة العامل والصانع، وتكون بمراقبة الله (عز وجل) في كل به الإنسان، سواء أكان عملا عاما أم خاصاً؛ لأنه يراقب الله (عز وجل) سرا وعلنًا في حضور صاحب العمل أو من ينوب عنه، أو في عدم حضور أي منهما، حيث يقول الحق سبحانه: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، ويقول سبحانه: {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}، ويقول تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِنَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، ويقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَائَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

ومن أمانة العامل والصانع إتقان العمل والصنعة ،وتجويدهما، ولقد لفت الحق سبحانه أنظارنا إلى الإتقان، حيث خلق سبحانه كل شيء بإتقان معجز، يقول تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، وأوجب علينا سبحانه الإحسان كل شيء، يقول سبحانه: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُنْقِنَهُ). ومن ذلك سرعة إنجاز العمل في موعده، لأن ذلك من صور الوفاء بالوعد والعهد، وهو شأن العمال والصناع في المجتمعات المتحضرة، كما أنه صفة كريمة تدل على شرف النفس وقوة العزيمة، حيث يقول الحق سبحانه: {وَأَوفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مسؤولًا}، وقد أمر الله عز وجل به وامتدح به عباده المؤمنين، حيث يقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُم لَأَمَانَاتِهِم وَعَهْدِهِم رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

وأمانة العامل والصانع كما تنطلق من دافع ديني فإنها تنطلق أيضًا من دافع وطني، فإنما يحمل حب الوطن والعمل على رقيه وتقدمه على الأمانة وإحسان العمل والجودة والتميز فيه، حيث إن من واجب وطننا الغالي مصر علينا أن نعمل مجدين مخلصين لنهضته وتقدمه، فالجميع بعملهم الجاد المتقن في طاعة الله عز وجل، ولا يتقدم الوطن إلا بجهد وإتقان وأمانة الجميع.

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلی الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن جزاء الأمانة عظيم، وفضلها عميم، ويكفي أن العامل والصانع المتحقق بالأمانة مشهود له بالإيمان، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ)، فدل ذلك على أن الأمانة أحد ترجمات الإيمان في السلوكيات، والعامل الأمين والصانع الأمين محبوب من الله تعالى حيث أطاع أمره سبحانه، محبوب من الناس حيث يثقون بعمله وصنعته ويقبلون على مُنتَجه، فإذا قام العبد بإتقان عمله على الوجه الأكمل فجزاؤه ثمرة وخير وبركة في الدنيا، وثواب عظيم يوم يلقى الله عز وجل حيث يقول الحق سبحانه: {إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحات إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.

كما أن المجتمع الذي تتحقق الأمانة في عماله وصناعه وسائر أطيافه مجتمع خير وبركة، وبيئة صالحة مفعمة بالأمل المقترن بالإنتاج المتميز والعمل المتقن فيتحقق به الخير، ويعم الرخاء. 

اللهم أدم علينا نعم الأمن والأمانة والأمان واحفظ مصرنا وارفع رايتها في العالمين.